في عالمٍ تتشابك فيه الخيوط النقدية، وتتقاطع فيه الأسماء وتتباين فيه المصالح، يُروى عن أربع عملات تشترك في الاسم وتختلف في القدر، كلها تُدعى «دولاراً»، لكن لكلٍ منها قصة تبدأ من مدينة مختلفة، وتُكتب فصولها بأسلوبها الخاص:
الدولار الأميركي، الكندي، الأسترالي، والنيوزيلندي، ماذا عن أنياب كل دولار منفرداً، وماذا عن الجميع حين تجمعهم حلبة واحدة؟
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
رغم تشابه الأسماء، فكل «دولار» من هذه العملات يحمل بصمةً اقتصادية خاصة:
الأميركي: هو عملة العالم، تقود السوق، وتُحرّك الاتجاهات.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
الكندي: يعكس تقلبات أسواق الطاقة، ويخضع لتقلبات جاره الكبير.
الأسترالي: سلعي الطابع، لكنه ابن الصين بالتبني.
النيوزيلندي: زراعيّ الهوى الجذور، يخوض سباق العملات من على صهوة الأبقار.
ومع دخول العالم مرحلة غموض نقدي جديد في 2025، حيث تتزايد التكهنات بشأن تخفيضات محتملة للفائدة الأميركية، تبدأ معركة جديدة بين هذه الدولارات، معركة لا تحسمها البيانات فقط، بل التوقعات، واللحظة المناسبة.
إنه صراع «الدولارات» في عالم لا يؤمن بالتشابه، بل بالقوة النسبية، وسرعة الاستجابة.
وبينما يُصدر الدولار الأميركي أنفاسه من نيويورك ويملي إيقاع السوق من واشنطن، تتقلب الدولارات الثلاثة الأخرى في الشمال والجنوب، ما بين شواطئ فانكوفر وغابات نيوزيلندا، محاولةً فرض ذاتها في مشهد عالمي لا يرحم الضعفاء.
فمن سيدني إلى تورونتو، ومن أوكلاند إلى وول ستريت، يبدو أن السؤال ذاته يتكرر بصيغ مختلفة، من سيقود المرحلة المقبلة؟، وهل يبقى الدولار الأميركي في صدارة المشهد، أم نشهد لحظة تحوّل تاريخية تبدأ من سلع الشمال أو أبقار الجنوب؟
الدولار الأميركي.. من نيويورك يُدار العالم
لا يزال الدولار الأميركي (USD) يحتفظ بمكانته كعملة الاحتياط الأولى عالمياً، وكأداة تسعير رئيسية للسلع والأسواق، ومع كل اجتماع للفيدرالي الأميركي، ومع كل كلمة ينطق بها رئيسه، تهتز أسواق الفوركس وتتحرك أزواج العملات كأنها تُقاد من غرفة واحدة في واشنطن.
أهم العوامل المؤثرة في الدولار الأميركي:
سياسات الفيدرالي: رفع الفائدة يعزز من قوة الدولار ويجذب رؤوس الأموال. أما التلميح بالتيسير، كما هو متوقع في 2025، فيفتح باب التراجع أمام بقية العملات والسلع الأخرى.
بيانات سوق العمل والتوظيف: كل زيادة في عدد الوظائف تُفسَّر كدليل على صحة الاقتصاد، وتدفع المتداولين نحو الدولار.
التضخم: مؤشر أسعار المستهلك (CPI) يمثل معياراً حيوياً لقرارات الفائدة، فضلاً عن مؤشر التضخم المفضل للفيدرالي الذي يقيس القوة الفعلية للإنفاق الاستهلاكي الشخصي، وبالتالي لقوة الدولار.
الرسوم الجمركية: حتى الآن، حرب الرسوم الجمركية تضغط على الدولار وتبقيه ضعيفاً أمام بقية العملات وأمام الذهب على وجه الخصوص، فكل تأكيد بفرض رسوم ينهار الدولار أكثر، وكل تخفيف أو تراجع يأتي في صالح الدولار.
الدولار الكندي.. النفط في الحسبان
الدولار الكندي (CAD)، أو ما يسميه المتداولون أحياناً «الدولار الشمالي»، يتمتع بهوية سلعية مميزة، فعلاقته بأسعار النفط تُعد من أبرز سماته، خاصة أن كندا تُصنف بين أكبر مصدّري الخام في العالم.
أهم العوامل المؤثرة في الدولار الكندي:
- أسعار النفط: كل ارتفاع في خام غرب تكساس (WTI) يُعطي الكندي دفعة إضافية.
