ميناء هاينان للتجارة الحرة.. بوابة الصين الصامتة نحو تكامل اقتصادي مع العالم العربي

ميناء هاينان للتجارة الحرة (المصدر: بيكسباي)
ميناء هاينان للتجارة الحرة.. بوابة الصين الصامتة نحو تكامل اقتصادي مع العالم العربي
ميناء هاينان للتجارة الحرة (المصدر: بيكسباي)

ينعقد يوم الاثنين، 19 مايو 2025، في الإمارات «مؤتمر ترويج ميناء هاينان للتجارة الحرة– الإمارات 2025» وسيحضر المؤتمر فينغ فاي، أمين لجنة الحزب الشيوعي الصيني بمقاطعة هاينان المعروفة بـ«هاواي الشرق»، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والإمارات، وتوطيد الشراكة الثنائية بين ميناء هاينان والإمارات في مجالات مثل التجارة والطاقة والتكنولوجيا المتقدمة.

وتحمل هذه الفعالية بعدين استراتيجيين، يتمثل الأول في الانتقال من مرحلة اتفاقيات الشراكة المتعددة التي وُقعت بين الإمارات وهاينان عام 2023 إلى مرحلة التطبيق الفعَّال، فيما يندرج البعد الثاني ضمن الترويج لمرفأ هاينان كمَعلم يعيد تشكيل خريطة التجارة الدولية المستقبلية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

الصفر الجمركي

يأتي هذا المؤتمر في وقت دخول نظام الجمارك الخاص بهاينان حيّز التنفيذ الكامل في مايو 2025، حيث تصبح الجزيرة أول منطقة في الصين تعتمد نظام «التحرير الكامل في الخط الأول والتحكم في الخط الثاني»، ضمن رؤية واضحة للربط بين الصين والخليج في زمن الحواجز والتكتلات كما أفاد سوي باوقوه، نائب رئيس جمعية تعزيز الثقافة الصينية وخبير الموانئ الحرة في جامعة هاينان ومستشار لدى جمعية التجارة في هاينان للـCNN الاقتصادية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وبالرغم من كونها من أصغر المقاطعات مساحة، فإنها تحمل أحلاماً اقتصادية كبيرة للصين التي تسعى إلى تحويلها إلى أكبر منطقة تجارة حرة في العالم ومركز تجريبي وطني لتقنيات البلوك تشين والمدفوعات الرقمية.

فمن خلال استراتيجية ميناء التجارة الحرة (FTP ) والتركيز على إلغاء الرسوم الجمركية وخفض معدلات الضرائب، وتبني أنظمة ضريبية مبسطة، وتحرير اقتصادي معزّز لجذب الاستثمارات الأجنبية، دخل ميناء هاينان للتجارة الحرة مرحلة جديدة من النمو المنظم والتطور المتسارع.

تحالفات استراتيجية

وفي رأي سوي تلعب دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً استراتيجياً في تطوير ميناء هاينان للتجارة الحرة، نظراً للتكامل الكبير بين الجانبين في المجالات الصناعية والتجارية، فباعتبارها مركزاً لوجستياً ومالياً رائداً في الشرق الأوسط، تتمتع الإمارات بشبكة واسعة من اتفاقيات التجارة الحرة، بما في ذلك اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الهند وتركيا وغيرها؛ ما يوفّر للشركات الصينية بوابة ملائمة للوصول إلى أسواق طرف ثالث عبر هاينان.

وبالمقابل، يتم تطوير هاينان كبوابة رئيسية نحو المحيطين الهادئ والهندي، لتعزيز تحرير التجارة وتسهيل الاستثمار وتدفق البيانات عبر الحدود في إطار من الانفتاح المؤسسي، وبمجرد بدء العمل الجمركي الكامل في عام 2025، سيُحدث نموذج «التحرير في الخط الأول والتحكم في الخط الثاني» تحوّلاً كبيراً في كفاءة حركة السلع، لا سيما في قطاعات الغاز الطبيعي المسال، والاقتصاد الرقمي، والتجارة الإلكترونية؛ ما يخلق قنوات أكثر انفتاحاً وتيسيراً للتعاون الاقتصادي بين الصين والإمارات، حسب قوله.

ويجسد هذا التعاون -في رأيه- أرضية خصبة لتحول أوسع في علاقات الصين بدول الخليج، من التركيز التقليدي على تجارة الطاقة نحو شراكات أكثر تنوعاً ومؤسسية، ولفت سوي إلى أن سياسات الإعفاء الجمركي في هاينان، بما في ذلك الإعفاءات للبضائع ذات القيمة المضافة والمَبيعة محلياً، تكمل مزايا الإمارات في إعادة التصدير، وقد وفرت هذه السياسات وفوراً جمركية بلغت 1.76 مليار يوان في عام 2024، مع مبيعات محلية تجاوزت 7 مليارات يوان، وتُشكّل هاينان نقطة دخول استراتيجية للشركات الإماراتية إلى السوق الصينية، وتساعد في تجاوز الحواجز الجمركية المرتفعة مثل الرسوم الوقائية على بعض المنتجات الكهربائية.

مشاريع بينية حالية ومستقبلية

ويُترجم هذا التكامل -في رأيه- من خلال مشروعات ملموسة، مثل توسع موانئ دبي العالمية عبر محطة الحاويات في ميناء "يانغبو"، لتصل طاقتها إلى 6.5 مليون طن سنوياً وتوقيع اتفاقية توأمة موانئ بين يانغبو وميناء أبوظبي وربط مناطق خليفة الاقتصادية أبوظبي كيزاد التي أصبحت المنطقة الحرة رقم 35 المرتبطة بهاينان عالمياً وإطلاق 113 شركة صناعية في برنامج تصنيع معفى من الجمارك، تجاوزت مبيعاتها المحلية 7 مليارات يوان (نحو 967 مليون دولار).

