شهد القطاع الصناعي الأميركي انكماشاً معتدلاً في نوفمبر تشرين الثاني، حيث سجلت الطلبيات نمواً لأول مرة منذ ثمانية أشهر، كما واجهت المصانع انخفاضاً كبيراً في أسعار المدخلات.

وأفاد معهد إدارة التوريدات (ISM) يوم الاثنين بأن التحسن الذي أُعلن عنه يتماشى مع زيادات مشابهة في استطلاعات الرأي الأخرى، التي شهدت ارتفاعاً مع توقعات سياسات أكثر صداقة للأعمال في ظل إدارة ترامب القادمة.

ومع ذلك، لا يزال القطاع الصناعي يواجه تحديات، فقد أشار رئيس لجنة استطلاع الأعمال الصناعية في ISM، تيموثي فيور، إلى أن «تنفيذ الإنتاج قد تباطأ في نوفمبر»، بما يتماشى مع تباطؤ الطلب وضعف الطلبات المعلقة، مضيفاً أن الموردين لا يزالون يمتلكون طاقة إنتاجية، مع تحسن في أوقات التسليم، لكن بعض نقص المنتجات قد بدأ يظهر مجدداً.

وقال ستيفن ستانلي، كبير الاقتصاديين في بنك سانتاندر للأسواق الأميركية «من الجدير بالذكر أنه بعد انتخابات 2016، ارتفع مؤشر ISM لمدة أربعة أشهر متتالية، حيث شهد التفاؤل التجاري ازديادًا». وأضاف: «لن أتفاجأ إذا رأينا الديناميكيات نفسها في الوقت الحالي، على الرغم من أن الأساسيات الكامنة في قطاع المصانع كانت بطيئة في أفضل حالاتها لفترة طويلة».

مؤشر مديري المشتريات الصناعي

وأشار معهد ISM إلى أن مؤشر مديري المشتريات للصناعة التحويلية ارتفع إلى أعلى مستوى له في خمسة أشهر عند 48.4 مقارنة بـ46.5 في أكتوبر، الذي كان أدنى مستوى منذ يوليو 2023، ويشير قراءة مؤشر PMI أقل من 50 إلى انكماش في القطاع الصناعي، الذي يشكل 10.3% من الاقتصاد.

كان الاقتصاديون الذين استطلعت آراءهم وكالة رويترز يتوقعون أن يصل مؤشر PMI إلى 47.5، كما يمثل نوفمبر الشهر الثامن على التوالي الذي يبقى فيه مؤشر PMI أقل من مستوى 50، لكنه كان فوق مستوى 42.5 الذي يعتبره معهد ISM مؤشراً على التوسع العام للاقتصاد.

وبينما أظهرت بعض الصناعات نمواً، مثل صناعات الحواسيب والإلكترونيات والمعدات الكهربائية والأجهزة، أبلغت 11 صناعة أخرى عن انكماش، بما في ذلك معدات النقل، والآلات، والصناعات التحويلية الأخرى، والمنتجات الكيميائية والمعادن الأساسية.

كانت تعليقات المصنعين عموماً متشائمة، وأفادت شركات تصنيع معدات النقل بأن الأعمال لا تزال بطيئة، مع توقعات بأن النصف الأول من 2025 سيكون مشابهاً، وذكرت بعض شركات الآلات أن «تباطؤ البناء العام في الربع الرابع أدى إلى فائض من المنتجات الجاهزة، ما أدى إلى الحاجة لإغلاق إضافي لمدة أسبوعين خلال عطلة عيد الميلاد».

من جهة أخرى، أعرب مصنعو المنتجات المعدنية المصنعة عن قلقهم من تقليص المخزونات من قبل العملاء وعدم اليقين بشأن الطلب على المدى القصير، مع تسجيل توقعات منخفضة لعام 2025.

قلق من التعريفات الجمركية

أعرب بعض الشركات في قطاع الصناعات التحويلية عن قلقها من احتمالية زيادة التعريفات الجمركية على الواردات من الصين، مشيرين إلى أن «تكلفة وقدرة التصنيع في الولايات المتحدة تشكل مصدر قلق»، وكان الرئيس المنتخب دونالد ترامب قد أعلن الأسبوع الماضي أنه سيفرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على جميع المنتجات من المكسيك وكندا، و10% إضافية على السلع القادمة من الصين، وذلك في أول يوم له في منصبه.

مؤشرات أخرى وأداء السوق

رغم القلق من التأثيرات السلبية للتعريفات، شهدت بعض الشركات في صناعة المعادن الأساسية زيادة في الطلبات من العملاء الذين يسعون لإعادة توطين أعمالهم في الولايات المتحدة بعد الانتخابات، كما ظل التضخم مصدر قلق لصناع المنتجات الغذائية والمشروبات والتبغ، بينما أبلغ صانعو الأجهزة الإلكترونية والكمبيوتر عن زيادة في الطلب المجمّع، لكنهم اشتكوا من «المنافسة على العمالة الفنية المؤهلة التي تشكل قيداً على الإنتاجية».

وبالانتقال للأسواق المالية، شهدت الأسهم الأميركية ارتفاعاً، بينما ارتفع الدولار مقابل سلة من العملات، وارتفعت عوائد الخزانة الأميركية.

وأشارت نتائج مسح ISM إلى أن القطاع الصناعي لا يزال عالقاً في حالة ركود عميق بعد ارتفاعات كبيرة في أسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي في عامي 2022 و2023. ومع ذلك، لم تكن الصورة كلها سلبية.

فقد سجلت الإنفاقات التجارية على المعدات نمواً قوياً في ربعين متتاليين، وهو ما يعكس جزئياً ازدهار الذكاء الاصطناعي والطلب على الطائرات التجارية، كما بدأ البنك المركزي الأميركي في تخفيف السياسة النقدية في سبتمبر، ومن المتوقع أن يتم خفض الفائدة للمرة الثالثة هذا الشهر.

آفاق المستقبل

ارتفع مؤشر الطلبيات الجديدة الفرعي للمستقبل في استطلاع ISM إلى 50.4، وهو ما يمثل أول توسع منذ مارس، مقارنة بـ47.1 في أكتوبر، أما مؤشر الإنتاج فقد بقي دون تغيير عند مستويات منخفضة.

وفيما يتعلق بأسعار المدخلات، فقد تراجع مؤشر الأسعار المدفوعة من قبل المصانع إلى 50.3 من 54.8 في أكتوبر، ما يشير إلى أن أسعار السلع قد تكون في طريقها للانخفاض، على الرغم من أن التعريفات المرتفعة قد تسبب في عكس هذا الاتجاه.

أما مقياس تسليم الموردين فقد انخفض إلى 48.7 من 52.0 في أكتوبر، مع دلالة بأن التسليمات أبطأ، استمر توظيف المصانع في التحسن، ولكن ظل عند مستويات منخفضة، حيث ارتفع مؤشر التوظيف في الصناعة التحويلية إلى 48.1 من 44.4 في أكتوبر.

توافق هذا مع توقعات بتسارع نمو الوظائف في القطاعات غير الزراعية في نوفمبر بعد الإضراب الذي نفذه عمال المصانع في شركات بوينغ وقطاع الطيران.