توفي ستة عمال مهاجرين لاتينيين في أثناء العمل على جسر فرانسيس سكوت كي في بالتيمور الأسبوع الماضي، وعندما تبدأ عملية إعادة بنائه، المزيد من المهاجرين اللاتينيين سينضمون إلى الجهود المبذولة لإعادة فتح شريان النقل الحيوي.

يشكّل العمال اللاتينيون نحو ثلث صناعة البناء في أميركا، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل الأميركي، وهو تمثيل مرتفع للغاية بالنظر إلى أنهم يشكّلون 19% فقط من إجمالي السكان الأميركيين و17.6% من القوى العاملة، أكثر من ثلثي عمال البناء من أصل إسباني في أميركا ولدوا في الخارج.

بالنسبة للملايين من المهاجرين اللاتينيين الجُدد إلى الولايات المتحدة، فإن الحصول على وظائف البناء أسلس من قطاعات أخرى، كما أن الفرص المتاحة وفيرة، ووظائف البناء المستقرة يمكن أن تسمح أيضاً بمسارات واضحة للترقيات.

وقال عامل البناء رينالدو كوينتيرو لشبكة CNN، «نحن لسنا هنا فقط لنحاول تغيير حياتنا وتحقيق أهدافنا وأحلامنا، بل ندعم ونساعد أيضاً كل شخص تركناه وراءنا في بلداننا، فنحن من يتصل بنا الناس عندما يمرضون، وعندما لا يستطيعون شراء الطعام».

ولهذا السبب، بدءاً من الاستجابة الفورية للكوارث مثل إعصار كاترينا في لويزيانا وإعصار إيان في فلوريدا وحتى إعادة الإعمار على المدى الطويل، يتدفق العمال المهاجرون اللاتينيون للمساعدة على إعادة بناء المجتمعات.. يؤدي هؤلاء العمال مجموعة متنوعة من الوظائف في أنحاء البلاد كافة، بين جمع أكوام من الحطام من المنازل التي غمرتها المياه، وهدم الحوائط الجافة المتعفنة، وإعادة بناء الشوارع والمساكن، وإصلاح الأسلاك الكهربائية المعيبة، وعندما يحين الوقت، من المحتمل أن يساعدوا على إعادة بناء الجسر الرئيسي.

يمثّل العمال الآتون من المكسيك وغواتيمالا والسلفادور وهندوراس، ما أصبح وجه البناء في الولايات المتحدة، وهي مهنة أصبحت لا تحظى بشعبية بين العديد من الأميركيين، غالباً ما يؤدي العمال المولودون في الخارج، الذين يتوقون إلى الحصول على وظائف، أعمالاً خطيرة ولكنها حاسمة، فيبنون كل شيء من الطرق والجسور إلى المنازل وناطحات السحاب.

ويقول خبراء صناعة البناء إن الولايات المتحدة تحتاج إلى السماح لمزيد من المهاجرين الشرعيين بالدخول لسد فجوة العمالة، لكن المعابر الحدودية غير الشرعية والهجرة أصبحت قضية سياسية ساخنة خلال عام الانتخابات، الأمر الذي أدّى إلى تحول المشاعر والسياسات ضد الهجرة القانونية التي تشتد الحاجة إليها.

فعدد العمال المهرة آخذ في الشيخوخة، ويقول الخبراء في صناعة البناء والتشييد إن الشباب يُدفعون إلى إعطاء الأولوية للدراسة الجامعية، ما يؤدي إلى نقص العمال.

وفي حين يلبي العمال المولودون في الخارج حاجة مُلحة في صناعة البناء والتشييد، فإنهم غالباً ما يواجهون الاستغلال وارتفاع معدلات الوفاة في أثناء العمل.

عاملون لاتينيون لقوا حتفهم في حادث جسر بالتيمور.

العمل دون شبكات تأمين

بالنسبة للعمال الذين يتقاضون أجورهم لإعادة بناء الجسر، ستكون المهمة مرهقة وخطيرة.

قال ساكيت سوني، المدير التنفيذي لمنظمة رزيلينس فورس، وهي مجموعة تُسلّط الضوء على عمل العمال المهاجرين بعد وقوع الكوارث الطبيعية، إن أطقم البناء التي من المحتمل أن تعمل على إصلاح الجسر هذا الصيف «ستقوم بذلك في درجات حرارة قياسية وفي ظل ظروف خطرة.. وعندما تكتمل المهمة، لن يحصلوا على التقدير الذي يستحقونه».

لا تشارك رزيلينس فورس في المناقشات المتعلقة بإصلاح جسر فرانسيس سكوت كي.

