ففي الوقت الذي ترزح فيه اقتصادات كبرى تحت ضغط التعريفات والركود يبدو أن
دول الخليج تلعب بأوراق مختلفة مرتكزة على تحويل التحدي إلى فرصة، عبر مضاعفة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات، والتكامل مع الأسواق الأميركية.
وكشف تقرير PwC بي دبليو سي الشرق الأوسط الذي صدر في 29 مايو بعنوان "ترامب والتعريفات الجمركية والتجارة والتراجع التدريجي: فهم التحولات الاستراتيجية التي ترسم ملامح المنطقة" التحولات بوضوح، مستنداً إلى أرقام ومؤشرات تفصيلية تم تحليلها عقب زيارة ترامب إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
صفقات تريليونية ونفوذ خليجي
وقال ستيفن أندرسون، قائد قسم الاستراتيجية في PwC الشرق الأوسط «المنطقة لا تتكيف مع التحولات العالمية فحسب، بل تسهم في صناعتها».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ووفق التقرير، أعادت زيارة ترامب إلى الخليج تشكيل خريطة العلاقات الاقتصادية مع إعلان صفقات ضخمة بلغت قيمتها أكثر من تريليون دولار أميركي: 600 مليار دولار من السعودية، بما يشمل توسيع مصفاة موتيفا في تكساس و243.5 مليار دولار من قطر، معظمها في مشاريع الغاز الطبيعي المسال و200 مليار دولار من الإمارات، تشمل مركز بيانات للذكاء الاصطناعي بقدرة 5 غيغاواط.. إلى جانب تأسيس السعودية لـ"هيومين"، شركة وطنية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، بينما وقّعت شراكات مع عمالقة التكنولوجيا مثل OpenAI وxAI وNVIDIA.
طفرة البنية التحتية الرقمية في الخليج
ووفق التقرير سجل الطلب على مراكز البيانات في الخليج نمواً تاريخياً، مدفوعاً بتبني الذكاء الاصطناعي والسياسات التنظيمية التي تفرض توطين البيانات مثل السعودية.. بحسب PwC، من المتوقع أن ترتفع السعة من 648 ميغاواط في 2024 إلى 1 غيغاواط بحلول 2026، بزيادة تفوق 50 بالمئة.
وتُقدَّر السعة المتوقعة للفرد بـ15 واط في الخليج، أي ضعف المتوسط العالمي البالغ 7 واط للفرد.. وتتصدر الإمارات وقطر هذا النمو، مستفيدتين من توفر الأراضي، وانخفاض كلفة الطاقة، وبيئة الأعمال الداعمة.
النفط والسياسة.. أوبك+ تغيّر مسارها
في أعقاب فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 10 بالمئة في أبريل، تراجعت أسعار النفط بـ12 دولاراً للبرميل خلال أسبوع، ما دفع أوبك+ لتسريع رفع الإنتاج؛ السعودية رفعت إنتاجها إلى 9.37 مليون برميل يومياً، قبل موعدها الأصلي في أكتوبر.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الناتج المحلي النفطي في الخليج بـ1.7 بالمئة في 2025، مع احتمال زيادة إضافية قدرها 0.5 نقطة مئوية إذا استمرت التوسعات، أما الناتج غير النفطي فاستمر في النمو بقوة، حيث سجّل 71 بالمئة في أبوظبي (الربع الرابع 2024) و4 بالمئة في الكويت و3.4 بالمئة نمواً غير نفطي متوقعاً في 2025.
ومن المتوقع وفق التقرير أن يبلغ إجمالي نمو الناتج المحلي للمنطقة 3.1 بالمئة في 2026، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف معدل 2023-2024.
ضغوط مالية رغم الأداء الإيجابي
رغم مؤشرات النمو، لفت التقرير إلى تحديات الميزانيات الخليجية نتيجة انخفاض أسعار النفط وارتفاع تكاليف الإقراض فالسعودية تتجه نحو عجز يتجاوز ضعف التقدير الأصلي البالغ -2.3 بالمئة، والكويت تواجه عجزاً متوقعاً بنسبة -7.9 بالمئة، والبحرين عند -10.4 بالمئة.
رغم ذلك لجأت الدول إلى أسواق الدين بقوة حيث أصدرت السعودية سندات بقيمة 31 مليار دولار في الربع الأول.
وعادت الكويت لأسواق الدين بعد توقف دام 8 سنوات أما البحرين فنجحت بإصدار سندات وصكوك بقيمة 2.5 مليار دولار وفق التقرير.
وأكد ريتشارد بوكسشال، كبير الاقتصاديين في بي دبليو سي «تستفيد حكومات الخليج من سهولة الوصول إلى الأسواق المالية لمواصلة تنفيذ خطط التحول الاقتصادي، رغم الضغوط قصيرة المدى».
الدولار والتضخم وأسواق المال
وعلى عكس التوقعات، أفاد التقرير بتراجع الدولار بنسبة -9 بالمئة منذ بداية 2025، ما زاد من كلفة الاستيراد في دول الخليج المقيدة بربط عملاتها بالدولار.
وفي ظل ارتفاع تكلفة الاقتراض وارتفاع هوامش التأمين ضد التخلف عن السداد (CDS)، تواجه الأسواق تحديات ثقة خاصة في البحرين وعُمان.
في المقابل، وبحسب التقرير، يوفّر ضعف الدولار ميزة تنافسية للصادرات غير النفطية والقطاع السياحي، الذي يشهد نمواً متزايداً.
نحو اقتصاد رقمي سيادي
ويبرز في ظل تصاعد التوترات التجارية وضعف النمو العالمي، توجه دول الخليج نحو بناء اقتصاد رقمي مستقل وقائم على الشراكات الاستراتيجية؛ من توسع أرامكو في الولايات المتحدة، إلى استثمار ملياري دولار من MGX في العملات المستقرة المدعومة من عائلة ترامب USD1، وتبدو المنطقة مستعدة لإعادة تعريف دورها في الاقتصاد العالمي.
الخليج إذاً لا ينتظر بل يصنع المستقبل؛ ففي عالم يسوده الغموض، تنجح دول الخليج في قلب المعادلات.. التعريفات لم تكن ضربة قاضية، بل دافعاً لإعادة التموضع.
بين النفط والذكاء الاصطناعي، بين التراجع المالي والاستثمار الرقمي، ترسم دول الخليج نموذجاً متجدداً للنمو السيادي، يتجاوز التكيف نحو التأثير وفق ما خلص إليه التقرير.