- بنك كندا (BoC): أي تغيير في النبرة أو التوجه للفائدة يُترجم فوراً في الأسواق.
- الاعتماد على الاقتصاد الأميركي: الصادرات الكندية مرتبطة بشدة بالنمو الأميركي، ما يجعل CAD تابعاً جزئياً لـUSD.
- بيانات سوق العمل والإنتاج: أي أرقام قوية تُعزز الثقة في الدولار الكندي وتُعيد التوازن في مواجهة التقلبات.
لكن في النهاية، لا يزال «ظل الدولار الأميركي» يلاحق الكندي، في شاشات وينيبيغ ومكاتب مونتريال، ويؤثر في أدائه أكثر من أي قرار داخلي.
الدولار الأسترالي.. نبض سيدني تنبض بقلب صيني
الدولار الأسترالي (AUD) هو العملة التي ترقص إيقاعها على نغمة الأسواق الآسيوية، لا سيما الصين.
ورغم اعتماد أستراليا على صادرات المعادن (مثل الحديد والفحم)، فإن الاقتصاد الصيني هو شريان الحياة الأهم لهذه العملة.
أهم العوامل المؤثرة في الدولار الأسترالي:
- الطلب الصيني على المعادن: أي تباطؤ في الصين يُترجم فوراً إلى ضغوط على الأسترالي.
- أسعار السلع الأساسية: ارتفاع أسعار الحديد الخام والفحم يدعم أداء AUD بشكل واضح.
- سياسة بنك الاحتياطي الأسترالي (RBA): قرارات الفائدة والتصريحات حول التضخم تؤثر بشكل مباشر.
- المزاج العالمي تجاه المخاطر: باعتباره عملة «مخاطِرة»، يتراجع الأسترالي في أوقات الأزمات ويصعد عند التفاؤل.
في سيدني، حيث يتناول المستثمرون قهوتهم الصباحية على وقع المؤشرات الصينية، يبدو أن الدولار الأميركي لا يزال المحرّك الخفي خلف كل حركة.
الدولار النيوزيلندي.. الألبان أولاً وأخيراً
الدولار النيوزيلندي (NZD) يتميز عن بقية أقرانه بعلاقته المباشرة مع قطاع الزراعة، وتحديدًا الألبان، فاقتصاد نيوزيلندا، المُعتمد بشدة على تصدير الحليب إلى آسيا، يجعل من الدولار النيوزيلندي مرآة لأسعار هذه السلعة الحيوية.
أهم العوامل المؤثرة في الدولار النيوزيلندي:
- أسعار الحليب: أي تغيّر في أسعار صادرات الألبان ينعكس فوراً على أداء العملة.
- سياسة بنك نيوزيلندا (RBNZ): حذر البنك في رفع الفائدة لحماية القدرة التنافسية للصادرات يؤثر سلباً على جاذبية العملة.
- الطلب الآسيوي، خصوصاً من الصين والهند: يشكّل سوقاً رئيسياً لمنتجات نيوزيلندا، ما يربط العملة بالمتغيرات الإقليمية.
- شهية المستثمرين للمخاطرة: يُصنف الدولار النيوزيلندي كعملة مخاطرة، ويتأثر بالتوترات العالمية.
في الأسواق الريفية جنوب أوكلاند، وبين مزارعي الألبان، لا تزال هيمنة الدولار الأميركي تُلقي بظلالها، رغم خصوصية الاقتصاد النيوزيلندي.
4 دولارات وحلبة فوركس واحدة
في حلبة الفوركس، حيث تُقاس العملات بحدة أنيابها وسرعة ردّ فعلها، يبقى الدولار الأميركي هو الأقوى حضوراً وتأثيراً، فهو يقود السوق من غرفة الفيدرالي في واشنطن، وتُضبط عليه نبضات التداول عالمياً، لكن منافسيه ليسوا بلا أنياب.
فالكندي يعض بقوة عندما ترتفع أسعار النفط، والأسترالي ينتعش حين تزدهر المعادن وتتعافى الصين.
أما النيوزيلندي فيرِكض خلف الحليب وسوق آسيا، ومع أن لكل دولار لحظته، فإن الأميركي يبقى المتصدر بفضل قوته المؤسسية وانتشاره العالمي، فيما تتأرجح قوة الآخرين وفق معطيات السلع والتجارة الإقليمية.
في النهاية، الدولار الأميركي لا يزال زعيم الحلبة، والبقية يحاولون عضّ الفرصة لا أكثر.