من الركود إلى الانطلاق.. البورصة المصرية تتألق كنموذج استثماري واعد

من الركود إلى الانطلاق.. البورصة المصرية تتألق كنموذج استثماري واعد
محمود عطا clock

محمود عطا

مستشار مالي - المدير التنفيذي لشركة الصك لتداول الأوراق المالية

في زمن يشهد فيه الاقتصاد العالمي حالة من الحذر وشح السيولة، تبرز البورصة المصرية كاستثناء لافت، مُعلنةً عن نفسها كقوة استثمارية صاعدة في قلب الشرق الأوسط وإفريقيا، مع انتهاء النصف الأول من عام 2025، لم تكتفِ السوق المصرية بتحقيق مكاسب قوية فحسب، بل رسخت موقعها المتقدم كـثالث أفضل أداء إقليمي بعد بورصتي الكويت ودبي، هذا المشهد يعيد رسم خريطة الجاذبية الاستثمارية بالمنطقة ويلقي الضوء على تحول استراتيجي في مسار الأسواق الناشئة.

 تقدم لافت 

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

كشفت نتائج النصف الأول عن تباين صارخ في أداء بورصات الشرق الأوسط، تصدرت الكويت (+17.2%) ودبي (+10.6%) المكاسب، مدعومتين بالطروحات العقارية، تلتهما البورصة المصرية بنسبة نمو بلغت +10.5%، هذا الأداء المتميز وضع القاهرة في صدارة الأسواق الكبرى مثل أبوظبي (+5.72%) وقطر (+1.69%).

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

 في المقابل، تراجعت السوق السعودية بشدة (–7.56%) مسجلةً أسوأ أداء إقليمي، إلى جانب انخفاضات ملحوظة في البحرين (–2.12%) ومسقط (–1.73%)، هذا الترتيب يعكس تحولاً نوعياً في نظرة المستثمرين؛ فقد بدأت القاهرة تجذب أنظار المحافظ الأجنبية والمؤسسات الإقليمية، في وقت تنكمش فيه جاذبية بعض البورصات الخليجية نتيجة تباطؤ النمو وغياب المحفزات.

معادلة جاذبية

لم يكن الزخم في البورصة المصرية مدفوعاً بمضاربات عاطفية، بل استند إلى أسس هيكلية صلبة تعزز من قابلية السوق للنمو المستدام، في مقدمتها التقييمات الجاذبة، فبينما تعاني العديد من الأسواق الخليجية من تضخم مضاعفات الربحية، لا تزال الشركات المصرية تتداول عند مستويات مغرية تقل كثيراً عن نظيراتها في الأسواق الناشئة.

هذا التقييم المنخفض، المدعوم بنتائج مالية قوية خلال الربع الثاني، يمنح الأسهم المصرية هامش أمان نادراً ما تجده في بيئة الأسواق الحالية المتقلبة. 

تنوع استراتيجي  

يتفرد السوق المصري بتنوع قطاعي واسع يشمل البنوك، الاتصالات، الصناعة، الطاقة، والرعاية الصحية، ما يتيح فرصاً أوسع لتنويع المحافظ وتقليل المخاطر، تزداد هذه الميزة أهمية في وقت تتسم فيه بعض الأسواق الخليجية بالاعتماد على قطاعات ريعية أو محدودة.

إلى جانب ذلك، يمنح الموقع الجغرافي الفريد لمصر -كحلقة وصل بين إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا- الشركات المدرجة فيها ميزة تنافسية توسعية يصعب تكرارها، ويجعل من البورصة بوابة محتملة لتمويل النمو الإقليمي.

تشريعات محفزة 

من أبرز عوامل التحول في المزاج الاستثماري إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية، وهو إجراء طال انتظاره وأزال أحد أكبر عوائق السيولة الأجنبية. بالتزامن، تبنى البنك المركزي المصري سياسة أكثر توازنًا، ما أدى إلى استقرار سعر الصرف وجذب تدفقات أجنبية ارتفعت على إثرها ملكية الأجانب في السوق إلى نحو 4.9%.

وترجح التقديرات عودة دورة التيسير النقدي قبل نهاية 2025، في وقت بدأت فيه معدلات التضخم بالتباطؤ، ما يجعل الأسهم المصرية أكثر جاذبية مقارنة بأدوات الدين والعقارات. 

 في ظل المعطيات الحالية، تتربع الأسهم المصرية على عرش الأدوات الاستثمارية، متجاوزةً منافسيها التقليديين: 

لماذا تتفوق؟

أمام الذهب: على الرغم من محافظة الذهب على مستوى يفوق 3300 دولار، فإن استقرار أسعاره وانحسار حدة التوترات الجيوسياسية يحدان من فرص تحقيق مكاسب كبيرة، في المقابل تُعد الأسهم مدعومة بنمو فعلي في الأرباح والتشغيل، ما يجعلها خياراً استثمارياً ذا قيمة مضافة أكبر في المدى المنظور.

أمام العقارات: تظل العقارات أقل سيولة وأبطأ في تحقيق العوائد، بينما تتيح الأسهم مرونة فورية وخيارات استثمارية واسعة، إلى جانب قدرتها على تحقيق أرباح سريعة في بيئة سوقية صاعدة، ما يمنح المستثمرين فرصة للاستفادة الفورية من تحركات السوق.

أمام أدوات الدين: مع توقعات خفض أسعار الفائدة، تصبح العوائد الثابتة لأدوات الدين أقل جاذبية، هنا تتفوق الأسهم التي ترتبط قيمتها بشكل مباشر بإنتاجية الاقتصاد وأداء الشركات، ما يوفر إمكانات نمو أكبر تتجاوز العوائد المحددة مسبقاً لأدوات الدين.

ما تشهده البورصة المصرية في عام 2025 ليس مجرد صحوة مؤقتة، بل إعادة تموضع شاملة تعكس تحسناً في جودة البيئة الاقتصادية ومتانة الإصلاحات، وبينما تتراجع شهية المخاطرة في أسواق الخليج، وتعيد الصناديق الدولية حساباتها الجغرافية، تبدو القاهرة وكأنها تفتح فصلاً جديداً في علاقتها مع رأس المال العالمي.

إعادة النظر

إنه الوقت المناسب لإعادة النظر... فالسوق المصرية لم تعد مجرد سوق ناشئة، بل منصة ناضجة للنمو، وقوة استثمارية تعيد تعريف موازين المنطقة.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.