تشهد منطقة الشرق الأوسط توترات جيوسياسية غير مسبوقة بعد سلسلة من الأحداث الدامية التي هزت المنطقة، من أبرز هذه الأحداث مقتل فؤاد شكر المسؤول الثاني في حزب الله ومقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية.

ففي أقل من 6 ساعات، هذه التطورات تفتح الباب أمام سيناريوهات تصعيد خطيرة قد تؤثر بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية، خاصة في القطاعات الأكثر تعرضاً لهذه الاضطرابات، وعلى رأسها قطاع الطاقة.

الحرب المستعرة بين إسرائيل وحماس تؤدي إلى مزيد من التصعيد، ما ينعكس سلباً على اقتصادات المنطقة، وخاصة في قطاع الطاقة.

تحليل حديث نشرته صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية تناول السيناريوهات المحتملة في حال دمر حزب الله منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية.

التقرير يوضح أن الهجمات المحتملة على منصات الغاز قد تكون كارثية، ما يثير القلق بشأن استقرار إمدادات الطاقة ليس فقط لإسرائيل، بل للدول المجاورة أيضاً.

استهداف منصات الغاز الطبيعي: إذا حدث تصعيد في الشمال، فمن المحتمل أن يستهدف حزب الله منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية، هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى إغلاق جميع المنصات الثلاثة (كاريش، ليفياثان، وتمار)، ما يُعتبر كارثياً.

وتشير التقديرات إلى أن هذا الإغلاق قد يسبب نقصاً حاداً في إمدادات الطاقة لإسرائيل والدول المجاورة.

تأثيرات الحرب الشاملة

التقرير أشار إلى أن الحرب الشاملة في الشمال قد تؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي المبرمج والمجدول مسبقاً لعدة أسابيع، الأضرار غير المباشرة قد تكون أكبر، حيث ستطلب شركات الغاز الطبيعي تعويضات عن الأضرار المالية التي تكبدتها، إضافة إلى ذلك، الأضرار البيئية الناتجة عن استهداف منصات الغاز يمكن أن تكون جسيمة، ما يزيد من تعقيد الأوضاع.

تفاصيل منصات الغاز وحمايتها

إسرائيل تمتلك 3 منصات رئيسية (كاريش، ليفياثان، وتمار). تدير شركة إنيرغيان منصة كاريش، بينما تدير شركة شيفرون ليفياثان وتمار.

منصتا كاريش وتمار تزودان السوق المحلية بمعظم الغاز الطبيعي، بينما تُصدر ليفياثان الجزء الأكبر من الغاز إلى الأردن ومصر.

إجراءات الطوارئ: في حالة الطوارئ، يمكن لوزير الطاقة أن يأمر بوقف صادرات الغاز الطبيعي لإعطاء الأولوية للسوق المحلية، حدث ذلك في أكتوبر الماضي عندما تم إغلاق منصة تمار لمدة شهر بسبب مخاوف من هجوم، واستطاعت ليفياثان سد الفجوة دون مشكلات كبيرة في سوق الطاقة المحلية.

وتم استثمار أكثر من 3 مليارات شيكل في الدفاع عن منصات الغاز الإسرائيلية. على الرغم من هذه الاستثمارات، تبقي المنصات عرضة للخطر، حزب الله يمتلك صواريخ ياخونت الروسية المضادة للسفن، والتي يمكنها التحليق على ارتفاع الموج، ما يتفادى بعض أنظمة الدفاع الجوي.

السيناريو الأسوأ: نقص حاد في الطاقة

إذا توقفت جميع المنصات الثلاثة عن العمل بسبب الحرب الشاملة، فإن إسرائيل ستواجه مشكلة كبيرة، تحليل التقرير يشير إلى أن الإنتاج من الفحم يمكن أن يعوض جزءاً من النقص، لكن التكلفة ستكون مرتفعة جداً مقارنة بالغاز الطبيعي.

فعلى سبيل المثال، تكلفة الإنتاج من الديزل أعلى بـ16 مرة من تكلفة الغاز الطبيعي.

