تبدأ منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع جمعيتها العامة السنوية في جنيف وسط حالة من عدم اليقين، بعد أن شرع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إجراءات انسحاب بلاده من المنظمة منذ يومه الأول في ولايته الجديدة. الاجتماعات التي تضم مئات المسؤولين والدبلوماسيين والممولين، ستتركز هذا العام على كيفية التكيّف مع غياب المساهم الرئيسي في التمويل، وهو ما سيترك فجوة مالية تُقدّر بنحو 600 مليون دولار خلال العام الحالي، وخفضاً بنسبة 21 في المئة في ميزانية العامين المقبلين.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
تقليص مكاتب في الدول الغنية
أكد دانيال ثورنتون، مدير تنسيق تعبئة الموارد في المنظمة، أن الأولوية الآن هي «التركيز على المهام ذات القيمة الأعلى».
وتشير عروض داخلية إلى أن المنظمة ستُبقي على أنشطتها الأساسية في اعتماد الأدوية الجديدة، ومكافحة الأمراض المعدية، وتقديم الإرشادات الصحية للدول، بينما قد يتم إغلاق مكاتب في الدول الغنية، وإيقاف برامج تدريبية، بحسب رويترز.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
مغادرة أميركية مؤجلة.. لكن الاستعدادات بدأت
رغم أن القانون الأميركي يفرض فترة انتظار تمتد عاماً كاملاً قبل الانسحاب الرسمي، فإن تأثير قرار ترامب بدا فورياً داخل المنظمة.
فقد بدأت بالفعل عمليات تقليص الميزانيات، وخفض عدد الإداريين، وطلب التطوع من الموظفين دون مقابل لتنظيم الفعالية الحالية.
ومع استمرار رفع العلم الأميركي خارج مقر المنظمة في جنيف، إلّا أن التاريخ الرسمي للمغادرة سيكون في 21 يناير كانون الثاني 2026، إذا لم يتم التراجع عن القرار.
الصين تتصدر تمويل الدولة.. ونقاشات حول إعادة الهيكلة
مع انسحاب أميركا، تتجه الصين لتصبح أكبر ممول من خلال الرسوم الحكومية، إذ سترتفع مساهمتها من 15 في المئة إلى 20 في المئة بموجب إصلاحات أُقرت في 2022. وقال السفير الصيني في جنيف، «علينا التكيف مع منظمات متعددة الأطراف دون الأميركيين.. الحياة مستمرة».
في المقابل، يرى البعض أن هذه المرحلة قد تمثل فرصة لإعادة هيكلة أعمق للمنظمة. وتساءل أنيل سوني، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الصحة العالمية، عما إذا كانت المنظمة بحاجة إلى كل لجانها، أو إذا كان من المنطقي أن تنشغل بشراء الوقود في حالات الطوارئ.
التمويل الطوعي يُهيّمن على ميزانية المنظمة
لضمان استمرارية المشاريع الحساسة، بدأت المنظمة طلب تمويل مباشر من مانحين لديهم اهتمام بمجالات معينة مثل الشركات الدوائية والمنظمات الخيرية. ومثال ذلك، مؤسسة إلما التي قدمت مليوني دولار لدعم شبكة معامل الحصبة والحصبة الألمانية (Gremlin)، التي تضم أكثر من 700 مختبر حول العالم.
كما تُظهر بيانات منظمة الصحة العالمية للفترة 2024–2025 أن التمويل الطوعي بات يشكل العمود الفقري لميزانية المنظمة، إذ تغطي المساهمات الإلزامية أقل من 20 في المئة فقط من احتياجاتها المالية.
وكما توضّح البيانات أدناه، تتصدر كيانات غير حكومية مثل مؤسسة غيتس قائمة المانحين، متفوقة على دول كبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا. هذا التوزيع يسلط الضوء على تحول عميق في بنية تمويل الصحة العالمية، إذ لم تعد الأولوية تُبنى على الالتزامات الحكومية، بل على المبادرات الطوعية التي قد تعكس أولويات المانحين أكثر من احتياجات الدول الصحية الفعلية.
توقيع اتفاق تاريخي للاستجابة للجوائح المقبلة
رغم الأزمة المالية، سيُعرض خلال الجلسات اتفاق تاريخي لتنظيم الاستجابة للجوائح المستقبلية، بالإضافة إلى جولة استثمارية جديدة لجمع تمويل من المانحين.
لكن التركيز الأكبر سيظل على نموذج التمويل العالمي الجديد، ومدى قدرة المنظمة على الاستمرار بكفاءة في غياب مساهم استراتيجي بحجم الولايات المتحدة، وما إذا كان المانحون الجدد سيغطون الفراغ الكبير الذي خلفه القرار الأميركي.