وتستهدف الخطط المستقبلية كما شرح سوي تحرير التجارة واللوجستيات والطيران من خلال مبادرات مثل "الممر الذكي" لتحسين كفاءة التخليص الجمركي بنسبة 50%، وتسريع الخدمات المالية ومبادرات الطاقة الخضراء، حيث تجاوزت الحسابات العابرة للحدود في هاينان 100 مليار دولار في 2024 إلى جانب دعم الصناعات المتخصصة وتبادل المواهب، مع إطلاق مركز صيني- عربي للقطاعات مثل معالجة التمور وخدمات بيانات الفضاء، باستثمارات أولية قدرها 5 مليارات يوان (نحو 691 مليون دولار).

استثمارات صينية

وكشف سوي حجم إجمالي الاستثمارات المخطط لها خلال الفترة 2018-2025 ضمن الخطة الرئيسية لبناء ميناء هاينان للتجارة الحرة والذي يبلغ نحو 1.5 تريليون يوان (نحو 207 مليار دولار)، يُسهم القطاع الحكومي منها بنسبة 30% تقريباً.

ولتعزيز التعاون مع دول الخليج، تم إنشاء صندوق مخصص بقيمة 20 مليار يوان (4.01 مليار دولار)، أُطلق منه 5 مليارات يوان (691 مليون دولار) في 2023 لدعم التجارة الدولية بالطاقة وخدمات بيانات الفضاء.

كما دعمت السندات الحكومية الخاصة طويلة الأجل في عام 2024 نحو 94 مشروعاً رئيسياً في هاينان، 30% منها مرتبطة مباشرة بتطوير مجمعات صناعية بالشراكة مع دول الخليج.

تجارة بينية واعدة

توقَّع سوي أن يصل حجم التجارة السنوي بين هاينان ودول الخليج، خاصة الإمارات، إلى نحو 300 مليار يوان (42 مليار دولار) بحلول عام 2030، مع التركيز على القطاعات ذات القيمة العالية مثل الغاز المسال وتأجير الطائرات.

ويتميز ميناء هاينان برأيه بثلاث ركائز أساسية؛ التموضع الاستراتيجي: حيث يُعد محوراً لمبادرة الحزام والطريق وبوابة لانفتاح الصين على الأسواق العالمية، والابتكار المؤسسي: حيث يُدار بنموذج جمركي مغلق بالكامل يسمح بحرية تنقل التجارة والاستثمار والأشخاص ورؤوس الأموال والبيانات. والتموضع الصناعي الذي يركز على السياحة، والخدمات الحديثة، والتقنيات العالية، والزراعة الاستوائية، كما يُسرّع تطوير قطاعات مثل تكنولوجيا البذور، والفضاء، والصناعات البحرية العميقة.

وقال «على عكس شنغهاي التي تعاملت مع 47.3 مليون حاوية في 2023 (17% من الإجمالي الصيني)، يركّز ميناء هاينان على التجارة المتخصصة، مثل اليخوت والمعدات الطبية المتطورة، حيث وفر إعفاءات جمركية وفّرت على المرضى نحو 1.8 مليون يوان في 2024».

وأفاد «حالياً، هناك 13 خط شحن من "يانغبو" إلى الشرق الأوسط، يمثل 18% من إجمالي القدرة الشحنية إلى المنطقة، ومن المتوقع إطلاق خط مباشر بين "سانيا" ودبي في 2025، إضافة إلى خدمة شحن جوي مخصصة».

وكشف أن التوسعات تشمل المرحلة الثالثة من تطوير ميناء "ماكون"، بتصميم مؤتمت بالكامل وقدرة شحن تبلغ 6.5 مليون طن سنوياً، وتشغيل متوقع في 2025. وtتوسعة محطة الحاويات الدولية في "يانغبو"، حيث اكتمل 700 متر من الرصيف الرئيسي فضلاً عن استعادة أو إطلاق 77 خط نقل دولي جوي وبحري، تربط هاينان بـ22 دولة و39 مدينة.

ويعزز ذلك حسب قوله التكامل اللوجستي ويعمّق الدمج التجاري مع دول الخليج.

اتفاقية التجارة الحرة الشاملة؟

ويشكّل التعاون المتنامي بين هاينان والإمارات برأي سوي أساساً لتجديد الزخم نحو اتفاقية تجارة حرة بين الصين ودول الخليج مصنفاً هاينان بساحة اختبار للتعاون العملي، وقال "تشمل المبادرات الأخيرة منصّة لتجارة العود، وجهوداً لتوحيد معايير شهادات الهيدروجين الأخضر، لكن لا تزال التحديات قائمة، مثل: عدم اعتراف دول الخليج بمعايير الصين في الفحص الزراعي وتباين كبير في سياسات الحوكمة الرقمية واستمرار بعض دول الخليج في فرض متطلبات محلية صارمة للبيانات، وهو ما يتعارض مع انفتاح هاينان على تدفق البيانات العابرة للحدود".

ويبقى التساؤل مشروعاً فيما لو أن هذه المبادرات ستُسهم في وضع أسس جديدة لتكامل اقتصادي عربي- آسيوي قد يُكتب له أن يتحقق أخيراً.