يعد السفر إلى جزر المالديف الواقعة قبالة الساحل الغربي للهند حلماً للعديد من المسافرين، فهي تضم نحو 1000 جزيرة من أكثر الوجهات الشاطئية سحراً في العالم، والآن تهدف شركة طيران جديدة لتحويل السفر لتلك البقعة الرائعة إلى تجربة أكثر سحراً ورفاهية.
تهدف شركة «بيوند» الجديدة إلى خلق تجربة سفر فريدة تحاكي تجارب «الطائرات الخاصة»، إذ تعتزم استخدام طائرات ضيقة البدن بدلاً من الطائرات ذات الجسم العريض التي غالباً ما تستخدم في السفر إلى المالديف، وتضم الطائرة الجديدة مقصورة فاخرة ذات مقاعد مريحة قابلة للانحناء الكامل ما يتيح تحويلها إلى ما يشبه السرير، مع استخدام مكونات فخمة تماثل سيارات فيراري.
وتعليقاً على هذا الاتجاه الجديد، قال كبير المسؤولين التجاريين في «بيوند»، ساشا فيورهيرد، لشبكة CNN «نريد أن نقدم شيئاً جديداً تماماً، واخترنا هذه الوجهة الفاخرة بوعي كامل، فهي جنة صغيرة في حد ذاتها، حيث يسافر الناس للاسترخاء وقضاء وقت ممتع، نريد أن نضمن أن رحلة ذهابهم إلى هناك أيضاً ستكون مريحة، حتى يصلوا إلى وجهتهم في حالة استرخاء تام».
يقع مقر الشركة في ماليه -عاصمة المالديف- ومن المقرر أن تبدأ الطيران في خريف 2023، إذ ستشغل «بيوند» مبدئياً أسطولاً صغيراً من طائرات إيرباص A319، قبل التحول إلى طائرة إيرباص A321 الأكبر، وستكون دبي ودلهي أول وجهتين مؤكدتين.
اللحاق بالمنافسة
تقدم نحو ثلاثين شركة طيران حالياً خدماتها إلى مطار فيلانا الدولي، المطار الرئيسي في جزر المالديف بالقرب من العاصمة ماليه، ولتعزيز قدرتها التنافسية في مواجهة منافسيها تخطط «بيوند» لاختيار وجهاتها بعناية ونقل العملاء مباشرة إلى الجزيرة، بدلاً من المرور عبر محطات غير مباشرة في رحلتهم كما تفعل شركات أخرى مثل طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية والخطوط الجوية التركية.
يقول فيورهيرد «نحن نستهدف المطارات ذات التجمعات الكبيرة، ونقوم بتوصيل الركاب لوجهتهم مباشرة»، ففي ألمانيا، على سبيل المثال، لن تستهدف «بيوند» مطار فرانكفورت -وهو مركز أعمال رئيسي يتسم بالكثير من المنافسة- وبدلاً من ذلك ستركز على ميونيخ حيث تقل المنافسة نسبياً ويزداد عدد المسافرين الراغبين في السفر الترفيهي.
في أسواق أخرى مثل آسيا، تخطط «بيوند» للدخول في منافسة مباشرة مع شركات الطيران الأخرى مع تمييز نفسها بخدمة عالية الجودة، ويقول فيورهيرد «جزر المالديف واحدة من تلك الأسواق التي أقصدها، حيث تجذب العديد من المسافرين، فتجد الطائرات المتجهة إلى تلك الوجهة مكتظة بالركاب، بما في ذلك مقصورة الدرجة الاقتصادية»، «لكن عدم توفر وسيلة نقل مناسبة قد يؤدي لخسارة بعض الركاب المتميزين الذين سيفضلون الذهاب إلى مكان آخر، وهذه هي نقطة المنافسة التي نركز عليها في السوق».
ستوفر «بيوند» 44 مقعداً فقط على طائراتها من طراز إيرباص A319، على الرغم من أن الطائرة يمكن أن تحمل ما يصل إلى 156 راكباً في تصميم المقصورة الاقتصادية، أما في طائرات A321 الأكبر حجماً، والتي ستدخل الخدمة في عام 2024، فمن المقرر أن توفر 68 مقعداً على متن الطائرة التي تتسع عادة لما يصل إلى 220 راكباً في تصميم المقصورة الاقتصادية.