وارتفعت الوفيات المرتبطة بالعمل بين العمال من أصل إسباني أو لاتيني المولودين في الخارج إلى أعلى مستوى لها عام 2021، وفقاً لأحدث بيانات مكتب إحصاءات العمل، و14 بالمائة من جميع الوفيات المرتبطة بالعمل عام 2021 كانت من العمال ذوي الأصل الإسباني أو اللاتيني المولودين في الخارج، وكان معظمهم يعملون في البناء.

وقالت سوني إنه لا توجد حماية كافية لهؤلاء العمال، عندما يبلغون عن سوء المعاملة -مثل العمل دون تزويدهم بمعدات السلامة المناسبة- يمكن للمقاولين الانتقام منهم بالطرد، بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يكون هؤلاء العمال دون شبكة تأمين للرعاية الصحية أو عقد نقابي.

وقال كوينتيرو، وهو عامل بناء وعضو في منظمة رزيلينس فورس، «في بعض الأحيان، تكون أجورنا معرضة للخطر لأنه لا توجد دائماً قوانين ولوائح معمول بها لحماية أرباحنا أو ضمان سلامتنا».

وفيات مرتفعة في نيويورك

مدينة نيويورك هي واحدة من البلديات القليلة التي تتطلب تدريباً صارماً على السلامة للعمال الذين يتطلعون إلى دخول صناعة البناء والتشييد، وعلى الرغم من المتطلبات الصارمة، فإن عدد الوفيات المرتبطة بالبناء لا يزال مرتفعاً بشكلٍ مطّرد في المدينة.

وجد تقرير حديث صادر عن لجنة نيويورك للسلامة والصحة المهنية أن 24 عامل بناء لقوا حتفهم في مدينة نيويورك عام 2022 بزيادة قدرها 20% مقارنة بالعام السابق، ووجد التقرير أن «أعمال البناء مميتة بشكلٍ خاص بالنسبة للعمال اللاتينيين الذين يشكّلون عُشر القوى العاملة فقط، ولكنهم يشكّلون ربع الوفيات في أثناء العمل»، ما يشير إلى أن هؤلاء العمال يقومون بالأعمال الخطرة، كما تظهر تقارير الوكالة «باستمرار» أن العمال اللاتينيين و/ أو المهاجرين أقل عرضة للإبلاغ عن انتهاكات صحة وسلامة أصحاب العمل.

وعلى الرغم من معايير السلامة الصناعية في مدينة نيويورك، أشار التقرير إلى انخفاض عمليات التفتيش وإنفاذ الوكالات مع زيادة الوفيات.

وتواصلت CNN مع وزارة العمل بولاية نيويورك للتعليق، لكنها لم تتلقَّ أي رد، ولم تُميّز الإحصائيات بين اللاتينيين المولودين في الخارج واللاتينيين المولودين في الولايات المتحدة.

لا يقتصر الأمر على العمال الذين يقومون بمشاريع الاستجابة الأكبر للكوارث، مثل الجسور أو غيرها من البنية التحتية الرئيسية أيضاً، فالعمال في المساكن الصغيرة والمشاريع التجارية الصغيرة معرضون للخطر أيضاً.

وقال شون ماكغارفي، رئيس نقابات عمال البناء في أميركا الشمالية، وهي منظمة تمثّل ثلاثة ملايين عامل في أنحاء الولايات المتحدة وكندا كافة، «الأجور فظيعة ومتطلبات السلامة تكاد تكون معدومة، لأنهم يقولون لنا «قم ببنائها بأسرع ما يمكن واكسب أكبر قدر ممكن من المال».

وقالت ليجيا جوالبا، المديرة التنفيذية لمشروع عدالة العمال، وهي مجموعة مقرها نيويورك تساعد المهاجرين في الحصول على تصريح عمل، إن بناء المساكن آخذ في الارتفاع في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء.

وأضافت، «لكن ما رأيناه هو أن العديد من هذه الوظائف تتحول إلى وظائف غير نقابية، وأن المزيد والمزيد من هذه الوظائف يقوم بها مطورون يرغبون في خفض تكاليف العمالة عن طريق توظيف العمال الأكثر ضعفاً وهذا يعني توظيف العمال دون تدريب، من خلال دفع أجور زهيدة لهم، وحتى اللجوء إلى تصنيفهم كمقاولين مستقلين».

العمال مستاؤون

خلال السنوات السبع التي قضاها كوينتيرو في الولايات المتحدة منذ مغادرته فنزويلا، قام بزراعة الأشجار، وتنظيف مناطق الفيضانات، وإعادة بناء المنازل.. إنه يتنقل عبر البلاد ويسافر إلى حيث هناك حاجة إلى عمل عاجل.

يرى كوينتيرو نفسه في ضحايا انهيار جسر فرانسيس سكوت كي.

