أعلنت هيئة التراث اختتام الموسم الثالث من أعمال التنقيب الأثري بموقع «المعملة» في منطقة الباحة، إذ استهدفت هذه الأعمال استكشاف الجوانب التاريخية للمواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية وتعميق المعرفة بتراثها الغني.
وفي بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس)، أكدت هيئة التراث التزامها بمواصلة مشاريع المسح والتنقيب الأثري في مختلف مناطق المملكة، مستعينةً بتقنيات حديثة في المسح الجغرافي والتنقيب الميداني.
وأضافت أنه تهدف هذه الجهود إلى توثيق مواقع أثرية جديدة تكشف عن التاريخ العريق للمملكة، وتعزز الوعي بأهمية التراث الوطني، بما يضمن حمايته للأجيال القادمة.
اكتشافات معمارية تعكس تطور الهندسة القديمة
تمكنت أعمال التنقيب من الكشف عن مجموعة من الجدران الحجرية المشيدة بحرفية عالية باستخدام أحجار الجرانيت المشذبة، بينما أُضيف الطوب الطيني إلى بعض أجزاء البناء.
وظهرت آثار لياسة جصية على الجدران، ما يعكس العناية البالغة التي أُعطيت لتصميم المباني في ذلك العصر، وقد تراوحت ارتفاعات الجدران المكتشفة بين 50 و120 سم، بعرض يتراوح بين 50 و80 سم، ما يعكس تطوراً هندسياً ومعمارياً لافتاً في تلك الحقبة.
ومن ضمن الاكتشافات المهمة في الموقع وجود وحدتين معماريتين متكاملتين تعكسان أنماط الحياة القديمة والتخطيط العمراني المميز. الوحدة الأولى ضمّت ثلاث غرف وأربعة مستودعات وخمسة أحواض وموقدين، بينما احتوت الوحدة الثانية على ثلاث غرف ومستودعين وأربعة أحواض وموقد وتنّور ودعامتين معماريتين.
هذا التصميم يعكس دقة تقسيم المساحات واستخدامها بطرق متعددة، ما يدل على تنوع الوظائف التي كانت تؤديها هذه المباني في الماضي.
كما أظهرت أعمال التنقيب مجموعة مميزة من القطع الأثرية التي تؤكد النشاط الصناعي والتجاري الذي كان قائماً في المنطقة، إذ تم العثور على 230 قطعة من الأواني الفخارية، بعضها مزجج ومزين بزخارف هندسية فريدة، إلى جانب 26 قطعة زجاجية بألوان متعددة مثل الأخضر الفاتح والغامق والرمادي، بالإضافة إلى 35 أداة معدنية و17 أداة حجرية، شملت المدقات والمساحن، وأجزاء من الرحى التي كانت تستخدم في طحن المواد الخام، هذه الاكتشافات تسلط الضوء على الأنشطة اليومية والصناعية لسكان الموقع في تلك الفترة.
موقع استراتيجي على طريق التجارة والحج
يقع موقع «المعملة» في الجزء الشرقي من وادي لغبة، على بعد 13 كيلومتراً شرق محافظة العقيق، ونحو 45 كيلومتراً عن مقر إمارة منطقة الباحة.
هذا الموقع جعله نقطة حيوية على طريق التجارة القديم المعروف بـ«درب الفيل»، الذي كان يعبره التجار القادمون من جنوب الجزيرة العربية قبل الإسلام.
كما تحول هذا الطريق إلى مسار للحجاج في العصور الإسلامية، ما أسهم في ازدهار القرى والمدن الواقعة على امتداده.
وبهذه الاكتشافات المذهلة، يُبرز موقع «المعملة» في الباحة جانباً آخر من ثراء التاريخ السعودي، مؤكداً دور المملكة كجسر حضاري بين العصور والثقافات.