إذا كانت هناك شركة طيران واحدة لا تغيب عن عناوين الأخبار، فهي بلا شك «بوينغ»، من اضطرابات في الإنتاج إلى فضائح تنظيمية، وها هي اليوم مجدداً في خضم معركة جديدة، لكن هذه المرة على جبهتين؛ تصعيد تجاري مع الصين، وضغوط سياسية من روسيا، وسط مساعٍ استراتيجية لإعادة ترتيب أوراقها المالية، وبينما تتقلب المعادلات الدولية، تحاول بوينغ الصمود في سوق لم يعد يحتمل التردد.
التوترات التجارية مع الصين وتأثيرها على بوينغ
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
في أبريل نيسان 2025، أمرت الحكومة الصينية شركات الطيران المحلية بوقف استلام طائرات بوينغ وقطع الغيار الأميركية، رداً على فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية وصلت إلى 245% على بعض الواردات الصينية، النتيجة؟ نحو 10 طائرات بوينغ 737 ماكس كانت مخصصة لشركات صينية أُعيدت، من بينها طائرة أقلعت من تشوشان باتجاه شركة Xiamen Airlines وعادت إلى سياتل فارغة.
هذا القرار شكّل ضربة قوية لبوينغ، خصوصاً أن السوق الصيني يمثّل نحو 15 بالمئة من الطلب العالمي على الطيران، ويُعدّ من الأسواق الأكثر نمواً في القطاع.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
منافسة شرسة في السوق الصيني
في الخلفية، تزداد المنافسة على السوق الصيني، فبينما توسّع «إيرباص» وجودها من خلال مصنع تجميع جديد، تدفع بكين نحو الاستقلال عبر دعم طائرتها الوطنية C919 التي أطلقتها شركة COMAC، هذه الطائرة دخلت السوق فعلياً منذ 2023، وتجاوز عدد طلبياتها 200 حتى الآن.
كل ذلك يزيد الضغط على بوينغ، التي لم تعد تتعامل فقط مع منافسين تجاريين، بل مع أجندات حكومية واستراتيجيات قومية.
العرض الروسي المشروط واستخدام الأموال المجمدة
في مشهد لا يقل تعقيداً، اقترحت روسيا استخدام جزء من أموالها المجمدة في الولايات المتحدة، والمقدّرة بـ280 مليار دولار، لشراء طائرات بوينغ كجزء من صفقة سياسية محتملة لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، رغم أن العرض لم يكن صريحاً، فإن الرسائل كانت واضحة: الطائرات مقابل تهدئة.
لكن تنفيذ هذا الطرح يصطدم بعقبات قانونية وسياسية، أبرزها رفض الاتحاد الأوروبي الذي يمنع حالياً عبور الطيران الروسي إلى الأسواق الغربية من دون موافقة مسبقة، ما يجعل الصفقة شبه مستحيلة في الظروف الحالية.
خسائر متتالية وأداء مالي مقلق
التداعيات ظهرت سريعاً على أداء الشركة، فخلال أسبوع واحد فقط من أبريل، تراجعت القيمة السوقية لبوينغ بنسبة 7 بالمئة.
أما على صعيد النتائج المالية، فقد سجّلت الشركة خسارة صافية قدرها 550 مليون دولار في الربع الأول من 2025، مقابل إيرادات بلغت 15.24 مليار دولار، وهي دون التوقعات التي وصلت إلى 19.49 مليار دولار، بوينغ تعاني من ضغوط مزدوجة: تباطؤ الطلب، وتزايد التعقيدات الجيوسياسية.
بيع أصول رقمية لتعزيز المركز المالي
بعد سنة من التقلبات والأخبار السيئة، وفي محاولة لتخفيف الضغوط على الشركة، أعلنت بوينغ بيع أجزاء من وحدة الحلول الرقمية للطيران، بما في ذلك Jeppesen وForeFlight وAerData وOzRunways، لشركة الاستثمار Thoma Bravo مقابل 10.55 مليار دولار نقداً، الصفقة تشمل نحو 3,900 موظف وتسمح لبوينغ بالتركيز على أعمالها الأساسية، مثل تصنيع الطائرات التجارية والدفاعية، إضافة إلى صيانة الأسطول وتحليلات البيانات.
Thoma Bravo تخطط لتشغيل الأصول المشتراة ككيان مستقل، مع التركيز على الابتكار الرقمي في قطاع الطيران.
بوينغ اليوم تقف عند مفترق طرق حقيقي، بين تعقيدات السياسة الدولية وتحوّلات السوق ومشكلاتها التشغيلية، تبدو محاولات الإنقاذ —كبيع الأصول الرقمية— ضرورية لكنها غير كافية، النجاح في تخطي هذه المرحلة يتطلب أكثر من مجرد إعادة هيكلة مالية؛ يتطلب رؤية جديدة تعيد الثقة إلى السوق وتحفظ مكانة الشركة في صناعة تتغير أسرع من أي وقت مضى.
تعكس التطورات الأخيرة المحيطة بشركة بوينغ التداخل المعقّد بين التجارة الدولية والسياسة، في وقت يشهد قطاع الطيران تحديات متزايدة على المستويين الجيوسياسي والاقتصادي.
تعليق التسليمات إلى الصين، والمقترحات الروسية بشأن استخدام الأصول المجمدة، إلى جانب خطوة بيع الأصول الرقمية، كلها عناصر تشير إلى واقع متغير تتعامل معه الشركة ضمن سياق أوسع من إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية والتحولات في مراكز النفوذ الصناعي.