منذ عام ونصف، كانت كلوي لوسون تبدأ في الساعة السابعة مساءً يومياً رحلة مشي لأربعة أميال إلى مطعم «صب واي»، إذ تعمل في الوردية الليلية مقابل دولار واحد فوق الحد الأدنى للأجور البالغ 7.25 دولار.
وبعد ثماني ساعات من العمل، تغادر لوسون التي كانت حينها تبلغ من العمر 19 عاماً لتبحث عن مكان تأمل أن تتمكن فيه من النوم، لم تكن تملك عائلة أو أصدقاء يمكنها الإقامة معهم في مدينة سبلندورا الصغيرة بولاية تكساس، وغالباً ما كانت تجد نفسها في «فندق مشبوه» أو أماكن غير آمنة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
لم يكن لديّ مستقبل
وقالت: بصراحة، لم يكن لديّ مستقبل، خلال عام ونصف تغيّر كل شيء، أصبحت لوسون البالغة من العمر الآن 21 عاماً، تستعد لمقابلات توظيف في وظيفة «سائق قطار» التي تبدأ براتب سنوي يبلغ 80 ألف دولار، وقد تفتح لها أبواباً أخرى نحو وظائف ذات دخل أعلى.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
برنامج تدريبي على حافة الإلغاء
تعد لوسون واحدة من بين 21 ألف طالب تأثرت دراستهم وتدريبهم العملي بإعلان وزارة العمل الأميركية في أواخر مايو عن وقف عمليات برنامج «جوب كوربس»، وهو برنامج تدريب مهني داخلي للشباب ذوي الدخل المنخفض والمخاطر العالية، أُنشئ قبل 60 عاماً ضمن «حرب الفقر» التي أطلقها الرئيس ليندون جونسون.
وبرّرت الوزارة القرار بعجز الميزانية وادعاءات بسوء الأداء، وقالت إنها ستوقف العقود مع 99 مركزاً تشغله شركات خاصة بحلول نهاية يونيو، وستبدأ بنقل الطلاب إلى مجتمعاتهم المحلية، كجزء من سياسة أشمل من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتقليص البرامج الفيدرالية.
وقالت وزيرة العمل لوري شافيز-دي ريمر في بيان حينها، "إنه تم إنشاء جوب كوربس لمساعدة الشباب على بناء طريق لحياة أفضل من خلال التعليم والتدريب والمجتمع".
وأضافت أن تحليلاً للبرنامج أثار مخاوف بشأن السلامة والصحة المالية له، موضحة أنه ما زلنا ملتزمين بضمان دعم جميع المشاركين خلال هذا الانتقال وربطهم بالموارد التي يحتاجون إليها للنجاح أثناء تقييمنا لمستقبل البرنامج.
وقالت رايتشل سيدربيرغ، كبيرة الاقتصاديين في شركة «لايتكاست» لتحليل بيانات سوق العمل، لشبكة CNN: "نحن بحاجة ماسة لمن لا يحملون شهادة بكالوريوس"، مشيرة إلى مِهن مثل عمّال الصيانة، سائقي الشاحنات، ومساعدي الرعاية الصحية.
وأضافت: "هذه وظائف حيوية لاقتصادنا ولحياتنا اليومية كمستهلكين، سنشعر بالأزمة بوضوح إذا لم نجد من يصلح أجهزتنا أو تأخرت المنتجات في الوصول إلى المتاجر".
مستقبل غامض.. وإنقاذ مؤقت
أدى إعلان وزارة العمل في 29 مايو إلى ارتباك في مراكز جوب كوربس في أنحاء البلاد، وفي بعض الحالات، عاد الطلاب إلى الشوارع.
ورفعت عدة مراكز دعوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية، ونجحوا أواخر الشهر الماضي في الحصول على أمر قضائي أولي بتعليق قرار الإغلاق.
وقال متحدث باسم وزارة العمل لـCNN إن الوزارة لا تجري مقابلات حالياً، لكنها أصدرت بياناً عقب قرار المحكمة قالت فيه: تعمل وزارة العمل بشكل وثيق مع وزارة العدل للتقييم والامتثال لأمر المحكمة المؤقت، نحن واثقون من أن تصرفاتنا متوافقة مع القانون.
وأشارت الوزارة إلى قسم الأسئلة المتكررة على موقعها بشأن تعليق البرنامج، وجاء فيه: "تتعاون وزارة العمل مع شركاء القُوى العاملة المحليين والولائيين لمساعدة الطلاب الحاليين على مواصلة تدريبهم وربطهم بفرص التعليم والعمل".
طلب مرتفع على المهارات.. ومخاوف من فجوة عمالية قادمة
قدّر تقرير صادر عن شركة «ماكنزي آند كومباني» العام الماضي أن التوظيف السنوي في وظائف «المهارات الحرفية الحيوية» مثل النجارين والكهربائيين والسباكين واللحّامين والعمّال سيبلغ عشرين ضعفاً مقارنة ببقية المهن الأخرى خلال الفترة من 2022 إلى 2032.
ويحذر آرثر ماراتيا، رئيس اتحاد عمال النقل والاتصالات، من أن إغلاق برنامج «جوب كوربس» قد يُحدث آثاراً سلبية واسعة في الاقتصاد، مشيراً إلى أن النقابة قامت بتدريب وتوجيه أكثر من 16 ألف طالب من برنامج التدريب المتقدم التابع لـ«جوب كوربس» نحو وظائف في قطاع السكك الحديدية منذ عام 1971.
