يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخفض أسعار الفائدة بشكل حاد إلى 1% تقريباً، حسب ما كتب، في وقت سابق، على منصة تروث سوشال، ناهيك عن اتهاماته لـباول بكونه «سيئاً» أو «بطيئًا» أو «غبياً».
ليس هذا فحسب، بل قال ترامب في مقابلة مع قناة «فوكس بيزنس»: «سوف نختار شخصاً (يقصد بديلاً لـ باول) يستطيع خفض أسعار الفائدة».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
قد يغيب عن ذهن الرئيس الأميركي أن الازدهار المفاجئ الناتج عن الخفض العنيف لأسعار الفائدة قد يؤدي إلى ارتفاع عنيف في الاقتراض ومن ثم ارتفاع أسعار بعض السلع ثم حدوث تشوه في البنية الاقتصادية بشكل عام، وهو بالضبط ما أسماه عالم الاقتصاد النمساوي لودفيغ فون ميزس بـ«طفرة الانهيار» Crack-Up Boom، فما هي هذه الطفرة؟ وكيف تحدث؟
ازدهار الانهيار
على المستوى الظاهري، يعد خفض أسعار الفائدة خبراً إيجابياً، حيث تنخفض تكلفة الائتمان بالنسبة للأفراد والشركات، فضلاً عن خلق نوع من الانتعاش الاقتصادي، لكن هذه الانتعاشة مؤقتة ولن تدوم طويلاً، وتلك هي اللحظة التي يمكن تسميتها بـ«ازدهار الانهيار»؛ فكل ما نراه في السوق في هذا الظرف سيكون مؤقتاً، بل قد يكون بداية النهاية، بداية انهيار الفقاعة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
فعلى الناحية الأخرى قد يؤدي تراجع أسعار الفائدة إلى تحفيز الاقتراض المفرط (طلب عنيف على الائتمان المصرفي)، وربما تفاقم المضاربات، حيث يتدفق المال الرخيص (الذي جرى اقتراضه من البنوك بفائدة منخفضة) إلى أصول غير مجدية وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث فقاعات مالية وتشوهات مالية شتى.
قد يحدث هذا بالضبط لو رضخ جيروم باول لمطالبات دونالد ترامب، بطبيعة الحال لا يخشى رئيس مجلس إدارة الفيدرالي الأميركي من طفرة الانهيار Crack-Up Boom لأنه لا يتصور احتمالية الوصول إليها، فهو رجل متأنٍ على كل حال، وقد قال هو نفسه مراراً وتكراراً إنه يعتمد فقط على البيانات ومن ثم فأي خفض لأسعار الفائدة سيتخذه باول لن يكون عنيفاً على أي حال.
وإنما يخشى جيروم باول الأثر التضخمي الذي قد تولده الرسوم الجمركية وسياسات ترامب الحمائية، على الرغم من أن عضوة المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي إيزابيل شنابل قد قالت، نهاية الأسبوع الماضي، إن «الرسوم الجمركية المفروضة في سياق الحرب التجارية العالمية قد تكون تضخمية على المدى المتوسط».
طفرة الانهيار.. تاريخ المصطلح
في أوائل عشرينيات القرن الماضي اجتاحت موجة تضخم كبرى النمسا وألمانيا على حد سواء، وأدت إلى أضرار مالية واقتصادية كان من العسير إصلاحها وقتذاك، ومن هنا حاول عالم الاقتصاد النمساوي «لودفيغ فون ميزس» تطوير هذا المصطلح ضمن نظرية الدورة الاقتصادية المعروفة.
وباختصار يمكن القول إن «طفرة الانهيار» (Crack-Up Boom) هي أزمة اقتصادية تنطوي على ركود في الاقتصاد الحقيقي وانهيار في النظام النقدي نتيجة التوسع المستمر في الائتمان (الذي نتج أصلاً عن انخفاض أسعار الفائدة)، ما يؤدي إلى زيادات سريعة وغير مستدامة في الأسعار.
وقد رأى لودفيغ فون ميزس أن الطلب على النقود يلعب دوراً محورياً في إمكانية حدوث تضخم مفرط، فإذا توقع الناس أن البنك المركزي سيزيد المعروض النقدي في المستقبل، فمن المرجح أن يقلصوا طلبهم على النقود في الوقت الحاضر، أي أنهم سيسرعون في إنفاق النقود مقابل سلع قابلة للبيع، وهذا مع بقاء العوامل الأخرى على حالها، سيدفع الأسعار إلى الارتفاع.
لكن ماذا يحدث إذا توقع الناس أن معدل نمو المعروض النقدي سيواصل الارتفاع إلى مستويات أعلى وأعلى؟
في هذه الحالة، فإن الطلب على النقود سينهار عاجلاً أو آجلاً، فمجرد تشكّل مثل هذا التوقع سيدفع الناس، وبشكل سريع نسبياً، إلى التخلي عن النقود تماماً، لأنهم سيتوقعون أن تفقد كل قيمتها الشرائية.
وسيبدأ الناس في الهروب الجماعي من النقود، وهو ما وصفه ميزس بـ«الانهيار الشامل» أو «طفرة الانهيار» (Crack-Up Boom).
المعروض النقدي والتضخم المفرط
لم يقتصر التضخم المفرط Hyperinflation في القرن العشرين على ألمانيا والنمسا، وإنما اجتاح دولاً عدة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: الصين (1949–1950)، البرازيل (1989–1990)، الأرجنتين في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، روسيا (1992)، يوغوسلافيا (1994)، وزيمبابوي مؤخراً (2006–2009).
نتجت هذه الموجات التضخمية المفرطة عن تفاقم في المعروض النقدي وعن أنظمة نقدية تعتمد، في المقام الأول على التوسع في طباعة النقود من غير ضوابط، حيث يتم خلق النقود من العدم إما من خلال التوسع الائتماني أو شراء الأصول (أي تسييلها).
في النظرية الاقتصادية التقليدية، يتمثل التضخم المفرط في فترات ترتفع فيها أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، ما يعني تآكلاً شديداً في القوة الشرائية للنقود.
ومن آلية التوسع الائتماني نفسها وتشوه البنية الاقتصادية التي تحدث خلال مرحلة الانتعاش تتولد/ تتطور «طفرة الانهيار» (Crack-Up Boom)، وللمفارقة تحاول بعض البنوك المركزية، في هذه الظروف، الإبقاء على الانتعاش بشكل دائم، دون مراعاة العواقب، مثل التضخم وفقاعات الأصول، وهو ما يأباه جيروم باول ويصر عليه ترامب.