مع تولي الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان دفة الأمور في البلاد، قد يكون ملف النفط من أصعب الملفات التي تواجهه، لما يمثله من تحدٍ كبير نتيجة لعوامل سياسية واقتصادية معقدة تؤثر على صناعة النفط الإيرانية.
هناك نبأ سارّ للرئيس الجديد ونبأ آخر قد يكون غير سار مرتبط بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، إذا ما نجح دونالد ترامب، والنبأ السار للحكومة القادمة أن صادرات النفط بلغت أعلى مستوى لها في خمس سنوات عند 1.7 مليون برميل يومياً وفقا لشركة تحليلات النفط فورتيكسا، أما النبأ غير السار، فهو أن الرئيس الجديد قد يضطر إلى التعامل مع رئيس أميركي أقل تسامحاً، ففي عام 2018، مزق دونالد ترامب خطة العمل الجماعية المشتركة وفرض عقوبات «الضغط الأقصى» على إيران، الأمر الذي أدى بسرعة إلى تقييد صادرات النفط وتسبب في انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد.
إنتاج النفط الإيراني يتحدى العقوبات
تعد إيران واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، حيث تمتلك احتياطيات ضخمة من النفط، تُقدر بنحو 157 مليار برميل، ما يضعها في المرتبة الرابعة عالمياً من حيث الاحتياطيات النفطية المؤكدة.
في عام 2021 كان متوسط إنتاج إيران النفطي يتراوح بين مليوني و2.2 مليون برميل يومياً، من أصل القدرة الكاملة على الإنتاج البالغة 3.85 مليون برميل يومياً، حتى عشية العقوبات الأميركية في 2018.
لكن مشكلات الصيانة وصعوبة توريد النفط إلى الأسواق العالمية في ظل العقوبات أبقت كميات الإنتاج عند مستويات تقل عن قدرة البلاد الفعلية، وبالتالي أحدثت تراجعاً في المداخيل المالية.
وحتى يوليو تموز 2021، بلغ إنتاج إيران النفطي 2.02 مليون برميل يومياً، وفق بيانات منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك».
ومع نهاية 2021، بلغ متوسط إنتاج إيران النفطي قرابة 2.4 مليون برميل يومياً، وهو لا يزال أقل من القدرة الكامل بنحو 1.45 مليون برميل يومياً.
وبحلول النصف الأول من 2022، تشير بيانات ثانوية لمنظمة «أوبك» إلى أن إنتاج إيران النفطي بلغ 2.6 مليون برميل يومياً، في وقت كانت العقوبات الأميركية تهدف إلى وصول الإنتاج إلى صفر.
وصعد الإنتاج إلى قرابة 2.8 مليون برميل يومياً بحلول النصف الأول من 2023، مع توسع دائرة عملاء إيران للنفط، الذي كانت تبيعه بخصومات تقل بنحو 15 دولاراً لكل برميل عن الأسعار العالمية.
وبحسب بيانات أوبك، بلغ متوسط إنتاج إيران النفطي بحلول نهاية 2023، نحو 3.1 ملايين برميل يومياً، قبل أن يبلغ الإنتاج في أبريل نيسان الماضي (أحدث بيانات متوفرة) 3.2 ملايين برميل يومياً.
بذلك، يكون إنتاج النفط الإيراني في ظل العقوبات الغربية نما 60 في المئة، في الفترة بين أغسطس آب 2021 وأبريل نيسان 2024.
وبعد قفزة الإنتاج الإيراني، زاد متوسط الصادرات إلى 1.537 مليون برميل يومياً خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2024، بزيادة 39 في المئة عن متوسطه البالغ 1.106 مليون برميل يومياً خلال المدة نفسها من 2023، حسب بيانات شركة كبلر المتخصصة ببيانات النفط وتتبعها.
حقول النفط
تمتلك إيران عدداً كبيراً من حقول النفط الرئيسية، أبرزها حقل «أزاديجان» و«جنوب بارس». ويعد حقل «جنوب بارس» من أكبر الحقول في العالم، ويحتوي على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي.
التحديات الاقتصادية لقطاع النفط
تعاني إيران من عقوبات اقتصادية صارمة فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية بسبب برنامجها النووي، وهذه العقوبات تؤثر بشكل كبير على قدرة إيران على تصدير النفط، حيث انخفضت صادرات النفط الإيرانية إلى مستويات متدنية جداً منذ فرض العقوبات عليها في عام 2018.
والعقوبات لا تؤثر فقط على صادرات النفط، بل تمتد إلى استثمارات وتكنولوجيا قطاع النفط والغاز، ما يعرقل تطوير البنية التحتية وتحديثها.
كما تؤدي العقوبات والضغوط الاقتصادية الأخرى إلى ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية ( الريال الإيراني)، الذي هبط إلى أكثر من 600 ألف ريال مقابل الدولار، وهذا الأمر يزيد من تكلفة الإنتاج ويؤثر على استدامة صناعة النفط.
التحديات السياسية للنفط
التوترات المستمرة في منطقة الخليج العربي تزيد من صعوبة تصدير النفط الإيراني، كما أن الاعتداءات المتكررة على ناقلات النفط في مضيق هرمز تزيد من مخاطر النقل وتؤدي إلى ارتفاع تكاليف التأمين، ما يؤثر سلباً على العائدات النفطية الإيرانية.
أضف إلى ذلك، حاجة إيران إلى إقامة علاقات جيدة مع الدول المستوردة للنفط ومع الدول المجاورة لتحقيق استقرار في سوق النفط، فالتوترات المستمرة مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تجعل من الصعب على إيران التفاوض على صفقات نفطية جديدة أو تعزيز العلاقات الاقتصادية، ورغم أن العلاقات مع الصين والهند وروسيا على وجه الخصوص جيدة، فإنها علاقات مبادلة.
والواقع أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني، الذي تقيده عقود من العقوبات، لا يتجاوز خمسة آلاف دولار أميركي، بحسب داتا رابر.
التحديات التقنية والاستثمارية
بسبب العقوبات، تفتقر إيران إلى التكنولوجيا الحديثة التي تحتاج إليها لتطوير حقول النفط واستغلال الاحتياطيات بطريقة فعالة، فالتكنولوجيا المتقدمة تعتبر أساسية لاستخراج النفط بكفاءة عالية وتقليل التكاليف.
كما أن العقوبات والبيئة السياسية غير المستقرة تجعل من الصعب جذب استثمارات أجنبية في قطاع النفط، فالاستثمارات الأجنبية تعتبر ضرورية لتطوير القطاع وزيادة الإنتاجية.
ماذا يفعل بزشكيان؟
فماذا يفعل الرئيس الإيراني الجديد، لتجاوز هذه التحديات الصعبة في قطاع النفط، الذي تعتمد عليه البلاد بشكل كبير في نموها الاقتصادي؟
هل ينجح في إعادة سيناريو نمو صادرات النفط الإيرانية بنحو 60 في المئة رغم العقوبات، كما حدث خلال الفترة بين أغسطس آب 2021 وأبريل نيسان 2024؟
أم يبحث عن تحسين الوضع الاقتصادي الداخلي من خلال سياسات اقتصادية تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وزيادة التنوع الاقتصادي؟
أم يسعى بزشكيان إلى التفاوض مع الدول الغربية لرفع العقوبات أو تخفيفها، لتمكين إيران من زيادة صادراتها النفطية والاستفادة من الإيرادات لتحسين الاقتصاد الوطني؟
أم يتجه بزشكيان إلى حلفاء إيران مثل الصين وروسيا، لتعزيز التكنولوجيا المحلية وتطوير القدرات الذاتية في مجال النفط؟