رفض أكبر مسؤول في «أوبك» الانتقادات التي وجهتها وكالة الطاقة الدولية أواخر الأسبوع الماضي، بإشارتها إلى أن تخفيضات إنتاج النفط الطوعية للعديد من الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط ستؤدي إلى تفاقم التضخم وتسبب حالة من عدم اليقين الاقتصادي.

قال الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص في مقابلة مع «إنرجي إنتليجنس»، إن التخفيضات الطوعية لم تكن جزءاً من أي اتفاقية لتحالف «أوبك+»، مشدداً على أن قرار تعديل الإنتاج كإجراء احترازي «حق سيادي» للدول الأعضاء.

وجدد الغيص التحذيرات السابقة من أن نقص الاستثمار في قطاع التنقيب والإنتاج العالمي يمثل أكبر تهديد للاقتصاد الدولي، في حين أن الحوار البنّاء بين الدول المنتجة والمستهلكة ضروري لمواجهة تحديات الطاقة العالمية.

إلى نص الحوار:

س: ألقى أحدث تقرير عن سوق النفط الصادر عن وكالة الطاقة الدولية باللوم على «أوبك+» في التخفيضات المفاجئة للإمدادات التي تم الإعلان عنها في 2 أبريل نيسان، وأكد أنها تخاطر بتفاقم عجز إمدادات النفط المتوقع في النصف الثاني من عام 2023 وتعزيز أسعار الخام في وقت يتصاعد فيه عدم اليقين الاقتصادي، ما تعليقك؟

ج: أولاً وقبل كل شيء، هذه ليست المرة الأولى التي تنتقد فيها وكالة الطاقة الدولية «أوبك» و«أوبك+»، فهو أمر معتاد، ولكن مراراً تسود أساسيات السوق، وتثبت توقعات وقرارات منظمة أوبك الأكثر دقة أنها صحيحة.

من أحدث الأمثلة قرار أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي، عندما أدركنا حالة عدم اليقين التي تحيط بالتوقعات الاقتصادية وسوق النفط العالمية وتأثير ذلك على أساسيات السوق، كان القرار بالإجماع خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً استجابة استباقية وفعالة.

واجه هذا القرار انتقادات حادة، ولكن بعد بضعة أشهر ومع تطور الأحداث أثنى معظم المراقبين والمحللين على القرار باعتباره المسار الصحيح للعمل لضمان استقرار السوق.

ثانياً، أود أن أوضح أنه لم يكن هناك قرار لـ«أوبك+» في أبريل نيسان، كما تدعي وكالة الطاقة الدولية، بدلاً من ذلك كان هناك العديد من التخفيضات الطوعية للإنتاج التي أعلنتها بعض الدول الأعضاء في منظمة أوبك وحلفاؤها من دول أخرى.

من الحق السيادي للبلدان أن تعدل طواعية إنتاجها في ما يبدو بوضوح «إجراءً احترازياً»، كما أن تحريف مثل هذه الإجراءات والاستمرار في توجيه النقد الذي لا أساس له من الصحة أمرٌ يأتي بنتائج عكسية، ويمكن أن يؤدي فقط إلى مزيد من التقلبات وعدم استقرار السوق.

س: وُصفت تخفيضات الإنتاج الأخيرة بأنها محفوفة بالمخاطر بالنسبة للاقتصاد العالمي ومستهلكي النفط، ماذا تقول في ذلك؟

ج: هناك العديد من العوامل التي تؤثر على الاقتصاد العالمي، الانهيارات المصرفية هي أحدث مثال، وارتفاع معدلات التضخم في أجزاء كثيرة من العالم مثالٌ آخر، وقد تفاقمت هذه العوامل بسبب تدابير سياسية محددة.

وكانت أسواق الطاقة الأخرى أكثر تقلباً بكثير من أسواق النفط، ويرجع ذلك أساساً إلى دور مجموعة «أوبك+» في تحقيق الاستقرار، لذلك فإن إلقاء اللوم على أسعار النفط في التضخم هو حجة فارغة، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح عند النظر إلى معدل التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة.

