في الأفق القريب، تلوح بوادر تحول كبير في المشهد الاقتصادي الأميركي، حيث تتراكم المؤشرات التي تنذر بقفزة مرتقبة في معدلات البطالة، لا سيما في القطاع الحكومي الذي بات في عين العاصفة، وفي ظل هذا المشهد المضطرب، وبين مخاوف التباطؤ وتوترات الأسواق، يسطع بريق الذهب كملاذ آمن، بينما تتراقص مؤشرات الأسهم على إيقاع الخوف والرجاء، فاتحة الباب أمام فرص نادرة لا يدركها إلا من تمرس في قراءة ما بين السطور.
حتى الآن، تشير التقديرات إلى تسريح نحو 100 ألف موظف حكومي في الولايات المتحدة، مع توقعات بانضمام المزيد إلى قائمة المسرّحين، ما قد يرفع الرقم إلى مئات الآلاف خلال الفترة المقبلة؛ هذا النزيف في الوظائف لم يظهر بعد بصورة جلية في بيانات إعانات البطالة، ويُعزى ذلك إلى وجود فترة إشعار مسبق قد تصل إلى 60 يوماً لبعض الموظفين الفيدراليين، لكن مع اقتراب نهاية هذه المهلة، يُرجّح أن نشهد طفرات قوية في طلبات الإعانة، تؤدي بدورها إلى ارتفاع معدل البطالة الذي يتوقع الاحتياطي الفيدرالي أن يصل إلى 4.4% هذا العام، بعد أن كان عند 4.1%.
ولم تكن هذه التغيرات بمعزل عن أنظار صانعي السياسات، ففي اجتماعه الأخير، خفّض الاحتياطي الفيدرالي من توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025، من 2.1% إلى 1.7%، في إشارة صريحة إلى تباطؤ متوقع في وتيرة النشاط الاقتصادي، بما يشمل عمليات التوظيف والاستثمار.
على جانب آخر، تستمر الحرب التجارية في توجيه ضرباتها الخفية للاقتصاد الأميركي، وقد أعلنت شركات كبرى مثل نايكي عن تأثر أعمالها بالرسوم الجمركية والصراعات التجارية، في تحذير يعكس مدى الضغط الذي تتعرض له الشركات المُصدّرة، وهو ما يُهدد بالمزيد من التباطؤ وفقدان الوظائف.
لكن بينما تغرق بعض الأسواق في الضباب، تتجه الأنظار نحو الذهب، الذي ارتقى إلى مستويات تاريخية تجاوزت 3,000 دولار للأونصة، ليُجسد الخوف الكامن في قلوب المستثمرين، ومع تزايد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، لم يعد الذهب فقط وسيلة للتحوط، بل بات شهادة على زمن مضطرب يبحث فيه الجميع عن الأمان.
في المقابل، تشهد الأسهم الأميركية تقلبات عنيفة، حيث فقدت بعض المؤشرات أكثر من 10% من قيمتها في أسابيع قليلة، لكن في خضم هذه الفوضى، يرى المضاربون المحترفون فرصاً لا تُقدّر بثمن، فالأسهم ذات القيمة الاستراتيجية تُعرض اليوم بأسعار قد لا تتكرر، والأزمات، كما علمتنا التجارب، تخلق دوماً فرصاً لمن يملك الجرأة والبصيرة.
فالأسواق، مهما اشتدت تقلباتها، ليست سوى مرآة لمزيج من الخوف والطمع، اليأس والأمل، وبينما يلوذ البعض بالملاذات الآمنة، يستعد آخرون لاقتناص اللحظة المناسبة للدخول، إيماناً منهم بأن المخاوف قد تكون مبالغاً فيها، وأن كل أزمة، تحمل في رحمها بذرة انتعاش جديد.
في النهاية، يبقى السؤال:
هل نحن أمام بداية لانحدار اقتصادي حاد، أم أمام تصحيح مؤقت؟
ما نعرفه يقيناً أن الاضطراب سيستمر.. وأن من يفهم قواعد اللعبة، قد يخرج من هذه المرحلة أقوى مما دخلها.
تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.