هذا يعني أنه لن يكون هناك مقاعد ضيقة في وسط المقصورة، إذ يهدف التصميم المزدوج إلى توفير إحساس بالفخامة والراحة.
صُممت المقاعد من قِبل الشركة الإيطالية «أوبتيمارس»، التي قدمت تصميمات داخلية مماثلة لطائرة «فورسيزونز» الخاصة المصممة خصيصاً من طراز A321، وتتشارك المقاعد مع صالون سيارات «لافيراري»، وهي سيارة رياضية فاخرة اقترب سعرها من 1.5 مليون دولار عند إطلاقها في عام 2013، وتُباع الآن في المزادات بأكثر من ذلك بكثير.
يقول فويرهيرد «طولي يصل لـ6 أقدام وهو طول رئيسنا التنفيذي نفسه تقريباً، واعتبرنا ذلك الحجم المرجعي الذي عملنا به، لتجنب الشعور بأننا ننزلق من السرير» -في إشارة إلى صغر حجم المقاعد الاعتيادية- وتابع «سرعان ما قررنا أيضاً أننا نريد أن يكون لدينا مقاعد مزدوجة تكفي لشخصين جنباً إلى جنب، نظراً لطبيعة ركابنا، وهم عادة من الأزواج».
المنافسة على السعر
«بيوند» مملوكة بشكل مشترك بين كل من شركة أرابيسك -ومقرها الإمارات العربية المتحدة- وشركة الضيافة المالديفية SIMDI، وتحظى الشركة بشهادة تشغيل من جزر المالديف، ولديها اتفاقية مدتها 50 عاماً مع حكومة المالديف، وعلى الرغم من أنها تخطط لبدء الطيران في وقت مبكر من سبتمبر أيلول، فإن وجهات انطلاقها الأولية ستقتصر على دلهي ودبي، لكن فيورهيرد يقول إنه بمجرد أن تصل الشركة إلى طاقتها الكاملة (بحلول نهاية عام 2024)، سيأتي ما يقرب من 60 في المئة من حركة السفر من نحو 20 وجهة في أوروبا.
ستشمل المسارات الآسيوية اليابان وكوريا الجنوبية والصين، كما ستوفر «بيوند» أيضاً رحلات مباشرة إلى أستراليا، بدءاً من بيرث وجنوب إفريقيا (مبدئياً إلى كيب تاون).
تخطط شركة الطيران لتشغيل نحو اثنتي عشرة طائرة بحلول نهاية عام 2024، جميعها مستأجرة، بما في ذلك بعض طائرات A321LR الجديدة تماماً، وهي الإصدارات ذات التصميم الطويل من طراز A321 الشهير.
سيكون استخدام الطائرات ذات الجسم الضيق أمراً غير معتاد على بعض مسارات «بيوند» الطويلة، والتي عادة ما تخدمها طائرات أكبر ذات تصميم عريض مثل إيرباص A350 أو بوينغ 787.
ومع ذلك، فقد استخدمت شركات الطيران من فئة رجال الأعمال الأجسام الضيقة من قبل، على سبيل المثال تمتلك شركة «لاكومباني»، وهي شركة طيران فرنسية صغيرة تربط باريس بنيويورك، طائرتين من طراز A321LR في أسطولها المكون من أربع طائرات (والآخرون من طراز A321neos)، كما تنتمي طائرة فور سيزونز الخاصة أيضاً لطراز A321LR، وعلى غرار ذلك استخدمت الخطوط الجوية البريطانية طائرة A318 -أصغر طائرة في عائلة إيرباص A320- في رحلتها السابقة لفئة رجال الأعمال من لندن إلى نيويورك.
وربما تكون الطائرة الصغيرة المفتاح الجديد لنجاح الرحلات الطويلة، إذ قدمت كلٌ من شركات EOS وMaxjet وSilverjet رحلات طيران عبر المحيط الأطلسي على درجة رجال الأعمال، قبل أن تتعرض للإفلاس في عامي 2007 و2008، وكانت جميعها تستخدم طائرات ذات جسم عريض.
ووفقاً لفيورهيرد، فلن تكون الطائرة الأصغر مشكلة بالنسبة لمعظم الركاب، لأنه على الرغم من أن المقصورة ستفتقر إلى «تهوية» الطائرات الأكبر حجماً، فإنها ستزيد من الشعور بالفخامة على غرار تجربة الطائرات الخاصة.
