هل يخبئ بنك اليابان مفاجأة مدوية للأسواق؟ وهل يمكن أن تكون العودة للفائدة السلبية رهاناً غير مستبعد؟ فقد قال أغلبية خبراء الاقتصاد في استطلاع أجرته رويترز إن بنك اليابان سيُبقي على أسعار الفائدة عند 0.25 بالمئة في اجتماعه للسياسة النقدية في ديسمبر كانون الأول، بينما يُقيّم المخاطر الخارجية وتوقعات الأجور في العام المقبل في تحوّل عن استطلاع أُجري الشهر الماضي.

وفي استطلاع للرأي أُجري في الفترة من 4 إلى 11 ديسمبر كانون الأول، ونُشرت نتائجه اليوم الجمعة، قال 58% من خبراء الاقتصاد، أي 33 من 57، إن بنك اليابان سوف يتخلى عن رفع تكاليف الاقتراض مرة أخرى في ديسمبر كانون الأول، مقارنة بـ44% في استطلاع الشهر الماضي، فهل من الممكن أن يعود المركزي الياباني لسياسة الفائدة السلبية؟

الفائدة السلبية

وظلت سياسة الفائدة السلبية في اليابان جزءاً من جهود البنك المركزي الياباني لتحفيز الاقتصاد على مدار سنوات، وعلى الرغم من نجاحها في منع تفاقم الركود وتحفيز بعض القطاعات، فإن تأثيرها كان محدوداً في معالجة المشكلات الهيكلية الأساسية مثل شيخوخة السكان وضعف الإنتاجية.

الفائدة السلبية في اليابان

والفائدة السلبية هي سياسة نقدية يقوم فيها البنك المركزي بخفض سعر الفائدة إلى أقل من 0%، ما يعني أن البنوك التجارية تدفع رسوماً على احتفاظها بأموالها لدى البنك المركزي بدلاً من الحصول على عائد عليها.

في اليابان، بدأ البنك المركزي الياباني تطبيق سياسة الفائدة السلبية في يناير 2016، حيث خفض سعر الفائدة إلى -0.1% على بعض احتياطيات البنوك التجارية، وكان الهدف الرئيسي تحفيز الاقتصاد الياباني الذي كان يعاني من ركود مزمن، وانخفاض معدلات التضخم، وضعف النمو الاقتصادي.

أسباب التوجه نحو الفائدة السلبية

ومن الأسباب التي دفعت لتبني الفائدة السلبية في اليابان، مواجهة الانكماش، حيث كان يعاني الاقتصاد الياباني من انخفاض الأسعار لفترة طويلة (الانكماش)، ما أدى إلى ضعف الطلب وزيادة الركود، فالفائدة السلبية تهدف إلى تشجيع الاقتراض وزيادة الاستهلاك والاستثمار، وبالتالي رفع التضخم، فضلاً عن تحفيز الإقراض والاستثمار، خاصة أنه عندما تصبح الفائدة سلبية، تصبح تكلفة الاحتفاظ بالنقود مرتفعة على البنوك، ما يدفعها لتقديم قروض بأسعار منخفضة للأفراد والشركات.

ومن الأسباب أيضاً، تشجيع الاستهلاك، حيث إن الفائدة السلبية تقلل من جاذبية الادخار لدى الأفراد والشركات، ما يدفعهم للإنفاق بدلاً من الادخار، فضلاً عن تعزيز الصادرات، فانخفاض الفائدة يؤدي إلى ضعف العملة المحلية (الين الياباني)، ما يجعل الصادرات اليابانية أكثر تنافسية في الأسواق العالمية.

تاريخ الفائدة السلبية في اليابان

– قبل 2016

– كان الاقتصاد الياباني يعاني من ركود منذ تسعينيات القرن الماضي، المعروفة باسم «العقد الضائع».

– لجأ البنك المركزي الياباني إلى سياسة التيسير النقدي (خفض الفائدة وشراء الأصول) لتحفيز النمو، لكن النتائج كانت محدودة.

