يُعدّ السكن أحد الركائز الأساسية في حياة الإنسان، ليس فقط بوصفه مأوى بل كعنصر أساسي للاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي، ومن هنا تولي الحكومات والمنظمات حول العالم أولوية كبرى لتوفير حلول سكنية مستدامة تُلبّي احتياجات الأفراد وتواكب تطور المجتمعات.
في المملكة العربية السعودية، تحوّل هذا التوجه إلى واقع ملموس تعيشه اليوم آلاف الأسر، بفضل مشروع الإسكان التنموي الذي أطلقته مؤسسة الوليد للإنسانية، بالشراكة مع وزارة البلديات والإسكان ومؤسسة الإسكان التنموي (سكن)، وقد شهد قطاع الإسكان في المملكة العربية السعودية نقلةً نوعيةً مدفوعَةً برؤية وطنية طموحة تهدف لرفع نسبة التملّك السكني إلى 70% بحلول عام 2030، وقد تجلّى هذا الحراك في إقبالٍ متزايد على تملك المنازل، ما يعكس تحوّلاً في تطلعات الأفراد وارتفاعاً في الوعي بقيمة الاستقرار السكني باعتباره عاملاً أساسياً في جودة الحياة.
ووفقاً لتقرير شركة "نايت فرانك" لعام 2025، فإن 72% من المواطنين والمقيمين يخططون لشراء منزل، ما يشير إلى طلب متزايد على السكن، يواكب النمو السكاني والاقتصادي المستمر، ومع هذا الزخم، يبرز سؤال جوهري: كيف يمكن ضمان أن يكون هذا التقدم شاملاً ويصل إلى الأسر ذات الدخل المحدود التي تواجه تحديات في تحقيق حلم التملّك؟
في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار الاجتماعي ودعم الفئات الأكثر حاجةً، يهدف المشروع إلى تمكين الأسر منخفضة الدخل من تملّك مسكن مناسب، والحصول على وسيلة تنقّل تساعدهم في تلبية احتياجاتهم اليومية وتوسيع آفاقهم الاقتصادية.
تشير البيانات إلى أن تملّك المساكن يرتبط بشكل مباشر بمستوى الدخل؛ إذ تصل النسبة إلى 68% بين أصحاب الدخل المرتفع، وتنخفض إلى 44% لمن يقل دخلهم عن 30 ألف ريال شهرياً، يسلّط هذا التفاوت الضوء على فجوة قائمة تستدعي حلولاً موجهة، تأخذ في الحسبان طبيعة التحديات التي تواجهها الأسر ذات الموارد المحدودة، ومن هنا تبرز أهمية المبادرة بوصفها استجابةً عمليةً لواقع ملموس.
يأتي هذا المشروع امتداداً لرؤية صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال التي تعود إلى أكثر من خمسٍ وأربعين عاماً منذ بداية مسيرة المؤسسة، وتقوم على قناعة راسخة بأن التمكين يبدأ بتوفير مقومات الاستقرار الأساسية، ويبرز هذا التوجه جليّاً في مختلف مشاريع المؤسسة التي تضع تمكين الأفراد والأسر في صلب التنمية، فامتلاك السكن لا يُعدّ مجرد احتياج مادي، بل إنه عامل جوهري يحدد قدرة الأسرة على التخطيط والتعليم والعمل والمشاركة الفاعلة في مسار التنمية، فتوفر مسكن لائق يعني توفير بيئة مستقرة تمكّن الأفراد من بناء حياتهم بثقة، وتقلّل من الضغوط التي تعوق تقدمهم وتحدّ من خياراتهم.
تهدف المبادرة إلى دعم عشرة آلاف أسرة في مختلف مدن المملكة، من خلال توفير 10,000 وحدة سكنية و10,000 سيارة خلال فترة تنفيذ تمتد إلى خمسة أعوام قابلة للتمديد مدة مماثلة، وبحلول نهاية عام 2024، تم تسليم 1,000 وحدة سكنية وأكثر من 560 سيارة، وتواصل الفرق الميدانية عملها للوصول إلى العدد الكامل من المستفيدين، بما يضمن تحقيق الأثر المنشود وتعزيز الاستقرار المعيشي لآلاف المواطنين والمواطنات في مختلف أنحاء المملكة، وبلغ عدد المستفيدين الإجمالي من المشروع حتى الآن 70,000 مستفيد من مشروع الإسكان و50,000 مستفيد من مشروع السيارات.
تنطلق هذه المبادرة من توجه أوسع تتبناه مؤسسة الوليد للإنسانية، التي تعمل منذ أكثر من 45 عاماً على تمكين الأفراد والمجتمعات من خلال حلول مستدامة تستجيب للواقع وتدعم فرص التغيير طويل الأمد، بعيداً عن الحلول المؤقتة، وتأتي ضمن مجموعة من المشاريع التي تشمل تطوير المجتمعات وبناء بيئة أكثر صحة وتمكين النساء والشباب وتعزيز الثقافة في إطار رؤية متكاملة تسعى إلى إحداث أثر فعلي على حياة الناس، وتعكس التزام المؤسسة بدعم التنمية الشاملة في المملكة وخارجها.
يمثل هذا المشروع نموذجاً فعّالاً للتكامل بين القطاعات في تحقيق الأولويات الوطنية، حيث يتقاطع فيه دور المؤسسات الحكومية مع مساهمة القطاع الخاص وخبرة المؤسسات في القطاع غير الربحي، ويعتمد هذا التعاون على آلية تنفيذ مرنة تتيح الوصول إلى فئات متنوعة في مختلف المناطق، وبتوافق تام مع تطلعات رؤية المملكة 2030، يبرز هذا النهج التشاركي كأحد الأدوات الجوهرية لدفع عجلة التنمية وتوسيع نطاق الأثر، من خلال توحيد الجهود وتوظيف القدرات بشكل منسّق، كما يُعدّ هذا المشروع نموذجاً يمكن أن يُحتذى به في الدول الأخرى، حيث تسعى الحكومات لإيجاد حلول مستدامة لأزمات السكن والتنمية الاجتماعية، بعيداً عن الأساليب التقليدية قصيرة الأمد.
وإننا في مؤسسة الوليد للإنسانية نؤمن بقيمة التعاون، ونعمل مع شركاء محليين ودوليين من أجل بناء مجتمعات أكثر عدالة، فالمشاريع التنموية التي تركز على الإسكان والتمكين الاقتصادي قد أثبتت قدرتها على دعم الاستقرار وتعزيز الإنتاجية، ومن هذا المنطلق نرى أن مواصلة العمل المشترك بين القطاع العام والخاص ومؤسسات القطاع غير الربحي ضروري لضمان الاستمرارية وتوسيع نطاق الفائدة، ونلتزم بمواصلة دعم المشاريع التي تترجم مبادئ الكرامة والمساواة إلى واقع عملي يلمسه الأفراد ونطمح إلى أن يرى كل مواطن ومواطنة في المملكة مستقبلاً يبدأ من بيت مستقر، ويقوده نحو حياة منتجة، كريمة، ومليئة بالإمكانات.
تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.