مع اقتراب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يبدو أن المواجهة بين الولايات المتحدة والصين ستدخل مرحلة أكثر حدة وتوتراً. ترامب، الذي عُرف بسياسته التصادمية تجاه الصين خلال ولايته الأولى، يتعهد في حال فوزه باتباع سياسات جديدة تستهدف الاقتصاد الصيني بشكل مباشر، عبر فرض تعريفات جمركية صارمة وقيود على الاستثمار الصيني داخل الولايات المتحدة. من جهتها، تستعد الصين للرد بأساليب متباينة تشمل الرسوم الانتقامية والتحايل الاستراتيجي في قطاعات كالطاقة الشمسية.

في ظل هذه التحركات، يتساءل العالم: هل ستؤدي هذه السياسات إلى صراع اقتصادي شامل أم إلى إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي؟

الأسواق الآسيوية

سجلت الأسواق الآسيوية مكاسب يوم الأربعاء، مقتفية أثر المكاسب التي حققتها وول ستريت، مع اقتراب إعلان فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، ولكن الأسهم الصينية اتجهت نحو القاع.

يقول نيل نيومان، كبير الاستراتيجيين في أستريس أدفايزوري في طوكيو «يجب أن تكون فترة رئاسة ترامب أمراً جيداً للأسواق اليابانية، وخاصة لأسواق الأسهم، حيث ستستمر أموال التقاعد الأميركية في الاتجاه إلى آسيا بعيداً عن الصين، بل في مواجهتها».

استقر مؤشر شنغهاي المركب في منطقة سلبية، وانخفض مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ بنسبة 2.7 في المئة.

وتراجعت أسعار السلع الأساسية من النفط إلى المعادن والحبوب، اليوم الأربعاء، بعد إعلان مؤشرات فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وقال أولي هانسن، رئيس قسم السلع الأساسية الاستراتيجية في ساكسو بنك، لرويترز «هذه هي الاستجابة الأولية في أسواق السلع الأساسية لفرز الأصوات الأميركية والنتائج الأولية لصالح فوز ترامب، لأنه من المرجح أن نرى زيادة في التعريفات الجمركية على السلع الصينية، وهو أمر سلبي للمعادن حيث تعد الصين المستهلك الأكبر للنحاس وخام الحديد والصلب، وانخفض سعر النفط بسبب المخاوف بشأن النمو الاقتصادي، حيث إن التعريفات الجمركية ليست جيدة للطلب العالمي الإجمالي».

وقال جي شين، نائب المدير في مركز أبحاث الصلب (لانج) «ستتعرض أسعار الصلب في الصين لمزيد من الضغوط الهبوطية مع فوز ترامب في الانتخابات، وقد يواجه صناع الصلب المحليون خسائر أكثر حدة»، لأن ترامب سيكون أكثر عدوانية من حيث التدابير الحمائية ضد الصين.

فوارق محدودة

لم ينسَ الصينيون معاناتهم خلال فترة ولاية ترامب الأولى (2016: 2020) عندما فرض الجمهوريون تعريفات جمركية على سلع صينية بقيمة مئات المليارات، وشن ترامب حملة ضد شركة الاتصالات الصينية العملاقة «هواوي» واستخدم لغة عنصرية لوصف البلد التي صدرت للعالم الفيروس المسبب لمرض كوفيد- 19.

ولكن السنوات الأربع التالية (2020- 2024) شهدت استهداف الرئيس جو بايدن للصناعات التكنولوجية الصينية بضوابط مُشددة حجمت قدراتها على الاستثمار والتصدير، فضلاً عن التعريفات الجمركية.

لهذا تشهد الصين إجماعاً من صناع السياسات إلى المواطنين العاديين على أنه لا فارق جوهري بين ممارسات كامالا هاريس أو دونالد ترامب تجاه الصين.

وفي تعليق شهير على «ويبو»، كتب أحد مستخدمي تطبيق التواصل الاجتماعي «لا يهم من سيفوز، إن حصارهم للصين لن يُخفف».