– يناير 2016

– أعلن البنك المركزي الياباني عن تطبيق الفائدة السلبية بنسبة -0.1% على جزء من احتياطيات البنوك التجارية.

– كانت هذه خطوة جريئة وغير مسبوقة في تاريخ السياسة النقدية اليابانية.

– بعد 2016

– استمرت الفائدة السلبية، لكن آثارها على الاقتصاد كانت مختلطة.

– تم انتقاد السياسة من قبل بعض الاقتصاديين والمصرفيين بسبب تأثيرها السلبي على أرباح البنوك والادخار الشخصي، وعلى صعيد التحديات والآثار السلبية، لخفض الفائدة دون الصفر في المئة، ضعف أداء البنوك التجارية، حيث تواجه البنوك ضغوطاً على أرباحها بسبب انخفاض هوامش الربح، فضلاً عن انخفاض الدخل من المدخرات، فالمدخرون الأفراد يحصلون على عوائد منخفضة جداً، ما يؤدي إلى استياء اجتماعي، وعدم تحقيق أهداف التضخم، فرغم السياسات التيسيرية، لا يزال التضخم في اليابان أقل من هدف البنك المركزي البالغ 2%.

وجرى تطبيق سياسة الفائدة السلبية من قِبل عدد من الدول خلال العقد الماضي كوسيلة لمواجهة التحديات الاقتصادية، مثل الانكماش الاقتصادي وتعزيز الإنفاق، فضلاً عن تحفيز الإقراض بدلاً من الادخار، وخفض تكاليف الاقتراض لدعم الاستثمار والإنفاق، ومواجهة الانكماش الاقتصادي وتعزيز التضخم المستهدف.

وحالياً، مع الارتفاع العالمي للتضخم، معظم هذه الدول تخلت عن معدلات الفائدة السلبية وبدأت بالانتقال إلى معدلات إيجابية لدعم استقرار الأسعار.

ومن ضمن الدول التي اعتمدت هذه السياسة كل من:

– السويد:

كانت السويد من أوائل الدول التي تبنت الفائدة السلبية في عام 2015 من خلال البنك المركزي السويدي (Riksbank)، لكنها رفعت الفائدة مرة أخرى إلى مستويات إيجابية بحلول عام 2019.

– الدنمارك:

البنك المركزي الدنماركي أدخل الفائدة السلبية في عام 2012 لدعم سياسة الربط الثابت للعملة بين الكرونة واليورو، واستمرت هذه السياسة لعدة سنوات.

– سويسرا:

تبنى البنك الوطني السويسري معدلات فائدة سلبية في يناير 2015 لمنع ارتفاع الفرنك السويسري أمام العملات الأخرى، استمر ذلك حتى سبتمبر 2022 عندما تم رفع الفائدة إلى مستوى إيجابي.

– منطقة اليورو:

البنك المركزي الأوروبي (ECB) اعتمد الفائدة السلبية منذ عام 2014 لدعم الاقتصاد في منطقة اليورو، بدأ البنك رفع الفائدة تدريجياً بدءاً من عام 2022.

ورفع بنك اليابان أسعار الفائدة آخر مرة في يوليو تموز، وذكرت رويترز يوم الخميس أن بنك اليابان يميل إلى الإبقاء على أسعار الفائدة في 19 ديسمبر كانون الأول.

وتوقع جميع المشاركين في أحدث استطلاع للرأي أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة بما لا يقل عن 25 نقطة أساس إلى 0.50% بحلول نهاية مارس آذار، على الرغم من أن جميع نظرائه العالميين تقريباً يميلون نحو المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة.

وقال محللون إن بنك اليابان ينتظر لمعرفة اتجاه مفاوضات الأجور في الربيع المقبل، ويسعى إلى التواصل بشكل أفضل بشأن التغييرات السياسية مع المشاركين في السوق من خلال الخطب واجتماع مديري الفروع المقرر قبل اجتماع تحديد السياسات في يناير كانون الثاني.

