كان عام 2024 استثنائياً لكلٍّ من الذهب والبيتكوين؛ إذ ارتفعت قيمة الذهب بمقدار الربع تقريباً، مسجّلاً رقماً قياسياً جديداً يقترب من 2800 دولار أميركي للأونصة.
وكان أداء البيتكوين أكثر تميّزاً؛ حيث ازدادت قيمتها بأكثر من الضعف لتتجاوز عتبة 100 ألف دولار أميركي للمرة الأولى مع نهاية العام.
وبالنظر إلى مدى التشابه بين الذهب والبيتكوين، يبدو الاثنان مختلفين جداً للوهلة الأولى؛ فيندرج الذهب تحت بند الأصول الطبيعية واكتسب سُمعته كملاذ آمن ومخزن للقيمة على مدى آلاف السنين. وفي المقابل، تُعتبر البيتكوين أصلاً تقنياً نشأ في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، حين انخفضت الثقة في النظام المالي التقليدي إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. وعلى الرغم مما أظهرته البيتكوين من تقلبات شديدة في الماضي، تطمح العملة الرقمية لتكون شكلاً سليماً من أشكال النقود، وهنا تبرز أوجه التشابه مع الذهب. فالبعض لا يزال يرى في الذهب نوعاً من أنواع العملة، ما يذكّرنا بحقبة معيار الذهب التي انتهت في سبعينيات القرن الماضي. ومن ناحية أخرى، دفع انعدام الثقة في النظام المالي في أثناء الأزمة المالية العالمية أيضاً أسعار الذهب إلى تسجيل سلسلة من الأرقام القياسية.
وتظهر لدينا عند التمعن أوجه تشابه عديدة بينهما، مثل محدودية العرض، والتي تُعزَى في حالة الذهب إلى القيود الجيوسياسية. فهو مورد نادر لم يشهد الكثير من الاكتشافات اللافتة خلال السنوات القليلة الماضية، كما أصبح تعدين الذهب أكثر تعقيداً من حيث عمق المناجم وكمية الصخور التي يجب نقلها. وإلى جانب ذلك، تتراجع درجة نقاء الخامات بشكلٍ هيكلي، ما يزيد من تكاليف الإنتاج. أمّا بالنسبة للبيتكوين، تكون القيود على العرض تقنية، حيث تجري برمجة العملة وفق شيفرات ثابتة من خلال تكنولوجيا بلوك تشين للتعاملات الرقمية، الأمر الذي يُحدَد العرض عند 21 مليون وحدة كحد أقصى، مع تخفيض المكافآت إلى النصف (التنصيف) كل أربع سنوات تقريباً. ومن هذا المنطلق، يُشبه «تنصيف البيتكوين» تراجع جودة خامات الذهب، بينما تُقارَن الطاقة اللازمة لحل ألغاز بيتكوين المشفرّة بالطاقة المستهلكة في تعدين الذهب. وتُضاف إلى ذلك التشابهات على جانب الطلب؛ إذ لا يتأثر الطلب على الذهب والبيتكوين بتقلبات الدورة الاقتصادية، بل برغبة المستثمرين في إدراجهما ضمن محافظهم الاستثمارية.
تُظهر خصائص التحوط للذهب والبيتكوين العديد من أوجه التشابه والاختلاف في آنٍ واحد. أولاً، ينبغي أن يكون كلاهما بمثابة تحوط ضد المخاطر الهيكلية في الأسواق المالية، ويجب أن يكونا ملاذاً آمناً في حال انهيار النظام المالي. وفي حين لم يخضع الذهب لأي اختبارات في هذا الصدد منذ الأزمة المالية العالمية، فإنّه أظهر هذه السمة مراراً في الماضي، بينما جرى تصميم البيتكوين بناءً على أصولها، لتوفير قدرٍ كبير من الأمان واللامركزية.
ثانياً، نجد أنفسنا أمام خطر فك الارتباط بالدولار، وهو موضوع ازداد النقاش حوله مؤخراً، لا سيما مع تسليح الدولار الأميركي في ضوء التوترات الجيوسياسية والتخوفات من تزايد العجز والمديونية الأميركية. ويمكن اعتبار الذهب والبيتكوين، بسعرهما المقوّم بالدولار، مضادين للدولار، وبالتالي أداة للتحوط ضد تراجع هيمنته كعملة احتياطية عالمية. ويبقى التوجه نحو فك الارتباط بالدولار نظرية بعيدة عن التطبيق الواقعي، برغم ما اكتسبته بعض العملات مؤخراً من أهمية من حيث النشاط التجاري والاحتياطات النقدية.
ثالثاً، يُمكن أن يكون الذهب والبيتكوين بمثابة تحوط ضد التضخم، خصوصاً وأنّ كليهما محدود العرض، بخلاف النقود الورقية، التي تستطيع البنوك المركزية طباعتها بلا حدود. ومع ذلك، ليست جميع حالات التضخم على المستوى نفسه. فيُمكن التحوط بالذهب والبيتكوين ضد التضخم السيئ الذي ينتج عن السياسة المالية المتهورة والسياسة النقدية غير المسؤولة، ما يؤدي إلى فقدان الثقة في العملة وانخفاض قيمتها بشكل كبير. بينما لا يجب التحوط بهما ضد التضخم الجيد الناجم عن الاقتصاد القوي، والذي تلجأ البنوك المركزية لمواجهته عادة بإقرار سياسات نقدية أكثر تشدداً.
رابعاً، لدينا مخاطر الصدمات الاقتصادية وتصحيحات سوق الأسهم. وتبرُز خلال هذه الأزمات مكانة الذهب كملاذ آمن، لا سيما من خلال الحفاظ على قيمته أو حتى زيادتها. ولهذا يُعتبر الذهب من الأصول المفضّلة لتجنّب المخاطرة، بعكس البيتكوين الذي يندرج ضمن الأصول ذات المخاطر. فتميل عملة البيتكوين إلى التحرك مع سوق الأسهم، ما يعرّضها لمخاطر الهبوط المادي في حالة حدوث تصحيح. لذا، يُعدّ الذهب الخيار الأكثر كفاءة للتحوط ضد تصحيحات سوق الأسهم بخلاف البيتكوين. ومع ذلك، يُمكن لإضافة البيتكوين إلى محفظة متنوعة خارج فترات الصدمات الاقتصادية أن يُعزّز من قيمتها من خلال تحسين العوائد المعدلة حسب المخاطر.
وبالنظر إلى المخاطر الأرجح حدوثاً عام 2025، تشير بداية العام إلى ارتفاع التقلبات في سوق الأسهم، الأمر الذي من شأنه أن يعزّز من أفضلية الذهب مقابل البيتكوين. ومع ذلك، لا يزال الطلب على البيتكوين قوياً، وأسعاره صامدة رغم التقلبات في السوق. بينما نرى أن المخاطر الأخرى أقلّ احتمالاً، برغم ما قد يحمله التضخم من مفاجآت تصاعدية في الولايات المتحدة. في النهاية، يعتمد نجاح الذهب والبيتكوين كأدوات للتحوط في هذا السيناريو على رد فعل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أولاً، ومن ثَمَّ التغييرات التنظيمية المتعلقة بالبيتكوين وغيرها من الأصول الرقمية في الولايات المتحدة.