يسود الاعتقاد بأن الإيثار أو نكران الذات من الدوافع الرئيسية التي تجعل الأشخاص يقومون بتصرفات لطيفة، مثل فتح الباب لمرور شخص ما أو التخلي عن مقعد في اجتماع مزدحم.
وتُظهر الأبحاث أن هذا الاعتقاد يحمل في طياته بعض الحقيقة، كما أنه من المعلوم أن الرغبة في إضفاء صفات السخاء والتعاون على صورة الشخص أمام الآخرين تدفعه أيضاً لفعل هذه التصرفات.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وأثبتت الأبحاث في مجالات علم النفس الاجتماعي وعلم الأحياء التطوري والاقتصاد السلوكي، أن تكريس صورة الشخص الكريم والمتعاون يحظى بأهمية بالغة، فهو يحدد حجم الدعم الذي يتلقاه للحصول على ترقية ومواجهة تحديات العمل الصعبة، فضلاً عن مقدار الدعم المالي في القضايا المهمة.
ونظراً لأهمية بناء هذا النوع من السمعة، فليس من المستغرب أن تصدر التصرفات اللطيفة في بعض الأحيان لأسباب أنانية، فقد يحرص البعض على مساعدة زملائهم أو القيام بمهام إضافية سعياً لاكتساب سمعة حسنة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وتبرز أمثلة هذا النوع من السلوك في العمل، في محاولات المرؤوسين التملق للتقرب من رؤسائهم، مثل عادة تحضير كوب من القهوة للمدير أو المبادرة إلى العمل ساعات إضافية لإنجاز المشاريع في الموعد المحدد.
ورغم حقيقة أن المرؤوسين يحاولون التقرب من رؤسائهم، فقد كشف بحث مشترك أجريته بالتعاون مع البروفيسورة كيم ريوس في جامعة إلينوي عن نمط مغاير ومثير للدهشة يتمثل بميل الأشخاص الساعين لبناء سمعة طيبة إلى إظهار اللطف تجاه مرؤوسيهم أكثر من رؤسائهم.
وقد تجلى هذا النمط بوضوح في ثلاث دراسات مسجلة سابقاً.
وفي إحدى التجارب، قدمنا للمشاركين مبالغ نقدية مع خيارات لمشاركتها مع رؤسائهم أو مساعديهم أو الاحتفاظ بها لأنفسهم.
وبشكلٍ عام، أظهر الأشخاص مستويات أعلى من السخاء لدى معرفتهم بأن شريحة واسعة من الجمهور على دراية بأفعالهم.
ووقع اختيار معظم المشاركين على المساعدين، إذ يميل الأشخاص للتصرف بلطف مع زملائهم الأدنى مرتبة مقارنة برؤسائهم عندما تكون أفعالهم موضع مراقبة.
وفي تجربة أخرى، أتيح للمشاركين القيام بعمل تطوعي برفقة مساعديهم أو رؤسائهم، أو اختيار عدم التطوع على الإطلاق.
وتوجب على نصف المشاركين مناقشة الأمور اللوجستية أمام الآخرين في مساحة مكتبية مفتوحة، بينما استكمل النصف الآخر الأمور اللوجستية عبر البريد الإلكتروني.
وأظهرت النتائج ميل المشاركين للقيام بالعمل التطوعي مع أحد المساعدين على حساب الرؤساء، عندما يكون الزملاء على علم بهذا الاختيار، اعتقاداً منهم أن التطوع مع مساعديهم سيكون أكثر فاعلية في تعزيز سمعتهم ضمن المجموعة.
ويعبّر مثال المدير الذي يبقى حتى وقت متأخر لمساعدة موظف مبتدئ في أحد المشاريع، عن تفانٍ كبير في ظاهر الأمر، لكن قد يكون المدير مدفوعاً برغبة في تعزيز صورته كمسؤول قيادي كريم وداعم لمرؤوسيه، ما يعزز مكانته داخل المؤسسة.
وتقدّم مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات مثالاً آخر، إذ تشارك الشركات غالباً في هذه الفعاليات التي تعود بالنفع على الفئات المحتاجة في المجتمع، وتعزّز مكانة الشركة في مجال المسؤولية الاجتماعية وقدرتها على جذب العملاء والمستثمرين والموظفين الموهوبين.
ويبرز في هذا السياق سؤال تصعب الإجابة عنه حول أهمية الدوافع على تنوعها بين الإيثار والأنانية؛ فالفائدة التي يجنيها المستفيد في النهاية واحدة.
ومن ناحية أخرى، يرى البعض أن المجموعات الاجتماعية يجب أن تستثمر في دعم أصحاب النوايا الطيبة فقط، لأن الدوافع الحقيقية للشخص هي مؤشر قوي على سلوكه المستقبلي، والذين يعتمدون التصرفات اللطيفة كنهج استراتيجي مرحلي في مسيرتهم المهنية، قد يتوقفون عن ذلك بمجرد تحقيق أهدافهم.
وبالمقابل، يرى آخرون أن السمعة هي الدافع الرئيسي للتعاون.
وبالتالي، إذا كان احتمال تحقيق مكاسب شخصية من خلال السمعة الطيبة يحفّز على زيادة مستويات العطاء، ينبغي علينا التركيز على الناحية العملية دون المبالغة في الاهتمام بالدوافع.
ويتعين على المديرين في جميع الأحوال، التركيز على دور السمعة في تعزيز السلوكيات الإيجابية ضمن فرق العمل.
وتُعرف هذه التصرفات بسلوكيات المواطنة التنظيمية، وهي ذات تأثير كبير في فاعلية المؤسسات.
ولا تقتصر أهمية توفير بيئات عمل داعمة لتطوير السمعة على تحقيق النجاح الفردي للموظف، بل تمتد لتشمل تعزيز نجاح الفريق والمؤسسة ككل.
إينا إينيسي هي أستاذة متخصصة في السلوك التنظيمي بكلية لندن لإدارة الأعمال، وتركّز أبحاثها على مفهوم القوة وكيفية تأثيرها في العلاقات وعمليات صُنع القرار.
وشاركت إينيسي في تأليف البحث المذكور أعلاه بعنوان «سُبل استفادة معتمدي السلوكيات الاجتماعية الإيجابية من التسلسل الهرمي للسلطة لبناء السمعة الأخلاقية»، بالتعاون مع كيمبرلي ريوس، الأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة أوهايو.