البرلمان البريطاني يتدخل لمنع إغلاق مجمع سكونثورب للصلب

فرن الصهر في مصانع الصلب في بورت تالبوت قبل أن يتم إغلاقه العام الماضي، بورت تالبوت، جنوب ويلز، المملكة المتحدة. شاتر ستوك
البرلمان البريطاني يتدخل لمنع إغلاق مجمع سكونثورب للصلب
فرن الصهر في مصانع الصلب في بورت تالبوت قبل أن يتم إغلاقه العام الماضي، بورت تالبوت، جنوب ويلز، المملكة المتحدة. شاتر ستوك

لا يعقد البرلمان البريطاني جلساته إلّا في أوقات الأزمات الوطنية، ولكن عندما عاد المشرعون من عطلة عيد الفصح نهاية الأسبوع الماضي، لم يكن السبب حرباً أو هجوماً إرهابياً أو وفاة ملك، بل الإغلاق المحتمل لمصنع للصلب في شمال إنجلترا.

صرّحت الحكومة بأن الشركة الصينية «جينغي» مالكة مجمع الصلب البريطاني في سكونثورب مستعدة لإلغاء طلبات المواد الخام اللازمة لتشغيل أفرانها، وهي خطوة ستجعل بريطانيا عاجزة عن إنتاج الصلب الخام لأول مرة منذ الثورة الصناعية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

صوّت البرلمان على تولي الحكومة إدارة المصنع بشكل طارئ، بل استخدم الشرطة لمنع موظفي جينغي من دخول الموقع، وصرّح جوناثان رينولدز، وزير الدولة للأعمال والتجارة، بأن التأميم الكامل للمصنع «مُرجح»، ما يعني أن الحكومة قد تضطر قريباً إلى إدارة عملية تصنيع مُعقدة ومُكلفة، وهي مهمة لطالما أسندتها إلى شركات خاصة، غالباً ما تكون أجنبية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

بعد أن كانت بريطانيا عملاقاً في صناعة الصلب، أصبحت الآن مجرد سمكة صغيرة تستحوذ على 0.3 في المئة فقط من حجم الصناعة العالمية، وتستورد كميات كبيرة لتلبية الطلب المحلي.

قرار الدولة السريع باستعادة السيطرة على مصنع سكونثورب، المملوك لشركة جينغي منذ عام 2020، يُقدّم لمحة عن كيفية تعامل دول مثل بريطانيا مع عالمٍ يسوده عدم استقرار اقتصادي، فمن جهة تُواصل التزامها بالعولمة، ومن جهة أخرى تُحافظ على الصناعات التي تُعتبر ذات أهمية استراتيجية بالغة لا يُمكن تركها لقوى السوق.

تغيرت ملكية شركة بريتش ستيل المالكة لمجمع الصلب عدة مرات منذ خصخصتها في ثمانينيات القرن الماضي، لكن فترة جينغي كانت متقلبة بشكل خاص، فقد ضغطت وفرة الصلب الصيني في السوق العالمية على صناعة الصلب في المملكة المتحدة، التي تعاني ارتفاع نفقات الإنتاج، خاصةً أسعار الطاقة.

تقول جينغي إن مصنع سكونثورب يخسر 700 ألف جنيه إسترليني (926 ألف دولار أميركي) يومياً، على الرغم من الاستثمارات الضخمة، ما يجعله «غير مستدام مالياً».

وحذّر لين جين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، بريطانيا، أمس الاثنين من «تحويل التعاون الاقتصادي والتجاري إلى قضايا سياسية وأمنية، خشية أن يُقوّض ذلك ثقة الشركات الصينية في الاقتصاد البريطاني».

فشلت المفاوضات مع الحكومة البريطانية للحفاظ على استمرارية شركة «بريتش ستيل» المالكة للمُجمع، وفي النقاش الطارئ في البرلمان، السبت الماضي، ألمح جوناثان رينولدز، وزير الدولة للأعمال والتجارة، إلى أن الشركة كانت تستعد لتخريب المصنع.

قال رينولدز «كانت نية الشركة إلغاء ورفض دفع ثمن الطلبات القائمة من خام الحديد والفحم اللازمين لتشغيل الفرنين، الأمر الذي كان سيؤدي إلى القضاء على العمليات الأولية في صناعة الصلب في شركة بريتش ستيل بشكل نهائي».

ونظراً لصعوبة إعادة تشغيل الفرن بعد أن يبرّد (مالياً وتقنياً)، قال رينولدز إن الحكومة لا يمكنها «الوقوف مكتوفة الأيدي بينما تتسرب الحرارة» من آخر أفران الصهر في المملكة المتحدة.

يحمل قرار رئيس الوزراء كير ستارمر بالسيطرة على المصنع لمحة من الحنين إلى الماضي، حيث قال إن الصلب جزء من «فخر وتراث» بريطانيا، ولكنه أيضاً يعكس مخاوف جيوسياسية متزايدة، فمع تقليص الولايات المتحدة لوجودها العسكري في أوروبا، سيكون الصلب، المستخدم في البنية التحتية والأسلحة، عنصراً رئيسياً في محاولات القارة لإعادة تسليح نفسها.

وربما كان قرار حزب العمال مدفوعاً أيضاً بمخاوف سياسية قصيرة الأجل، فقد دعا حزب الإصلاح البريطاني اليميني المتشدد، بقيادة نايجل فاراج، بصوت عالٍ إلى تأميم المصنع بالكامل، ومع اقتراب موعد الانتخابات المحلية، في مايو المقبل، على حزب العمال أن يكون حذراً من التداعيات المحتملة على 2700 وظيفة كانت ستُفقد في حال إغلاق المصنع.

الجدير بالذكر، أنه في العام الماضي، لم تقم الحكومة بإنقاذ مصنع الصلب البريطاني الكبير الآخر، في بورت تالبوت بويلز، حيث أُغلقت أفران الصهر العام الماضي، ما أدى إلى فقدان نحو 2800 وظيفة، ويشهد المصنع حالياً عملية انتقال إلى إنتاج صلب «أكثر مراعاةً للبيئة» يعمل بالطاقة الكهربائية.

يقول ديفيد إدجيرتون، أستاذ التاريخ البريطاني الحديث في كلية كينجز كوليدج بلندن، إن السيطرة على مصنع سكونثورب «ستُشكّل سابقة، ولهذا السبب كانت الحكومة مترددة جداً في القيام بذلك»، ما يفتح المجال لإعادة السيطرة على قطاعات أخرى «تمت خصخصتها» وهي في حالة سيئة الأن، مثل مرافق المياه والكهرباء والسكك الحديدية.