ويقول «أعتقد أن المزايا والعيوب توازن بعضها البعض حقاً»، «لن نتمكن من ملء طائرة عريضة وفقاً لهذا المفهوم، ستكون كبيرة للغاية، لكن الهيكل الضيق سيوفر وفورات كبيرة في التكاليف من حيث تكلفة الإيجارات والوقود والموظفين ورسوم الهبوط والمناولة، وهو أمر يمنحنا ميزة تنافسية على الطائرات الكبيرة».
ونتيجة لذلك، سيتم تسعير رحلات «بيوند» «بشكل تنافسي»، إذ تبدأ الأسعار من أوروبا بنحو 3000 دولار أمريكي، لكنها تزداد خلال موسم الذروة، والذي يمتد بالنسبة لجزر المالديف من ديسمبر كانون الأول إلى أبريل نيسان.
للمقارنة، وجدت CNN أن أرخص رحلة طيران على درجة رجال الأعمال من لندن إلى ماليه في موسم الذروة بلغ نحو 3,133 دولاراً مع شركة الاتحاد للطيران في يناير كانون الثاني 2024، ومن فرانكفورت، تبدأ الرحلة مع الطيران العماني من 2,762 دولاراً، وتعد هذه الأسعار المتاحة خلال موسم الذروة أرخص مما تقترحه «بيوند» في غير موسم الذروة، لكن يجب الأخذ في الاعتبار أنها ليست رحلات مباشرة.
تبيع طيران الإمارات حالياً تذاكر دبي-ماليه من ديسمبر كانون الأول إلى أبريل نيسان من العام المقبل بدءاً من نحو 3,100 دولار في درجة رجال الأعمال، على الجانب الآخر لا تتوفر رحلات جوية مباشرة من دلهي، لكن شركات الطيران -بما في ذلك طيران الهند- لديها مقاعد لدرجة رجال الأعمال تبدأ من نحو 750 دولاراً مع نقطة ربط واحدة.
سوق متخصصة
وفقاً لروب موريس، رئيس الاستشارات العالمية في شركة «سيريوم» لاستشارات الطيران، فإن المسارات الأولية التي تستهدفها «بيوند» -دبي ودلهي- لها إمكانات مختلفة.
وفقاً لبيانات الجدول الزمني التي تابعتها شركة «سيريوم»، قال موريس «هناك حالياً خدمة طيران مناسبة من ماليه إلى دبي، بمتوسط سبع دولارات يومياً في أغسطس آب 2023 وأكثر من 60 ألف مقعد في كل اتجاه خلال الشهر» (من بينها 12 في المئة من مقاعد الدرجة الممتازة)، المنافسة على هذا المسار ستكون صعبة، وأضاف «في المقابل، لا توجد خدمة متاحة من دلهي إلى ماليه، على الأقل بشكل مباشر، وبالتالي قد يكون هناك المزيد من الفرص».
يقول مايك ستنجل، المدير في شركة «إيرودايناميك» الاستشارية، وهي شركة استشارية أخرى في مجال الطيران، إنه في تاريخ الطيران لم تكن ثروات شركات الطيران المتخصصة في فئة رجال الأعمال كبيرة، موضحاً أن أحد أسباب ذلك هو ارتباطهم بهذه السوق المتخصصة للغاية.
وأضاف أن الشركات المرتبطة بمسافري الدرجة الممتازة فقط ستكون أكثر عرضة للتأثر بتراجع الطلب على سفر رجال الأعمال: «على المدى الطويل أعتقد أنهم سيواجهون منافسة شديدة، لا سيما من شركات الطيران الكبيرة في الشرق الأوسط، من الصعب على أي شركة التفوق على خدمات الدرجة الأولى أو درجة رجال الأعمال التي تقدمها طيران الإمارات أو قطر أو الاتحاد».
ومع ذلك، فهو يعتقد أن جزر المالديف هي بالتأكيد السوق المناسبة لتقديم خدمة فاخرة جديدة، حيث قال «يمكن الاستفادة من المسافرين المميزين الذين يريدون الشعور بتجربة الطائرة الخاصة لكنهم لا يمتلكون الميزانية الباهظة لذلك».