ألفا جنيه مصري هما كل دخل أيمن الذي يعمل في محل بيع منظفات في أحد شوارع حي شبرا القديم، وهما كذلك المبلغ الذي يسعى صاحب العقار الذي يقطن فيه للحصول عليه كإيجار شهري بدلاً من الـ(خمسة جنيهات) التي تدفعها الأسرة منذ توقيع العقد في بداية الستينيات.
أيمن ليس الوحيد الذي يعيش تحت هذا الوضع، ولكن تتضارب الأرقام حول أعداد هذه الوحدات، فبحسب آخر تعداد قومي قامت به الدولة فإن أكثر من 1.6 مليون أسرة تعيش في مساكن تحت نظام القانون القديم، وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تحتل القاهرة المركز الأول، حيث يسكن 25 في المئة من أسر العاصمة في هذه الوحدات وتحل الإسكندرية ثانية بواقع 16 في المئة من الأسر أما محافظة الجيزة؛ فتأتي في المركز الثالث بـ14 في المئة من الأسر.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
أبرمت عقود هذه المساكن في فترات مختلفة بين الأربعينيات والثمانينيات. ويتنفس الجميع الصعداء منذ صدور الحكم الأخير للمحكمة الدستورية الخاص بصيانة الملكية الخاصة لهذه الوحدات والذي ألزم مجلس النواب بسن تشريع جديد بخصوصها قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية في يوليو تموز القادم، لوضع حد لسجال شبه مجتمعي استمر لعقود دون حسمه، حيث ظلت العلاقة الإيجارية بين ملاك العقارات القديمة وشاغليها تصعد إلى السطح ثم تغوص مجدداً في صمت صارخ.
فطبيعة العلاقة بين الملاك والمستأجرين تشهد شداً وجذباً منذ عقود بسبب قيمة الإيجارات، فبحسب أيمن يقوم المستأجرون بدفع تكلفة الصيانة والترميم منذ عقود بسبب رفض الملاك تحملها، وهؤلاء يأبون الدفع بسبب الإيجارات الهزيلة أحادية وعشرية الأرقام التي يتلقونها، فهي لا تغطي تكلفة مشوار التحصيل، بعض من التقتهم CNN الاقتصادية يدفعون بين 3 جنيهات ونصف الجنيه، وخمسة جنيهات في الشهر، وهو مبلغ يساوي بين سبعة وعشرة سنتات، ولا يكفي لشراء فنجان قهوة أو صحن فول على عربة في حي شعبي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ولكن المستأجرين من طرفهم يذكرون أن الجنيهات الخمسة التي كان يدفعها آباؤهم كانت تمثل ثلث راتبهم الشهري، كما أن الخلو أو رسم الدخول الذي دفعه الجيل السابق والذي كان يبلغ في بعض الأحيان 500 جنيه في فترة الأربعينيات والخمسينيات كانت ثروة، حيث إن ثمن العقار في أحياء القاهرة الراقية كان بين 6000 و10000 جنيه، فضلاً عن احتفاظ الملاك بقيمة الأرض التي تتخطى عشرات ملايين الجنيهات.
ماريان رفعت أم لطفلين يعيشون جميعاً في شقة في أحد شوارع حي شبرا القريب من منطقة وسط القاهرة، تدفع رفعت ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه كل شهر كإيجار شهري، قالت السيدة التي تعول ابنيها في لقاء مع CNN الاقتصادية إنها تتقبل «فكرة رفع قيمة الإيجار على أن يكون المبلغ سهل السداد ليرتفع إلى 50 جنيهاً أو 100 جنيه وهو ما يمثل نحو 30 مثلاً، وذلك شريطة»عدم المساس بمدة العقد، حيث إذا صدر القرار بخروج المستأجرين بعد فترة عام أو عامين سنصبح بلا مأوى وسنفترش الشوارع".
وهذا ما يسعى إليه الملاك وهو تحرير العقود بمعنى إنهاء العلاقة التجارية للاستفادة من أملاكهم، أشرف فواز محام بمدينة الإسكندرية وينشط أمام المحاكم المدنية ممثلاً عشرات الملاك، قال فواز في لقاء مع CNN الاقتصادية إن «الوضع الحالي وتمديد عقود أتى عليها الزمان يشكل سابقة وهي استفادة ورثة المستأجرين من الأملاك بينما ورثة الملاك لا يستفيدون من أملاكهم». وأضاف فواز أن "الأولوية ليست رفع قيمة الإيجارات وإن كانت بألف مثلاً، وإنما إنهاء العلاقة الايجارية وتحرير الوحدات السكنية والإدارية، وهو ما تخشاه ملايين الأسر في مصر وليست ماريان وحدها.
فضلت الحكومات المتعاقبة على حكم مصر تجاهل مشكلة قانون الإيجار القديم منذ عقود، ولم تبت فيها أبداً، حيث يعيش الملاك في صبر أبدي ويخشى المستأجرون الطرد، فأغلب شاغلي هذه العقارات من محدودي الدخل وإضافة تكاليف سكن على ميزانياتهم أمرٌ بالغ التعقيد، وسيؤدي إلى انزلاق المزيد من الأسر تحت خط الفقر.
ويلزم الحكم الأخير للمحكمة الدستورية العليا في مصر مجلس النواب بسن تشريع قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية في يوليو تموز القادم من باب صيانة الملكية.