وقال لي شو، أحد سكان بكين، لشبكة سي إن إن، «بالنسبة لنا نحن الشعب الصيني العادي، أياً كان من سيصبح رئيساً للولايات المتحدة، فإن الأمر متشابه».

خطة ترامب

في مارس 2023 بدأ ترامب تهديداته للصين حين أكد أن الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب الثانية، ستقود الجهود الرامية إلى تطوير التاكسي الطائر دون السماح للصين بقيادة «هذه الثورة في التنقل الجوي»، واستمر في توجيه الاتهامات للصين وتهديدها لأكثر من عام حتى أول أمس الاثنين عندما أعلن أنه إذا انتُخب فإنه سيعاقب الصين والدول التي تستخدمها الصين كقواعد تصدير بالرسوم الجمركية.

وكجزء من استراتيجية أوسع لإعادة الوظائف الأميركية، قال ترامب أيضاً إنه سينفذ أجندته التجارية «أميركا أولاً» إذا انتُخب، حيث سيقوم بتخفيض الجمارك على المستهلكين والمُصنعين الأميركيين مع فرض تعريفات جمركية على معظم السلع الأجنبية، في إطار خطة مدتها أربع سنوات للتخلص التدريجي من جميع الواردات الصينية من السلع الأساسية، فضلاً عن منع الصين من شراء السلع الأميركية ووقف الاستثمار من قبل الشركات الأميركية في الصين.

أما معدل التعريفة الجمركية فيتعهد ترامب بمعدل يزيد على 60 في المئة على جميع الواردات الصينية.

وبعيداً عن حركة التجارة وعد الرئيس ترامب، في يناير 2023، بتقييد ملكية الصين للبنية التحتية الأميركية، في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والاتصالات والموارد الطبيعية، بل تعهد بإجبار الصينيين على بيع الممتلكات الحالية التي «قد تُعرض» الأمن القومي للخطر، وقال «الأمن الاقتصادي هو الأمن القومي».

الرد الصيني

من المرجح أن تعتمد الصين على منهجين رئيسيين: الرد العنيف أو المراوغة، بالنسبة للزراعة من المرجح أن تضطر بكين إلى الرد برسوم جمركية انتقامية على واردات فول الصويا القادمة من أميركا رغم أن بكين قللت من اعتمادها على واردات فول الصويا الأميركية، ولكن هناك واردات زراعية أخرى يمكن فرض الجمارك عليها، مثل البذور الزيتية، أهم صادرات زراعية أميركية إلى الصين.

ومن المرجح ألا يتقبل ترامب هذه الخطوات الانتقامية، حيث اقترح قانون «التجارة المُتبادلة» الذي سينص على إنه إذا فرضت دولة ما تعريفات جمركية على صادرات الولايات المتحدة، فإن أميركا ستفرض تعريفات «متبادلة ومتطابقة» رداً على ذلك.

أما النموذج الأفضل لسياسات المراوغة فهو قطاع الطاقة الشمسية، حيث فشلت الولايات المتحدة خلال 12 عاماً في إيقاف نمو استثمارات الصين في هذا القطاع، حتى في فترة ترامب الأولى، حيث تقوم الشركات الصينية بنقل عمليات الإنتاج إلى دولة جديدة كلما فرضت الولايات المتحدة جمارك مرتفعة على واردات الطاقة الشمسية من دولة ما، وهكذا انتقلت الاستثمارات الصينية من الصين إلى كمبوديا وفيتنام وتايلاند وماليزيا، ثم إلى إندونيسيا ولاوس، وربما تنتقل إلى الولايات المتحدة نفسها للاستفادة من حوافز الاستثمار في هذا القطاع، وهذا يرجع إلى سهولة نقل هذه النوعية من الاستثمارات.

يقول جونسي ريو، الرئيس التنفيذي لشركة تويا سولار اليابانية، «يُمكن لشركات إنتاج الطاقة الشمسية الانتقال من قرار الاستثمار إلى بدء إنتاج اللوحات الشمسية في أربعة أشهر فقط، بينما يحتاج إنتاج الخلايا الشمسية إلى ثمانية أشهر».