في الواقع، يعود السبب الرئيسي لزيادة تقلبات الطاقة في نقص الاستثمار لسنوات عديدة إلى الدعوات المتكررة لوقف جميع الاستثمارات في صناعة النفط.

كما تعلمون، هذه قضية نحذّر منها في أوبك منذ سنوات عديدة، على العكس من ذلك نعتقد أن جهودنا في تحقيق الاستقرار في سوق النفط مفيدة للاقتصاد العالمي على المدى المتوسط إلى الطويل، إذ إنها تشجع الاستثمارات وتسمح بمزيد من الطاقة الفائضة، وبالتالي تجنب ارتفاع الأسعار المحتمل الذي من شأنه أن يضر بشكل خطير بالاقتصاد العالمي.

س: أصدرت منظمة أوبك تقريرها الشهري عن سوق النفط قبل يوم من تقرير وكالة الطاقة الدولية، ما الاختلافات الرئيسية بين وجهات نظر منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية؟

ج: في تقرير أبريل نيسان، حافظت أوبك على توقعات النمو الاقتصادي العالمي لعام 2023 عند 2.6 في المئة، لكنها حذّرت من أن الاقتصاد العالمي سيستمر في مواجهة التحديات بما في ذلك التضخم، و ارتفاع أسعار الفائدة، خاصة في منطقة اليورو والولايات المتحدة، وارتفاع الديون في العديد من الدول، كما حافظنا على توقعاتنا للطلب العالمي على النفط لعام 2023 عند 2.3 مليون برميل يومياً.

وبالمثل، حافظت وكالة الطاقة الدولية على توقعاتها لنمو الطلب العالمي هذا الشهر عند نحو مليوني برميل يومياً لعام 2023، والتي يبدو أنها تسير على المسار الصحيح، وتقترب من توقعات أوبك.

في ما يتعلق بنمو الطلب على النفط في الصين هذا العام، والذي يشكل الجزء الأكبر من النمو المتوقع للطلب العالمي على النفط، عدّلت «أوبك» توقعاتها بالزيادة هذا الشهر بنحو 50 ألف برميل يومياً لتصل إلى 760 ألف برميل يومياً، بينما عدّلت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها بالزيادة بنحو 200 ألف برميل يومياً، لتصل إلى 1.2 مليون برميل يومياً.

س: على المدى المتوسط إلى الطويل، ما التحديات التي تواجه صناعة النفط العالمية؟

ج: أود أن أغتنم هذه الفرصة لأؤكد أهمية اتفاق التعاون «دي أو سي» في الحفاظ على استقرار سوق النفط العالمية، وأشيد بجميع الدول المشاركة في نجاحها الآن للعام السابع، رغم كل التحديات الهائلة، كما تولي أوبك أهمية كبيرة للمناقشات الموضوعية والمتوازنة في مواجهة تحديات الطاقة المستقبلية أثناء معالجة القضايا المهمة مثل تغير المناخ وتحولات الطاقة.

يجب على العالم أيضاً ضمان أن الاستثمارات المطلوبة بشدة يجب أن تتحقق من أجل الحصول على جميع مصادر الطاقة اللازمة لتأمين النمو الاقتصادي العالمي في المستقبل، والاهتمام بالتنمية المستدامة والقضاء على فقر الطاقة، لذلك أُحذِّر مراراً من الاستمرار في نشر الروايات المضللة عن ضرورة وقف الاستثمار في صناعة النفط، يمكن أن تؤدي مثل هذه الإجراءات فقط إلى مزيد من قضايا أمن الطاقة، فضلاً عن زيادة تقلبات الطاقة بشكل كبير في المستقبل مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية على المستهلكين والمنتجين والاقتصاد العالمي.

اسمحوا لي أن أنهي حديثي بالقول إننا بحاجة إلى العمل مع بعضنا البعض، ليس ضد بعضنا البعض؛ في منظمة أوبك نعتقد أن مفتاح التغلب على تحديات الطاقة المستقبلية يكمن في الدخول في حوار بنَّاء مع جميع أصحاب المصلحة.