تُسابق الإمارات الزمن في مسيرة تحولها من مستهلك للتكنولوجيا إلى مصدر لها، من متلقٍّ للخدمات إلى صانع استراتيجيات بمنظمة متكاملة تبدأ بالأرض وتنتهي في الفضاء.
ولعل ما تقوم به سبيس 42 الشركة الإماراتية المتخصصة في تقنيات الفضاء والذكاء الاصطناعي التي تأسست نتيجة اندماج شركتي «الياهسات» و«بيانات» لخلق كيان وطني رائد في الصناعات الفضائية والجيوميكانيكية يؤكد أنه في عالم ترتبط فيه البيانات بالأمن، والفضاء بالنفوذ، فإن ما يحدث في أبوظبي اليوم يُعيد تشكيل مدار القوة غداً.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وجاء إعلان الشركة خلال فعاليات اصنع في الإمارات 2025 عن إطلاق منشأتين لتصنيع تقنيات متقدمة في الأقمار الصناعية والطائرات غير المأهولة عالية الارتفاع وأقمار الاستشعار بالرادار ليثبت أن هذا المسار ليس مجرد توسّع صناعي أو تقني، بل رؤية تضع الإمارات على خريطة الريادة في تطوير حلول فضائية عالية الكفاءة وذات استخدامات متعددة.
التحدي الناعم
تبرز سبيس 42 ليست فقط كمشروع فضائي، بل مشروع معرفي واقتصادي، حيث أكّد العضو المنتدب للشركة كريم ميشيل الصباغ لـCNN الاقتصادية أن «الذكاء الاصطناعي يساعدنا على تحليل واستنتاج المعاني من البيانات التي يتم توليدها من الفضاء لخدمة عملائنا في القطاعات التجارية والأمنية»، فهو ليس مجرد أداة تشغيل، بل في قلب منظومة تحليل البيانات الجيومكانية وإدارة الشبكات الفضائية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وأضاف أن رؤية سبيس 42 تقوم على دمج ثلاث ركائز رئيسية: الاتصالات الفضائية، ورصد الأرض، والذكاء الاصطناعي، ضمن منظومة تشغيل متكاملة تهدف إلى رفع الكفاءة التشغيلية وتعزيز قدرة المستخدم النهائي على اتخاذ القرار.
وتفتح هذه المنهجية الباب لتوطين النماذج الحسابية وتحريرها من تحيزات البرمجيات في وقت تتصاعد فيه المخاوف العالمية من خوارزميات تتحكم بالمعلومة والمعنى والسوق.
تقنيات سيادية
تمثل الإعلان الأول للشركة في منشأة لتصنيع محطات جوية غير مأهولة قادرة على تنفيذ مهام رصد واتصال على ارتفاعات عالية ولمدد تصل إلى ستة أسابيع، وأكد الصباغ أن هذه الوحدات ستدخل التشغيل التجريبي خلال العام الجاري في أسواق تشمل إفريقيا وآسيا وأوروبا.
ولا تعد هذه الخطوة تجارية فقط، بل ذات طابع جيوسياسي واضح يظهر مساعي الإمارات الريادية في تمكين المجتمعات المحرومة من الاستفادة من اقتصاد الفضاء الذي كان محصوراً سابقاً في دول محدودة.
أما الإعلان الثاني فشمل تدشين أول مصنع في المنطقة مخصص لأقمار SAR، وهي تقنية قادرة على التصوير الليلي والنهاري تحت مختلف الظروف المناخية، وتُستخدم على نطاق واسع في قطاعات الدفاع والأمن والبيئة.
وتعتمد منشأة تصنيع أقمار SAR على تقنية نادرة تتيح الرصد الليلي والنهاري في كل الظروف المناخية، ما يتجاوز الطفرة التكنولوجية، لتضع الإمارات في مصاف الدول القليلة التي تملك قدرة مستقلة على إنتاج وتحليل بيانات الأرض كأدوات تفي بأغراض تحقيق الأمن الغذائي والمناخ ومكافحة الكوارث.
وبفضل منصات تحليل البيانات المحلية، والتصنيع داخل الإمارات، والتوسع نحو الأسواق النامية، ترسم الشركة حدوداً جديدة للنفوذ الناعم لأبوظبي.
وفي السياق شدد الصباغ على التزام الشركة الكامل بالامتثال للأنظمة والمعايير التنظيمية في مختلف المناطق الجغرافية التي تعمل بها، بما يشمل الإمارات وآسيا وأوروبا والأميركتين، كما تعمل حالياً مع شركاء دوليين في مجالات التصنيع والتكامل التقني، ما يعكس ثقة متزايدة في قدرتها على العمل في بيئات متعددة.
كما تخطط الشركة وفق تقريرها المالي السنوي لاستثمارات جديدة بقيمة 348 مليون دولار في النفقات الرأسمالية تشمل تطوير الجيل القادم من الأقمار الصناعية (ياه 4 وياه 5) التي يُرتقب إطلاقها في السنوات القادمة.
وسجلت سبيس 42 إيرادات بلغت 629 مليون دولار، وصافي أرباح بقيمة 166 مليون دولار، مع هامش ربح صافٍ بلغ 26 في المئة.
كما سبق للشركة أن أعلنت عن عقود بقيمة 7 مليارات دولار في ضوء أهدافها بمضاعفة الإيرادات قبل 2030، وأكد الصباغ «هدفنا هو أنه بحلول نهاية هذا العقد سنضاعف إيراداتنا الإجمالية، مع الحفاظ على هوامش الربحية عند مستوى 40 في المئة».
وبذلك ترسل سبيس 42 رسالة واضحة تهدف إلى توسعة مشاريعها البحثية والتصنيعية لترسيخ موقعها كرافعة أساسية في جهود تنويع الاقتصاد الإماراتي والتأثير الإقليمي والدولي.