تسود أسواق الطاقة حالة عدم يقين بشأن مصير أسعار النفط والغاز في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، وتوقعات الطلب العالمي على الطاقة، وسط تساؤل رئيسي حول مستقبل الأسعار في السنوات القليلة المقبلة.
بدأ عدم اليقين مع ارتفاع أسعار الطاقة القوي في أعقاب الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير شباط 2022، والذي أعقب انتعاش الطلب العالمي مع إعادة فتح الاقتصادات ورفع قيود الإغلاق التي فرضتها جائحة كورونا.
ومع ذلك، عادت الأسعار للانخفاض من جديد، قبل أن تأتي التوترات الأخيرة في الشرق الأوسط بين إسرائيل وغزة ولبنان لتعيد المخاوف حول الأسعار، تزامناً مع التغيرات الاقتصادية التي تؤثر على مستويات الطلب على الطاقة والمعروض النفطي في الأسواق.
وفي هذا الصدد، قال فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، اليوم الأربعاء، إن إمدادات النفط والغاز الطبيعي ستزداد في النصف الثاني من هذا العقد، ما دام الصراع في الشرق الأوسط والحرب الروسية في أوكرانيا لا يعرقلان الاتجاهات الحالية.
وأضاف في بيان مصاحب لأحدث تقرير عن توقعات الطاقة العالمية الصادر عن وكالة الطاقة الدولية أن ذلك «سينقلنا إلى عالم طاقة مختلف تماماً عن العالم الذي شهدناه في السنوات الأخيرة خلال أزمة الطاقة العالمية.. إنه يعني ضغطاً هبوطياً على الأسعار، ما يوفر بعض الراحة للمستهلكين الذين تضرروا بشدة من ارتفاع الأسعار».
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية حدوث فائض في إمدادات النفط والغاز الطبيعي المسال خلال النصف الثاني من عشرينيات القرن الحالي، إلى جانب وفرة في القدرة التصنيعية لبعض تقنيات الطاقة النظيفة الرئيسية مثل الألواح الشمسية والبطاريات.
وبينما يبعث التقرير بتوقعات إيجابية بالنسبة للمستهلكين حول هدوء أسعار الطاقة، فإنه يدعو أيضاً إلى انتقال أسرع إلى الطاقة النظيفة، ليس فقط لمعالجة أزمة المناخ ولكن أيضاً لضمان أمن الطاقة العالمي الذي تهدده التوترات الجيوسياسية.
فرصة للعمل المناخي
يعد الانخفاض المتوقع في أسعار الوقود الأحفوري بمثابة أخبار جيدة لجيوب المستهلكين، ولكن ما إذا كان سيساعد أيضاً في اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ، كما تأمل وكالة الطاقة الدولية، سيعتمد إلى حد كبير على ما ستفعله الحكومات بعد ذلك.
ويقول بيرول «إن فترة الاستراحة من ضغوط أسعار الوقود يمكن أن توفر لصانعي السياسات مجالاً للتركيز على زيادة الاستثمارات في تحولات الطاقة النظيفة وإلغاء دعم الوقود الأحفوري غير الفعال»، وأحد الأمثلة على هذه الضغوط هو مئات المليارات التي أنفقتها الحكومات الأوروبية منذ سبتمبر 2021 لحماية المستهلكين من ارتفاع تكاليف الطاقة.
وأضاف بيرول «هذا يعني أن السياسات الحكومية وخيارات المستهلكين ستكون لها عواقب وخيمة على مستقبل قطاع الطاقة ومعالجة تغير المناخ».
وتشير وكالة الطاقة الدولية في تقريرها إلى أن الاستثمار في الطاقة الخضراء ليس ضرورياً فقط لمنع وقوع كارثة مناخية -إذ إن حرق الوقود الأحفوري هو السبب الرئيسي لتغير المناخ- بل هو أيضاً منطقي من الناحية المالية.
وكتبت الوكالة في تقرير «إن العديد من تقنيات الطاقة النظيفة هي بالفعل الخيارات الأقل تكلفة عند أخذ تكاليف دورة الحياة في الاعتبار»، موضحة أنه رغم أن تكاليفها الأولية في كثير من الحالات أعلى من تكاليف نظيراتها التقليدية، فإنها غالباً ما تكون تكاليف تشغيلها أقل بكثير لأنها أكثر كفاءة، كما أنها تحمي المستهلكين من التقلبات في أسعار الوقود الأحفوري.
وكررت وكالة الطاقة توقعاتها السابقة بأن الطلب على النفط والغاز الطبيعي والفحم سيصل إلى ذروته بحلول نهاية العقد، لكنها حذرت من أن العالم لا يزال بعيداً عن مسار يتماشى مع أهدافه الصفرية للانبعاثات الكربونية، قائلة «إنه استناداً إلى سياسات اليوم، فإن العالم يسير على الطريق الصحيح نحو ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار 2.4 درجة بحلول نهاية القرن».
(أوليسيا دميتراكوفا، CNN).