تشهد صناعة السيارات العالمية تقلبات حادّة بفعل موجات الرسوم الجمركية التي تقودها الولايات المتحدة، التي تستهدف بشكلٍ خاص شركات السيارات الأوروبية واليابانية والكورية والصينية.
وبحكم هذه الاضطرابات، تبرز منطقة الشرق الأوسط كإحدى الأسواق القليلة التي لا تزال محصّنة بل مؤهّلة للاستفادة من هذا المشهد المتغيّر.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
فبينما تعاني أسواق أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا تبعات التوترات التجارية، يظهر المستهلك في الشرق الأوسط كأكبر الرابحين.
هزة عالمية.. ميزة إقليمية
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ولكن ما السر في ذلك؟ الإجابة بسيطة: لم تدخل دول الشرق الأوسط في دوامة الرسوم المضادة، بينما تفرض الولايات المتحدة حواجز تجارية، تبقى منطقتنا منفتحة أمام التجارة العالمية، ما يجعلها سوقاً جذابة لصانعي السيارات الباحثين عن أسواق بديلة لتصريف فائض إنتاجهم وضمان استمرارية تشغيل مصانعهم. والنتيجة؟ خيارات أكثر، توفر أكبر، وأسعار أكثر تنافسية للمستهلكين في الإمارات والسعودية وسائر دول المنطقة خصوصاً في فئات السيارات الفاخرة والشعبية.
اليابانيون والكوريون يعيدون حساباتهم
تعد العلامات اليابانية اللاعب الأكبر في سوق السيارات الإقليمي، حيث تستحوذ على ما يصل إلى 60% من المبيعات في بعض دول المنطقة، فإذا تراجعت قدرتها التنافسية في السوق الأميركية الضخمة التي تضم 15 مليون مركبة مقابل 1.5 مليون في الشرق الأوسط، تسعى هذه الشركات لإعادة توجيه صادراتها نحو أسواق أكثر انفتاحاً.. وهنا يبرز الشرق الأوسط كخيار مثالي.
ينطبق الأمر نفسه على الشركات الكورية.. ففي ظل قيود التجارة العالمية، تصبح المنافسة في دول الخليج أكثر حدة، ما يصب في مصلحة المستهلك ويخلق سوقاً تنافسية تتجاوز الجودة لتشمل حيثيات محورية أخرى مثل الأسعار والمعروض.
السيارات الفاخرة.. من قوائم الانتظار إلى التسليم الفوري؟
لطالما كانت الأسواق الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، هي الوجهة الأولى للنماذج الفاخرة الجديدة، لكن هذا الواقع بدأ يتغيّر.
تراجع الطلب على السيارات الفاخرة في أميركا نتيجة الرسوم الجمركية يعني أن المخزون قد يجد طريقه إلى أسواق الخليج، خاصةً الإمارات، حيث تمثّل السيارات الفاخرة نسبة 13% من السوق المحلية.
قد يضع هذا التحوّل حدّاً لمشكلات نقص الإمدادات ويقلّص فترات الانتظار، بل ربما يؤدي إلى تراجع الأسعار في قطاع السيارات الفاخر.
كلفة التصنيع في أميركا الشمالية
فرض الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك يُعقّد المشهد أكثر.. فعندما تفرض أميركا رسوماً على المكونات والقطع الكندية أو المكسيكية، ترتفع كلفة التصنيع لدى العلامات الأميركية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع أسعار السيارات المُنتجة في أمريكا الشمالية، ورغم أن هذه الزيادات لا تؤثّر مباشرة في الشرق الأوسط بسبب السياسات الجمركية الحرة، فإنها قد تجعل السيارات الأميركية أغلى ثمناً، ما يضعف قدرتها التنافسية مقارنة بالأوروبية أو اليابانية أو الكورية أو الصينية، بالنسبة للمستهلكين في الشرق الأوسط، هذا يعني أن العلامات الأميركية قد تشهد ارتفاعاً في الأسعار مع انتقال تكاليف الإنتاج عبر سلسلة التوريد.
وقد يؤدي هذا إلى تحول في تفضيلات الشراء لصالح الشركات غير الأميركية، ما يمنح الأفضلية للعلامات العالمية الأخرى العاملة في المنطقة.
الهيمنة الهادئة للصين
من بين جميع التحولات التي يشهدها قطاع السيارات العالمي، يعد التقدم السريع للعلامات الصينية في الشرق الأوسط أحد أبرز المؤشرات على إعادة تشكيل المشهد التنافسي، ففي غضون خمس سنوات فقط، ارتفعت الحصة السوقية للعلامات الصينية من أقل من 1% إلى أكثر من 20% في عام 2024، وهذا ليس مجرد رقم، بل هو مؤشر مهم، ونظراً لأن الأسواق الأميركية والأوروبية مغلقة أمام المصنعين الصينيين بسبب السياسات الوقائية والرسوم الجمركية، فقد توجه الصينيون شرقاً وجنوباً، إلى آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية، وبشكل أساسي إلى الشرق الأوسط، ومن خلال مصانع فائقة الحداثة ودورات تطوير نماذج جديدة للسيارات في غضون عامين إلى ثلاثة، مقارنة بست إلى سبع سنوات لدى المنافسين التقليديين، بالإضافة إلى استراتيجيات تسعير تنافسية، تُعيد العلامات الصينية رسم ملامح المشهد التنافسي، ومع غياب الرسوم الجمركية في المنطقة، تحظى العلامات الصينية بميزة تسعيرية واضحة تجعلها أكثر جاذبية للمستهلك.
التكلفة الخفية.. تحدٍ جديد لوكلاء السيارات
بينما يستفيد المستهلك، فإن الصورة أكثر تعقيداً بالنسبة لشركات السيارات الإقليمية؛ فالمنافسة المتزايدة وزيادة العرض وانخفاض الأسعار قد تضغط على هوامش أرباح الوكلاء واستدامة أعمالهم، وسيحتاج الوكلاء والموزعون إلى التكيف بسرعة والتركيز على الكفاءة والابتكار وخدمة ما بعد البيع المتميزة والتحول الرقمي، أمّا من يتمسك بالنماذج القديمة، فسيكون عرضة للزوال على يد القوى نفسها التي تفيد المستهلكين.
بالنسبة للمستهلكين في الشرق الأوسط، تفتح التحولات العالمية في قطاع السيارات نافذة فريدة من الفرص.
المزيد من الخيارات، أسعار أكثر تنافسية، وإمكانية أكبر للوصول إلى السيارات الفاخرة والتكنولوجيا المتقدمة، وكل ذلك بعيداً عن تداعيات التصعيد التجاري أو الرسوم الجمركية المتبادلة.
أمّا على مستوى قادة الصناعة، فتمثل هذه اللحظة فرصة لإعادة التموضع بذكاء، وباتت سياسات التجارة المنفتحة التي تنتهجها دول المنطقة محط أنظار المصنعين العالميين، لكن النجاح لن يتحقق إلا لمن يمتلك المرونة وسرعة الاستجابة والبصيرة الاستراتيجية الكافية للتعامل مع سوق تتسارع وتيرتها.
مستقبل السيارات في الشرق الأوسط لن يُرسم في واشنطن أو بروكسل أو بكين، بل سيتحدد في صالات العرض الموجودة في أبوظبي والرياض ودبي.
تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.