وقال كوينتيرو عن انهيار الجسر، «ما لا شك فيه أن أول ما خطر في ذهني هو أنه من الممكن أن يكون أي واحد منا».

في حين أن التدريب والحماية لم يكن من الممكن أن يمنع وفاة العمال على جسر بالتيمور، إلّا أن كوينتيرو قال إن المأساة كانت بمثابة تذكير بالمخاطر الهائلة التي يواجهها بعض عمال البناء المهاجرين كل يوم، وهم يتجهون لأداء وظائف خطيرة ولكنها أساسية.

وقال، «أود أن أقول لأي شخص عامل سينتهي به الأمر بالعمل على جسر جديد أو موجود الآن إننا في بعض الأحيان نريد أن نعطي كل ما لدينا، ولكن في بعض الأحيان يتعين علينا أن نتوقف لنحب أنفسنا ونحمي أنفسنا أكثر وعلينا أن نضمن سلامتنا عندما لا يفعل ذلك الآخرون، لأننا نعني شيئًا لعائلاتنا وأحبائنا، حتى لو كنا لا نعني الكثير للأشخاص الذين يوظفوننا».

سباق لتلبية الطلب

ومع استمرار الطلب على عمال البناء القانونيين في تجاوز العرض في المدن الكبرى، فإن مجموعات مجتمعية صغيرة مثل مشروع عدالة العمال -الذي يستجيب للزيادة الأخيرة في عدد المهاجرين الوافدين إلى نيويورك- تتسابق لتلبية الحاجة.

وقالت مجموعة غوالبا التي تقدّم دورات تدريبية وشهادات مجانية في مجال إدارة السلامة والصحة المهنية، إن المهاجرين المؤهلين والذين حصلوا على تصريح عمل يتوقون إلى دخول سوق العمل ولكنهم غير قادرين على القيام بذلك دون الشهادات المناسبة.

«في كل شهر، يكون الحد الأقصى للمساحة في كل تدريب هو 40 شخصاً. لكن كل شهر نسجّل ما لا يقل عن 500 شخص ولا يمكننا توفير مساحة لهم».

خلال التدريب الأخير، قالت المجموعة إن الحادث المميت الذي وقع في بالتيمور كان موضوعاً للمناقشة حيث انتقل العمال المستقبليون خلال ساعات تدريبهم على أمل الحصول على وظيفة.

أول المستجيبين لأزمة المناخ

وقال سوني إنه كلما حدث إعصار أو حرائق غابات، يكون العمال المهاجرون في الخطوط الأمامية للتعافي وإعادة البناء، فعمل معظم العاملين في شركة رزيلينس فورس في أكثر من اثنتي عشرة كارثة طبيعية، خاصة مع تزايد وتيرة هذه الأحداث بسبب تغيّر المناخ.

يمكن للكوارث أن تغير نسيج المجتمع بالفعل، فبعد أن دمر إعصار كاترينا نيو أورليانز عام 2005، وصل آلاف المهاجرين المكسيكيين للمساعدة على إصلاح البنية التحتية للمدينة والعمل في ظروف مكشوفة وخطيرة، ويميل هؤلاء العمال أنفسهم إلى متابعة كارثة إلى أخرى، وغالباً ما ينتهي بهم المطاف في أماكن مثل تكساس أو نورث كارولينا أو فلوريدا.

بين عامي 2000 و2010، تضاعف عدد السكان المكسيكيين في نيو أورليانز تقريباً إلى ما يقرب من 15 ألف شخص، وفقاً لمجموعة نيو أورليانز التاريخية، التي ربطت هذه الزيادة مباشرة بالعمال المكسيكيين الذين وصلوا لإعادة بناء المدينة بعد إعصار كاترينا.

المشكلات والمخاطر التي يواجهها العمال المهاجرون اليوم ليست جديدة؛ وصف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز عام 2005 المخيمات المؤقتة التي عاش فيها عمال ما بعد إعصار كاترينا، وقاموا بأقذر أعمال التنظيف مقابل أقل الأجور، ومواجهة العداء من البعض في المجتمع بسبب توليهم هذه الوظائف.

وقال سوني: «هذه هي المفارقة الأميركية الكبرى في الوقت الحالي».

واليوم، هناك حاجة إلى هؤلاء العمال أكثر من أي وقتٍ مضى في الولايات التي تعاني من الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير التي ضربت فلوريدا، لكن في حين أن أصحاب المنازل في حاجة ماسة إلى عمال لإعادة البناء، فإن موقف حاكم الولاية رون ديسانتيس المتشدد بشأن الهجرة في فلوريدا يردع العمال، ما يمنع التعافي السريع في الأماكن المتضررة من الإعصار مثل فورت مايرز وبنما سيتي، على حد قول سوني.