ضمن إعلان OpenAI عن نماذجها الجديدة –بالتحديد تلك التي تنتمي إلى سلسلة «O» التي صدرت مؤخراً– وضمن سياق عرض ميزتها المدهشة والمتطورة التي تزيدها سرعة وذكاء وتجعلها أكثر سلاسةً ولباقةً في الحوار، تمت الإشارة إلى تمتع هذه النماذج بقدرات تفكير عميق متقدمة تسمح لها بتوليد «أفكار جديدة»، بالرغم من إعجابي بباقي الميزات التي تم الإعلان عنها، لكن الأهم بالنسبة لي كان إشارتهم إلى بدء امتلاك الذكاء الاصطناعي القدرة على خلق «أفكار جديدة».
الحقيقة، في اللحظة التي تتجاوز فيها قدرات الذكاء الاصطناعي مهام الأتمتة التقليدية، لتمتلك قدرات استدلال متقدمة تُمكّنها من توليد أفكار وحلول مبتكرة جديدة كلياً -لم يسبق لها الاطلاع عليها من خلال بيانات تدريبها– فإننا أمام ثورة حقيقية وقفزة نوعية كبيرة إلى الأمام وليس مجرد تحديث تقني.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
ماذا تعني قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد "أفكار جديدة"؟
تاريخياً، عملت معظم نماذج الذكاء الاصطناعي كآلات حاسبة متطورة، تعتمد على التنبؤ بالنص بناءً على أنماط سبق دراستها، مع اكتشاف روابط منطقية أو إحصائية بين مكونات البيانات، لكنها نادراً ما كانت تتجاوز ما سبق أن اطلعت عليه أو تدربت عليه.
تاريخياً، وبشكل مبسط جداً، عملت معظم نماذج الذكاء الاصطناعي كآلات حاسبة متطورة للغاية، بحيث تكون قادرة على التنبؤ بنص الإجابات بناءً على أنماط سبق دراستها من التحليل العميقة لبيانات سابقة؛ حيث تكتشف نماذج الذكاء الاصطناعي خلال مرحلة تعلمها روابط (منطقية، وحسابية، وإحصائية) بين مختلف مكونات البيانات التي مرت عليها، لهذا، حتى وقت قريب جداً، معظم نماذج الذكاء الصناعي كانت نادراً تتجاوز ما رأته أو قرأته أو سمعت به سابقاً.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
مثلاً، لو سألنا نموذجاً تقليدياً عن كيفية تقليل الازدحام المروري دون الإضرار بالشركات المحلية، فسيعيد طرح حلول معروفة ومجربة سابقاً (سبق الإشارة إليها في المواد التي تدرب عليها الذكاء الاصطناعي) مثل وضع مسارات سريعة مدفوعة، وتحسين النقل الجماعي، أو تشجيع استخدام الدراجات... إلخ.
لكن بالمقابل، يُمكن للنماذج القادرة على «التفكير العميق» وتوليد «أفكار جديدة» فهم سياق السؤال والقصد منه بما يتجاوز الكلمات السطحية، ثم تحليل العناصر ذات العلاقة، ومحاكاة الآثار المترتبة، ووضع خطوات متسلسلة ومتكاملة لاستنتاج الحلول منطقياً، واستخدام أدوات متعددة وحتى نماذج ذكاء اصطناعي اختصاصية أخرى، وتقييم الإجابات التي يصل إليها، ثم يطورها حتى يصل إلى اقتراح حلول مبتكرة بناءً على فهم عميق للتفاصيل والتعامل مع مختلف أبعادها بشكل متكامل.
بامتلاك هذا النوع من التفكير، يكون الذكاء الاصطناعي أقرب إلى فريق خارق من «المستشارين الاستراتيجيين» منه إلى مجرد مجيب عن الاستفسارات من معلومات اطلع عليها سابقاً.
تحقيق هذا المستوى من التفكير المتقدم يعني أن نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة لم تعد تتبع القواعد وتعتمد على ما تحفظه فحسب، بل يمكنها الربط بين عناصر مختلفة، وتقييم احتمالات متعددة، والتفكير النقدي، والجمع بين سرعتها الكبيرة في إجراء مليارات العمليات التي تتفاعل بشكل ديناميكي، وكمية المعرفة المهولة التي تختزنها.
خطوة كبيرة إلى الأمام؟
مع بدء امتلاك الذكاء الاصطناعي القدرة على خلق الأفكار الجديدة، نحن لم نعد نتحدث عن كاتب محتوى أو معالج بيانات أفضل، نحن نتحدث عن استشاري مبدع فائق القدرات يمكنه التفكير جنباً إلى جنب مع البشر، وليس مجرد التنفيذ نيابةً عنهم، بفضل هذه القدرات، يمكن للشركات أن تواجه تحدياتها برؤى جديدة مبتكرة، وتصمم منتجات وخدمات غير مسبوقة، وتكتشف فرصاً غير مستغلة متجاوزة ما قد تتوصل إليه الفرق البشرية بمفردها.
المزيج السحري للنجاح.. البنية التحتية، المعرفة، والقدرة على التطوير
تشغيل هذه النماذج –خاصة في الطلبات المعقدة- يتطلب قدراً كبيراً من قوة المعالجة، لهذا استثمار المؤسسات والدول في امتلاك مراكز البيانات اللازمة لهذه العقول الالكترونية، وامتلاك العدد الكافي من بطاقات الشاشة القادرة على تشغيل مليارات العمليات المعقدة، ستكون متطلب نجاح استراتيجي أساسياً.
أيضاً، فالصياغة الدقيقة لتعليمات الطلبات (Prompt Engineering) والحوار الاحترافي مع الذكاء الاصطناعي من مفاتيح الوصول إلى نتائج مثالية، فإدارة هذه العقول الإلكترونية العملاقة أكثر تعقيداً من مجرد كتابة عبارات عامة أو غامضة، بل تتطلب توفير تفاصيل واضحة وأساليب تواصل دقيقة تمكن الذكاء الاصطناعي من تقديم أفضل ما لديه.
القدرة على التأكد من صحة إجابة الذكاء الاصطناعي، وتطويرها، هي أيضاً عامل نجاح أساسي، فهذه الأدوات السحرية بالرغم من قدراتها الاستثنائية المدهشة، يجب امتلاك القدرة الكاملة على التأكد مما تقدمه لنا، وتقييمه، وتطويره.
شركاء تفكير بمقدرات استثنائية
إن وصف امتلاك الذكاء الاصطناعي القدرة على «التفكير العميق» وتوليد «أفكار جديدة» بأنه «تحديث تقني صغير» أشبه بالقول إن الإنترنت هي مجرد جهاز فاكس أسرع، الحقيقة أننا ندخل عصراً جديداً يصبح فيه الإبداع والابتكار نشاطاً مشتركاً بين البشر والذكاء الاصطناعي، ونكون فيه معاً شركاء فعليين في التفكير.
عملنا معاً مع هذه العقول الخارقة سيعيد تعريف الابتكار في عالم الأعمال، وسيمكننا من أن نخطو خطوات كبيرة متسارعة إلى الأمام، وتطوير حلول مبتكرة فعالة تعيد رسم مستقبل كوكبنا، حيث سيكون الابتكار المدعوم بالذكاء الاصطناعي هو المحرك الرئيسي للنجاح والازدهار في عالم سريع التعقيد والتغير؛ والدول، والمؤسسات، والشركات التي توظف هذه القدرات المتقدمة سيكون لها السبق في اكتساب ميزة تنافسية استثنائية.
تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.