«الفيدرالي الأميركي».. بين الاستجابة لحقيقة البيانات الاقتصادية أو الإذعان لضغوط ترامب

«الفيدرالي الأميركي».. بين الاستجابة لحقيقة البيانات الاقتصادية أو الإذعان لضغوط ترامب

يقترب مجلس الاحتياطي الفيدرالي برئاسة جيروم باول من تثبيت أسعار الفائدة للمرة الخامسة على التوالي، حينما يجتمع يومي 29 و30 يوليو الجاري، وفق أغلب التوقعات، حيث لا تزال البيانات الاقتصادية قوية في ظل استمرار التوظيف، والآثار المحدودة حتى الآن لسياسات التعريفات الجمركية.

ومع ذلك فإن ما يتعرض له بنك الاحتياطي الفيدرالي من ضغوط متزايدة من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتخفيض أسعار الفائدة، وما أظهره محضر الاجتماع السابق للجنة السوق المفتوحة، يثير المزيد من التساؤلات حول مسار أسعار الفائدة والاستقلالية التامة للبنك المركزي الأميركي.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

يوليو أم سبتمبر؟

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وأظهر محضر اجتماع لجنة السوق المفتوحة للاحتياطي الفيدرالي، التي عُقدت يومي 17 و18 يونيو الماضي، أن هناك دعماً من قبل اثنين من الأعضاء لخفض أسعار الفائدة في اجتماع هذا الشهر، بينما بقي باقي الأعضاء قلقين إلى حد ما بشأن الضغوط التضخمية المتوقعة جراء الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية.

ونقلت شبكة «CNN» في وقت سابق من يونيو الماضي، عن نائبة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لشؤون الإشراف، ميشيل بومان، قولها إن «الوقت قد حان للنظر في تعديل سعر الفائدة الرئيسي، حيث ظلت ضغوط التضخم تحت السيطرة، لهذا أؤيد خفض الفائدة في الاجتماع القادم، وذلك لتقريبه من مستواه المحايد، وللحفاظ على سوق عمل سليمة».

بينما قال عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي، كريستوفر والر، إن «الرسوم الجمركية لن تؤدي على الأرجح إلا إلى زيادة (مؤقتة) في التضخم».

وتضم لجنة السوق المفتوحة 12 عضواً برئاسة باول، حيث يجري اتخاذ القرار خلال اجتماعاتها بناء على تصويت دقيق من قبل الأعضاء، مع الأخذ في الاعتبار هدف التضخم الذي حدده الاحتياطي الفيدرالي عند 2%، بينما سجل -وفق أحدث بيانات في مايو الماضي- نحو 2.3%.

وقال غولدمان ساكس في مذكرة بحثية، صدرت هذا الأسبوع، وحصلت «CNN الاقتصادية» على نسخة منها، إن الأدلة الأولية تشير إلى محدودية آثار سياسات التعريفات الجمركية لهذا العام، وإن قيادة الاحتياطي الفيدرالي تعتقد أنه سيكون لها تأثير لمرة واحدة على مستويات الأسعار.

وكتب كبير الاقتصاديين الأميركيين لدى غولدمان ساكس للأبحاث، ديفيد ميريكل، أنه لا يتوقع خفضاً لأسعار الفائدة في يوليو الجاري، «وأن احتمالات الخفض في سبتمبر تتجاوز إلى حد ما 50%، والتخفيضات ستكون بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر وأكتوبر وديسمبر، بالإضافة إلى تخفيضات مماثلة في مارس ويونيو 2026».

ويتمسك الاحتياطي الفيدرالي، منذ بداية 2025، بسياسة الترقب والانتظار لمعرفة مدى تأثير الرسوم الجمركية قبل النظر في تخفيضات إضافية بأسعار الفائدة، بعد خفض بـ100 نقطة أساس بين سبتمبر وديسمبر 2024، لتتراوح بين 4.25% و4.5%.

ويعتقد بعض المحللين أن استقرار معدل البطالة في الشهر الماضي، يؤكد موقف الانتظار والترقب الذي يتبناه بنك الاحتياطي الفيدرالي، إذ أبلغ الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، روبرت كابلان، صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، أن «خفض الفائدة في يوليو مبكر جداً، ولو أنني كنت ما زلت في الاحتياطي الفيدرالي، لنظرت بجدية في إمكانية الخفض خلال سبتمبر المقبل».

ووفق مذكرة «غولدمان ساكس» فإن خفض أسعار الفائدة في اجتماع سبتمبر المقبل سيكون مرهوناً ببيانات التضخم، حيث إن الارتفاع قد يعوق أي تخفيف للسياسة النقدية، ومع ذلك يتوقع أن ينخفض معدل فائدة ليتراوح بين %3 و3.25% بحلول يونيو 2026.

الحفاظ على الاستقلالية

ويُصر ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض في أواخر يناير الماضي على خفض أسعار الفائدة بشكل فوري، حيث يضغط على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي من حين إلى آخر، حتى وصل به الأمر إلى مهاجمة باول في أكثر من مناسبة، واصفاً إياه بـ«الغبي والأحمق والمتأخر دوماً»، داعياً إياه إلى تقديم الاستقالة.