وقال ماراتيا لشبكة CNN: "سيؤذي ذلك سوق العمل بكل تأكيد، لأن فرص التدريب المهني محدودة أصلاً. نحن نعاني نقصاً في الكهربائيين، وعمال الصيانة، وفي كل شيء تقريباً".
وأوضح أن «جوب كوربس» كان يوفر تدفقاً ثابتاً من العمال المدربين لشركات السكك الحديدية، ما ساعد على خفض التكاليف.
وأضاف: إذا لم يكن هؤلاء موجودين، فلن يكون لدى شركات الشحن عدد كافٍ من الأشخاص لإنجاز المهام، وهو ما سيؤدي إلى تأخير في الموانئ للسلع القادمة، وسيؤثر على الركاب، وحتى على سلاسل الغذاء، الصورة أكبر من مجرد برنامج تدريبي.
مسار للنجاة للشباب المعرضين للخطر
أظهرت بيانات مكتب إحصاءات العمل أن معدل مشاركة القُوى العاملة للفئة العمرية من 16 إلى 24 عاماً انخفض في يونيو للمرة الثالثة على التوالي، ليصل إلى 54.9 في المئة.
وهذا المعدل يقل بنحو 13 نقطة مئوية عن ذروته التي كانت في مارس 1990 حين بلغ 67.9 في المئة، بينما انخفض معدل المشاركة العام في القُوى العاملة بـ4.4 نقطة مئوية فقط في الفترة نفسها، ليصل إلى 62.3 في المئة في يونيو 2025.
وقالت رايتشل سيدربيرغ، كبيرة الاقتصاديين في شركة «لايتكاست»، والمتخصصة في تحليل برامج التوظيف للشباب: نعلم أن الشباب من خلفيات أقل حظاً يمكن أن يستفيدوا من الإرشاد والاستقرار الذي توفره الوظيفة، وكذلك من فهمهم لأجزاء من سوق العمل لم يكن لديهم أي تعرض لها سابقاً.
وأضافت: "أي شيء يعزز انخراط الشباب في سوق العمل ويوسّع فرصهم يجب أن ندعمه بقوة".
من التشرد إلى وظيفة بدخل من 6 أرقام
تقول ياسمين جيب البالغة من العمر 29 عاماً، إنها في عام 2019 كانت على وشك الانحدار إلى وظيفة منخفضة الأجر ومزيد من تراكم ديون القروض الطلابية.
وأضافت في مقابلة مع CNN: كنت متوقفة عن الدراسة، وكنت في حالة سيئة بعد علاقة فاشلة، ولم يكن لدي مكان أذهب إليه، وكنت أتنقل من أريكة إلى أخرى.
بعد أن أخبرتها إحدى صديقاتها عن «جوب كوربس»، التحقت جيب بالبرنامج الذي كان يوفر تدريباً متقدماً.
وعلى الرغم من أنها كانت تحلم بأن تصبح مضيفة طيران، فإن مسارها تغير فانضمت إلى برنامج تدريبي في السكك الحديدية بولاية ميزوري، تديره النقابة نفسها التي ينتمي إليها ماراتيا.
والآن، وبعد أربع سنوات، تعمل جيب في شركة «يونيون باسيفيك» كقائدة قطار ومهندسة معتمدة، وتساعد في نقل القاطرات في مركز مدينة نورث بلات بولاية نبراسكا، وتكسب ما بين 90 إلى 100 ألف دولار سنوياً، مع احتمالية مضاعفة هذا الدخل في المستقبل القريب.
جيل جديد يدافع عن فرصه
في الأسابيع الأخيرة، بدأت كل من جيب ولوسون في لعب أدوار نشطة في الدفاع عن البرنامج، عبر كتابة رسائل لأعضاء الكونغرس ومشاركة تجاربهما على وسائل التواصل الاجتماعي.
قالت جيب: "أعتقد أنه يمكنهم إصلاحه إذا لزم الأمر، لكن لا يجب عليهم إغلاقه بالكامل".
أما لوسون التي نشأت في بلدة صغيرة قرب هيوستن بولاية تكساس، فقد كانت طالبة متفوقة، لكن الجامعة لم تكن مناسبة لها، وبعد طردها من منزل العائلة، أصبحت بلا مأوى.
وتقول: "لن أقول إن وضعي كان الأسوأ، بالتأكيد ليس مقارنة ببعض الأطفال هنا؛ لم أتعرض لمشاكل قانونية، لكن قبل الانضمام إلى جوب كوربس، لم يكن لدي أي شيء، كنت أملك فقط 20 دولاراً".
بعد أن اقترح عليها مديرها السابق في «صب واي» البرنامج كخيار للتدريب المهني، سافرت إلى مركز «كولبران» في كولورادو بعد أن تعذر عليها الالتحاق بالمركز القريب في تكساس.
و تعلمت لوسون مهارات الحديد واللحام والتصنيع، ثم توجهت نحو قطاع السكك الحديدية، حيث التحقت بالبرنامج العملي في إكسلسيور سبرينغز بولاية ميزوري.
واختتمت حديثها قائلة: «نحن بحاجة إلى عمال مهرة، إلى مساعدي التمريض، إلى حراس الإصلاحيات، إلى عمال صيانة القطارات، إلى سائقي القطارات واللحّامين، هذا البرنامج يساعد شباباً ربما كانوا سينتهون في السجون أو يموتون، إنه يمنح الأمل لمن لا أمل لهم».