في وقت تتزايد فيه الجهود العالمية لمكافحة التغيرات المناخية، وتتعالى فيه الأصوات للتخلص من الوقود الأحفوري، تستعد الولايات المتحدة لإنتاج كميات قياسية من النفط هي الأعلى في التاريخ؛ ما يلهب المنافسة بين واشنطن وأكبر منتجي النفط في العالم، وفي مقدمتهم روسيا والمملكة العربية السعودية.
وتأتي الزيادة المرتقبة على الرغم من الضغوط التي يمارسها النشطاء البيئيون على الرئيس الأميركي جو بايدن للتخلص التدريجي من استخدام النفط.
ومن المتوقع أن تنتج الولايات المتحدة معدلات تاريخية تصل إلى 13.3 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات خلال الربع الرابع من هذا العام، وفقاً لتقرير نشرته شركة (إس آند بي جلوبال كوموديتي إنسايتس) يوم الثلاثاء.
وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، بلغ إنتاج النفط الأميركي الأسبوعي خلال الشهر الماضي 13.2 مليون برميل يومياً، وهو أعلى بقليل من المستوى القياسي المسجل في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب (13.1 مليون)، والذي تم تسجيله في أوائل عام 2020 قبل أن تؤدي أزمة (كوفيد-19) إلى انهيار الإنتاج والأسعار.
المعروض الأميركي.. التحدي الأكبر أمام أوبك بلس
ساعد الإنتاج النفطي الغزير الولايات المتحدة في السيطرة على أسعار النفط الخام والبنزين في الأسواق، من خلال تصدير الفائض وزيادة المعروض العالمي من الخام الأسود.
فصادرات أميركا من النفط الخام والمنتجات المكررة والغاز الطبيعي تعادل الكميات التي تضخها السعودية وروسيا.
في الوقت نفسه، يضخ منتجو النفط الآخرون من خارج أوبك -بما في ذلك كندا والبرازيل- كميات كبيرة من الخام أكثر من أي وقت مضى؛ ما ساعد على تعزيز المعروض النفطي في الأسواق العالمية، ومن المقرر أن تنضم البرازيل إلى أوبك بلس العام المقبل.
وأعلن بنك غولدمان ساكس، يوم الأحد، خفض توقعاته لأسعار النفط العام المقبل، موضحاً أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو وفرة الإمدادات الأميركية.
ومن المتوقع أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى مستوى قياسي في عام 2024، لكن ستتم تلبيته بسهولة بفضل وفروة المعروض، وفقاً لتوقعات ستاندرد آند بورز.
على الجانب الآخر، أطلقت منظمة أوبك بلس في الآونة الأخيرة عدة مبادرات للحد من انخفاض أسعار النفط في الأسواق، وذلك عبر الخفض الطوعي لإنتاجها.
وكانت السعودية وأعضاء آخرون في أوبك بلس قد أعلنوا في أبريل نيسان الماضي عن خفض إنتاج طوعي لإنتاج النفط بإجمالي 1.66 مليون برميل يومياً بدءاً من مايو أيار 2023 حتى نهاية العام، بالإضافة إلى الخفض المتفق عليه سابقاً بمقدار مليونَي برميل يومياً في الفترة من نوفمبر تشرين الثاني 2022 حتى نهاية العام الجاري، ليصل إجمالي الخفض المعلن إلى 3.6 مليون برميل يومياً.
عدم اليقين يغزو أسواق الطاقة
ساعد المعروض الأميركي القياسي في إبقاء أسعار النفط قيد السيطرة نسبياً، فبعد وصول سعر البرميل إلى 100 دولار في وقت سابق هذا العام، تراجع سعر النفط الخام إلى نطاق 70 إلى 75 دولاراً في الوقت الحالي.
وتشهد أسواق الطاقة بشكل عام حالة متزايدة من عدم اليقين في ظل المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة، وآخرها هجمات المسلحين الحوثيين على السفن المارة بالبحر الأحمر، والتي أثارت مخاوف حول إمدادات الطاقة العالمية.
ودفعت الاعتداءات الحوثية العديد من الشركات الكبرى إلى وقف مرور سفنها بالبحر الأحمر، من بينها عملاقة النفط البريطانية (بي بي)، ما أسهم في رفع أسعار الطاقة هذا الأسبوع.
ورغم الارتفاع الأخير، لا يزال النفط الأميركي يُتداول بسعر أدنى من 74 دولاراً للبرميل، وهو أقل بكثير من المستوى الذي سجله عقب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر تشرين الأول.
النفط الصخري.. سر التفوق الأميركي
يعود الإنتاج النفطي القياسي في الولايات المتحدة إلى تقنيات الحفر الذكية التي لجأت إليها شركات النفط خلال السنوات الأخيرة والمعروفة باسم (النفط الصخري)، والتي مكنتها من استخراج المزيد من النفط من باطن الأرض.
وأدت ثورة النفط الصخري إلى فتح الباب على مصراعيه لموارد نفطية ضخمة في البلاد رغم الانتقادات الواسعة الموجهة لتلك التقنيات، ومن بينها تلويث البيئة المحيطة واستخدام كميات هائلة من الماء.
(CNN- مات إيغان)