ويعتقد ترامب، وفق تصريحات له هذا الأسبوع، أن الاحتياطي الفيدرالي يحتاج إلى خفض أسعار الفائدة بواقع 300 نقطة أساس، وهو ما يعني حال حدوثه أكبر خفض في التاريخ الولايات المتحدة الأميركية، إذ كانت نسبة التخفيض الأكبر في مارس 2020 بواقع 100 نقطة أساس.

وقال الرئيس الأميركي إن خفض سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس سيوفر 360 مليار دولار لكل نقطة أساس سنوياً أي 1.08 تريليون دولار هذا العام.

ويرى ترامب أن الاحتياطي الفيدرالي يُشكل عائقاً أمام جهوده لتعزيز النمو الأميركي، وتقليل النفقات والعجز المالي في ظل ارتفاع الدين الحكومي إلى مستوى قياسي عند 36 تريليون دولار.

ومع ذلك، فإن أغلب المحللين يرون أن باول سيحاول قدر الإمكان رفض الضغوط التي يمارسها ترامب، والتي قد تدفعه إلى الابتعاد عن تخفيض الفائدة على الأقل هذا العام، حتى لا يثير الشكوك بشأن الانصياع للضغوط السياسية، ما يهدد من استقلالية الاحتياطي الفيدرالي.

وتثير ضغوط ترامب على الاحتياطي قلق المستثمرين، حيث هبط الدولار إلى أدنى مستوى له في ثلاث سنوات، بعد أن ذكرت تقارير صحفية أن الرئيس الأميركي قد يعلن عن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في وقت مبكر هذا الصيف.

وتنتهي ولاية باول الذي عُين رئيساً للاحتياطي الفيدرالي في فبراير 2018، في مايو من عام 2026، بعد أن أعاد الرئيس السابق جو بايدن تعيينه لولاية ثانية عام 2022، لكن مع ذلك سيستمر باول عضواً في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي حتى عام 2028.

ويستبعد الكثير من الخبراء، أن يرضخ حتى رئيس الاحتياطي الفيدرالي القادم، الذي سيكون معيناً من قبل ترامب، للضغوط التي يفرضها الرئيس الأميركي بشأن أسعار الفائدة، حيث سيقوض هذا الأمر استقلالية البنك المركزي، والثقة في الاقتصاد الأميركي.

ونقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن الأكاديمي بجامعة شيكاغو، راغورام راجان، الذي واجه ضغوطاً سياسية خلال فترة عمله محافظاً للبنك المركزي الهندي، قوله: «لا تريد أن يُنظر إليك كشخص رضخ للضغوط السياسية، وإذا كنت تعتقد أنك ستخضع، فلا أرى شخصاً حتى لو كان لديه القليل من النزاهة يقبل بهذا المنصب».

ولطالما احترم الرؤساء والمشرعون الأميركيون استقلالية السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، ومع ذلك كان هناك استثناء عام 1972، حيث خفض رئيس الاحتياطي الفيدرالي آرثر بيرنز، الفائدة حينها بضغط من الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون قبيل الانتخابات الرئاسية، ما تسبب في ارتفاع التضخم وانهيار النمو بعد صدمة أسعار النفط في العام التالي.

لهذا وصفت كبيرة الاقتصاديين في شركة «KPMG» الأميركية، ديان سوونك، في حديثها مع «فايننشال تايمز»، آرثر بيرنز أنه «كان أسوأ رئيس للاحتياطي الفيدرالي في التاريخ».

أما الزميل البارز في الاقتصاد الدولي لدى مجلس العلاقات الخارجية، وهي منظمة مستقلة غير حزبية، سيباستيان مالابي، قال: «يتمتع الاحتياطي الفيدرالي بقبضة أكثر دقة على مبادئه السياسية حالياً، والارتجال في صنع السياسات المصرفية المركزية كان في السبعينيات فقط، وهذا يختلف تماماً عما هو عليه الاحتياطي الفيدرالي اليوم».

ولم ينص قانون إنشاء الاحتياطي الفيدرالي لعام 1913 على الاستقلالية بعيداً عن الضغوط السياسية صراحة، لكن الهيكل الأساسي له قد يحد من ذلك، حيث يتكون مجلس المحافظين، وهو الهيئة الحاكمة لنظام الاحتياطي الفيدرالي، من 7 أعضاء، أو «حكام» يخدمون لفترات متداخلة مدتها 14 عاماً، ما يعني أنه لا يمكن لرئيس واحد، حتى لو خدم فترتين كاملتين، أن يعين جميع أعضاء المجلس.

بينما ينص القانون على أن الاحتياطي الفيدرالي يؤدي خمس وظائف رئيسية تخدم جميع الأميركيين وتعزز صحة واستقرار الاقتصاد والنظام المالي، فهو يُدير السياسة النقدية للبلاد، ويعزز استقرار النظام المالي، ويشرف على المؤسسات المالية وينظمها، ويعزز سلامة وكفاءة أنظمة الدفع والتسوية، ويعزز حماية المستهلك وتنمية المجتمع.