وقالت ماري إيواشيتا -كبيرة خبراء الاقتصاد في السوق لدى دايوا للأوراق المالية- إن بيانات التضخم والأجور تُظهر أن الاقتصاد الياباني يتطور كما توقع بنك اليابان المركزي، لكن البنك المركزي يدرك المخاطر في الخارج.

وقال إيواشيتا وهو مراقب محنك لبنك اليابان «إذا كان بنك اليابان سيدرس بعناية التطورات الاقتصادية المستقبلية وإدارة السياسة في الولايات المتحدة، فمن الأفضل الانتظار حتى اجتماع يناير كانون الثاني من العام المقبل لتأكيد الوضع الاقتصادي وكذلك إدارة السياسة للإدارة القادمة لترامب».

وقال محلل في شركة ميزوهو للأبحاث والتكنولوجيا إن انخفاض قيمة الين، وهو أحد العوامل الرئيسية التي تم تحديدها لتبرير رفع أسعار الفائدة في ديسمبر كانون الأول في استطلاع الشهر الماضي، قد تباطأ.

ومن بين عينة أصغر من 19 اقتصادياً قدموا توقعات شهرية وتوقعوا إما رفع أسعار الفائدة العام المقبل أو عدم زيادة أخرى على الإطلاق، اختار الجميع، باستثناء واحد، شهر يناير كانون الثاني.

وتذبذبت توقعات خبراء الاقتصاد بشأن توقيت رفع أسعار الفائدة المقبل بين ديسمبر كانون الأول ويناير كانون الثاني، حيث انقسم المحللون حول ما إذا كان الاقتصاد الياباني قادراً على امتصاص التداعيات الناجمة عن رفع تكاليف الاقتراض، لأن الاقتصاد لم يُظهر بعد علامات على التعافي المؤكد.

في حين ارتفعت الأجور العادية بمعدل سنوي يتراوح بين 2.5% و3%، وظل التضخم أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2% لأكثر من عامين، انخفض إنفاق الأسر في أكتوبر تشرين الأول للشهر الثالث على التوالي، وكان إنتاج المصانع متأرجحاً.

أظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي المعدلة للربع الثالث، التي صدرت يوم الاثنين، أن اقتصاد اليابان توسع بوتيرة أسرع من المعلن في البداية، لكن الاستهلاك الخاص تم تعديله بالخفض في إشارة إلى الطبيعة الهشة للتعافي الاقتصادي.

أنهى بنك اليابان أسعار الفائدة السلبية في مارس آذار ورفع هدف سياسته قصيرة الأجل إلى 0.25% في يوليو تموز، وأشار إلى استعداده لرفع الفائدة مرة أخرى إذا تحركت الأجور والأسعار كما هو متوقع وعزز قناعته بأن اليابان ستصل إلى معدل تضخم دائم بنسبة 2%.

إلى ذلك، كان متوسط ​​31 اقتصادياً عرضوا وجهة نظرهم بشأن معدل زيادة الأجور في مفاوضات العمل والإدارة في الربيع في السنة المالية المقبلة 4.7%، بانخفاض عن 5.1% هذا العام، لكن لا يزال أعلى من 3.58% في العام الماضي.

وبالإضافة إلى ذلك، قال نحو 94% من خبراء الاقتصاد، أي 30 من 32، في استطلاع أجري هذا الشهر، إن سياسات التعريفات الجمركية التي اقترحها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من شأنها أن تؤثر سلباً أو سلباً إلى حد ما على الاقتصاد الياباني.

وقال تاكومي تسونودا، كبير الاقتصاديين في معهد شينكين لأبحاث البنك المركزي، إن «زيادة الرسوم الجمركية ستكون بمثابة رياح معاكسة للتجارة العالمية».

ومع ذلك، قال تسونودا إن جدوى سياسة التعريفات ليست عالية بالضرورة، مضيفاً أنه حتى لو تم تنفيذها، فلن يكون لها تأثير على الاقتصاد الحقيقي حتى النصف الثاني من عام 2025 على أقرب تقدير.