تتأهب الأسواق المالية العالمية لآخر اجتماع لبنك الاحتياطي الفيدرالي هذا العام، وسط حالة عدم يقين بمسار الاقتصاد الأميركي بعد تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه في يناير كانون الثاني 2025، ما يضع مصير الذهب والدولار وسوق الأسهم في يد لجنة السياسة النقدية.

بدأ الاحتياطي الفيدرالي خفض الفائدة في سبتمبر أيلول 2024 لمرتين متتاليتين بإجمالي 75 نقطة أساس، ويتوقع المحللون المزيد من الخفض في الاجتماع المنتظر غداً الأربعاء.

وقال أحمد أسامة كبير المحللين الاقتصاديين في شركة إيفست، «من المتوقع أن يتجه الفيدرالي إلى خفض جديد بمقدار 25 نقطة أساس إلى النطاق بين 4.25 و4.5 في المئة، ليكون هذا الخفض الثالث على التوالي خلال عام 2024».

يتماشى هذا مع توقعات المتداولين على أداة فيدوتش، إذ يرجح أكثر من 97 في المئة خفض الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية، فيما يرى أقل من ثلاثة في المئة اتجاه الفيدرالي لتثبيت أسعار الفائدة دون تغيير.

وبجانب قرار أسعار الفائدة، تترقب الأسواق صدور تقرير التوقعات الاقتصادية من البنك الفيدرالي ربع السنوي، والذي يكشف فيه عن تقديراته لمعدل التضخم ونمو الناتج المحلي الإجمالي، ومعدل البطالة، ومتوسط أسعار الفائدة المتوقع لعامي 2025 و2026.

وأضاف أسامة في تعليقه لـ«CNN الاقتصادية»، «نتوقع أن تكون التوقعات الاقتصادية لأعضاء الفيدرالي العامل الأبرز في تحركات الأسواق، وخاصة أن الأسواق سعرت بالفعل الخفض المنتظر هذا الأسبوع، لكنها لا تزال تترقب إشارات حول توجه السياسة النقدية خلال العام المقبل».

لماذا تتوقع الأسواق خفض الفائدة؟

أشارت تشارو تشانانا، رئيسة استراتيجيات الاستثمار في ساكسو بنك إلى أن هناك عدداً من العوامل التي تدعم خطوة خفض الفائدة في اجتماع ديسمبر، بما في ذلك تراجع قوة سوق العمل، إذ ارتفع معدل البطالة إلى 4.2 في المئة في نوفمبر 2024، مع انخفاض في معدل المشاركة بالقوى العاملة، ما قد يبرر خفضاً إضافياً لمنع ركود أكبر.

كما ذكرت تشانانا أنه رغم ثبات معدل التضخم، فإن تكاليف الإسكان شهدت تراجعاً ملحوظاً، مع تراجع أسعار تجديد عقود الإيجار الجديدة، وقد يعزز هذا الانخفاض الحجة لخفض الفائدة.

على جانب آخر، يتزايد الحديث عن احتمال توقف الفيدرالي عن خفض الفائدة في عام 2025، بسبب احتمال ارتفاع التضخم نتيجة التعريفات الجمركية المرتقبة من الرئيس ترامب، ما قد يسفر عن ضغوط تضخمية، ويدفع الاحتياطي الفيدرالي لمزيد من الحذر.

وفي هذا الصدد، تقول تشارو تشانانا من ساسكو بنك، «من المتوقع أن تخفض لجنة السياسة النقدية توقعاتها لمتوسط سعر الفائدة ليشير إلى ثلاث تخفيضات فقط، أو ربما أقل»، وهذه قد تكون مفاجأة تحذيرية للأسواق.

وتتوقع الأسواق المالية استمرار الاحتياطي الفيدرالي في خفض الفائدة خلال عام 2025 المقبل، حتى تصل إلى النطاق 3.75 -4 في المئة بنهاية العام، وتستقر عند هذا المستوى حتى الربع الثالث من عام 2026، وفقاً لمتوسط توقعات ريفينتيف، وأداة فيدووتش.

توقعات الأسواق المالية بين الفيدرالي وترامب

الدولار يواصل الصعود

يتوقع وليد أبو الدهب كبير محللي الأسواق المالية في المتداول العربي مشاهدة المزيد من الصعود للدولار الأميركي خلال الفترة القادمة، مشيراً في تعليقه لـ«CNN الاقتصادية»، إلى ارتفاع مؤشر الدولار -الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من ست عملات رئيسية- منذ بداية الربع الرابع من العام الحالي 2024 بما يزيد على 7 في المئة من قيمته حتى الآن، وصولاً إلى حاجز 108 نقاط، والذي يعتبر الأعلى منذ نوفمبر 2022.