احتمالية تعرض منشآت الغاز للقصف ستؤثر على إسرائيل وفلسطين والأردن ومصر. إسرائيل تنتج 70% من الكهرباء من الغاز الطبيعي، بينما تستورد فلسطين معظم الكهرباء من إسرائيل.

الأردن يمكنه توليد الطاقة لمدة ست ساعات يومياً في حال قطع الغاز الإسرائيلي، بينما سيكون الضرر أقل على مصر لأنها تستورد نحو 12% فقط من الغاز من إسرائيل.

الأردن قد يضطر للبحث عن مصادر بديلة للطاقة في حال قطع الغاز الإسرائيلي، ما يزيد من تكاليف الإنتاج ويؤثر على الاقتصاد المحلي، فأي انقطاع طويل الأمد في إمدادات الغاز قد يؤدي إلى اضطرابات سياسية واجتماعية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.

الحكومة الأردنية قد تجد نفسها مضطرة لاتخاذ إجراءات سريعة وفعالة لتأمين إمدادات الطاقة وتجنب أي اضطرابات داخلية.

إسرائيل بدورها يمكنها التحول إلى استخدام الديزل أو الفحم لتوليد الكهرباء، ما سيقلل من تأثير الأزمة على إمدادات الكهرباء، ففي حالة حدوث نقص في إمدادات الغاز، يمكن لإسرائيل أن تلجأ إلى استخدام محطات الفحم والديزل لتوليد الكهرباء.

هذه الإجراءات قد تكون مكلفة ولكنها ضرورية لتجنب انقطاع التيار الكهربائي بشكل واسع. الحكومة الإسرائيلية قد تضطر أيضاً إلى اتخاذ إجراءات إضافية لتعزيز الأمن حول منصات الغاز ومنع أي هجمات مستقبلية.

وأوضح بشار حلبي، محلل أسواق الطاقة لدى شركة Argus، لـCNN الاقتصادية أن التصعيد بين حزب الله وإسرائيل أو حتى إيران وإسرائيل سيؤثر بشكل كبير على البنية التحتية للطاقة الإسرائيلية، سواء كانت حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط أو المصافي داخل إسرائيل.

وأضاف حلبي أن الكهرباء في إسرائيل لن تتأثر بشكل كبير كما قد يعتقد البعض، فسيكون هناك تأثير بالطبع، ولكن لن يكون هناك ظلام تام في البلاد. على الرغم من ذلك، ستكون الأردن ومصر هما الأكثر تضرراً.

وأشار حلبي إلى أن مصر قامت بشراء نحو 25 ناقلة للغاز الطبيعي المسال لتأمين الإمدادات وتجنب أي اضطرابات داخلية نتيجة انقطاع الكهرباء، خاصة خلال فترات الحرارة العالية التي قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية، أما الأردن، فيعتمد بشكل كبير على واردات الغاز الإسرائيلي، ويواجه صعوبة في تأمين بدائل للإمدادات بسبب الهجمات الحوثية على ممرات الشحن في البحر الأحمر وربما في البحر الأبيض المتوسط.

واختتم حلبي بالقول إنه إذا قام حزب الله أو إيران بمثل هذه التحركات، فإن ذلك سيكون بمثابة إعلان حرب، وتوقع أن ترد إسرائيل بقوة كبيرة، ما سيعرض البنية التحتية للطاقة في إيران لخطر كبير.

ومع ذلك، يرى حلبي أن هذا السيناريو قد يبقى خارج حدود الصراع حالياً بسبب الردع المتبادل، حيث تستطيع إسرائيل ضرب البنية التحتية للطاقة الإيرانية، وهو ما لا ترغب فيه إيران نظراً لأهمية هذه البنية لاستقرار النظام الإيراني.

في الختام تعيش المنطقة حالة من التوتر الكبير بسبب التصعيد المستمر بين إسرائيل وحزب الله وحركة حماس، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات تصعيد محتملة تؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية العالمية، خاصة في قطاع الطاقة. تظل المنطقة تحت تهديد مستمر، ما يجعل من الضروري البحث عن حلول دائمة ومستدامة لتفادي الأزمات المستقبلية.