وأوضح أبو الدهب في تصريحاته لـ«CNN الاقتصادية»، أن هذا الصعود يرجع إلى التفاؤل الذي سيطر على الأسواق قبل فوز ترامب بالانتخابات بشأن تنفيذ خطته المالية بشأن التعريفات التجارية وخفض الضرائب.

واستمرت موجة الصعود بعد ذلك إلى المستويات الحالية بدعم من الأداء الاقتصادي الأميركي القوي، الذي يتميز بالنمو المطرد وموقف الاحتياطي الفيدرالي، إذ يتوقع أغلب المحللون أن تحافظ الولايات المتحدة على أسعار فائدة أعلى مقارنة بالاقتصادات الأخرى، ما يجذب رأس المال الأجنبي ويعزز قيمة الدولار، بحسب أبو الدهب.

وبناءً على ذلك، يتوقع أبو الدهب مشاهدة المزيد من الصعود للدولار خلال الفترة القادمة على المدى المتوسط خاصة مع استقرار الأسعار أعلى نطاق 106.50 نقطة و107.35 نقطة، والذي يمثل منطقة مقاومة لحركة الدولار حالياً، ومع اختراقها، تزداد فرص مشاهدة مستويات أعلى قد تصل إلى 109.40 نقطة.

ومع ذلك، لفت الخبير المالي إلى أن وتيرة الصعود المتوقعة قد لا تكون بالقوة نفسها بسبب ما قد تلقيه سياسة ترامب على عاتق الدولار، فضلاً عن توقعات الأسواق بشأن تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.

توقعات سعر الذهب 2025

يرى أحمد أسامة أنه لا يزال الذهب يحافظ على اتجاهه الإيجابي في ظل عودة البنوك المركزية الكبرى، وخصوصاً الصين، لعمليات الشراء منذ نوفمبر الماضي.

ورغم التوقعات بإبطاء وتيرة خفض الفائدة، بحسب أسامة، فإن الذهب يظل مرشحاً ليكون أحد الأصول المفضلة لدى المستثمرين مع كل خفض للفائدة خلال العامين المقبلين، ما يعزز استمراره في الاتجاه الصاعد على المدى الطويل.

من جانبه، توقع وليد أبو الدهب أن يواصل سعر الذهب اتجاه الصاعد حتى في ظل قوة الدولار الأميركي، مشيراً إلى أن أغلب التوقعات تدعم اتجاه سعر أونصة الذهب نحو 3000 دولار مع نهاية عام 2025، وذلك بعد انتهاء موجة التصحيح الهابط الحالية التي قد تصل حتى 2470 دولاراً للأونصة قبل موجة الصعود المتوقعة.

وقال أبو الدهب، «على عكس الضغوط الهبوطية التقليدية المعتادة من قوة الدولار الأميركي التي تنعكس هبوطاً على أسعار الذهب، إلا أن الطلب المتزايد على التقنيات الخضراء -وخاصة في الصين- يرفع الطلب على الذهب، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل مشتريات البنوك المركزية والتوترات الجيوسياسية».

الأسهم الأميركية في وضع حذر

أما سوق الأسهم الأميركية، فيرى أحمد أسامة أن احتمالية تباطؤ وتيرة خفض الفائدة قد تؤثر سلباً على الأسهم التي شهدت ارتفاعات قوية خلال الفترة الأخيرة، ضمن عمليات جني أرباح، خاصة إذا أشار أعضاء الاحتياطي الفيدرالي إلى ذلك.

ومع تسعير السوق لخفض الفائدة، قد تؤدي أي إشارة من الفيدرالي إلى خفض أقل في 2025 إلى تقلبات جديدة في الأصول الخطرة، بما في ذلك الأسهم، بحسب الخبيرة الاقتصادية تشارو تشانانا، موضحة أنه قد يؤدي الطابع الحذر إلى ضغوط هبوطية على تقييمات الأسهم، وخاصة أسهم القطاعات الحساسة للفائدة، مثل بناء المنازل والشركات الصغيرة.

من ناحية أخرى، لفت أسامة إلى أنه يظل التفاؤل قائماً على المدى المتوسط، خصوصاً مع انتظار تولي دونالد ترامب مهامه رسمياً العام المقبل.

وقال «من المتوقع أن يدعم ذلك أسواق الأسهم بشكل كبير نظراً لدعمه القوي للصناعات المحلية، وهو الأمر الذي قد يكون له تأثير إيجابي كبير خلال العام القادم، إلا أن التأثير قد يكون سلبياً على المدى القصير».