بينما يبدو أن البنك المركزي الأوروبي سيمضي قدماً في خفض جديد لأسعار الفائدة في اجتماعه المقبل في يونيو حزيران، بدأت تتزايد المؤشرات على أن صيف 2025 قد يشهد وقفة في دورة التيسير النقدي التي استمرت بلا هوادة منذ عام تقريباً.
فبعد سبعة قرارات خفض في الاجتماعات الثمانية الماضية، تلقّى اقتصاد
منطقة اليورو دفعة تنفس من السياسة النقدية، لكن التحديات بدأت تتغير.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
فالتضخم الذي كان جامحاً أصبح تحت السيطرة إلى حد بعيد، فيما تحول التركيز إلى النمو الباهت والتقلبات العالمية التي تتصدرها حرب تجارية مفتوحة وسياسات أميركية غير مستقرة ومشكلات هيكلية متجذرة داخل القارة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
في المدى القصير، من المتوقع أن يستمر التضخم في التراجع، وقد ينخفض حتى دون هدف البنك المركزي البالغ 2 في المئة، ما يُعيد إلى الأذهان عقداً من الزمن قبل الجائحة، إذ فشل المركزي الأوروبي في تحفيز الأسعار.
لكن على المدى البعيد، بدأت تظهر بوادر ضغوط تضخمية جديدة مدفوعة بزيادة الإنفاق الحكومي، وتصاعد سياسات فك الارتباط التجاري، وحواجز التجارة، وتراجع المعروض من القوى العاملة بسبب شيخوخة السكان.
دعت عضوة مجلس الإدارة في البنك الأوروبي، إيزابيل شنابل، صراحةً إلى التريث، محذّرة من أن الرسوم الجمركية قد تكون خادعة «نعم، قد تبدو انكماشية في البداية، لكنها سترفع التكاليف عبر سلاسل القيمة العالمية، ما يضغط على الأسعار في المدى المتوسط».
من جانبه، أشار أقدم أعضاء المجلس الحاكم، كلااس نوت إلى أن الصدمة في الطلب قد تهدئ الأسعار مؤقتاً، لكن الصدمة من جانب العرض قد تعني عودة التضخم لاحقاً.
ما يدفع هذا الجدل أكثر هو رصد الأسواق لارتفاع تدريجي في توقعات التضخم على المدى الطويل، لا سيما بعد التفاهم الأميركي الصيني الأخير، في إشارة إلى أن المستثمرين يتوقعون انخفاضاً مؤقتاً في الأسعار يتبعه ارتداد ربما يتجاوز الـ2 في المئة.
في هذا السياق، يواجه البنك المركزي معضلة في التواصل مع الأسواق والجمهور، فبينما قد تنخفض الأسعار في نهاية 2025 بسبب ضعف النمو وقوة اليورو وتراجع أسعار الطاقة وزيادة الإغراق من مصدرين يواجهون رسوماً أميركية، فإن مهمته تقتضي التركيز على المدى المتوسط، إذ تظهر نتائج السياسات بعد 12 إلى 18 شهراً.
أشار مصرف «سوسيتيه جنرال» في مذكرة تحليلية إلى أنه أصبح أقل اقتناعاً بضرورة خفض جديد في يوليو تموز، نظراً لتراجع حدة التوترات التجارية ومرونة المؤشرات الاقتصادية الأخيرة، متوقعاً أن البنك قد يتريث بعد يونيو حزيران لقراءة الصورة بشكل أوسع.
بدأت توقعات المستثمرين تتماشى مع هذا التحول، فمع أن خفض يونيو حزيران يبدو شبه محسوم، فإن أغلب التقديرات ترجح وقفة بعد ذلك، وربما خفضاً أخيراً في نهاية العام يأخذ سعر الفائدة على الإيداع إلى مستوى 1.75 في المئة.
بعث عدد من أعضاء المجلس الحاكم، من بينهم فرنسوا فيليروي من فرنسا، وأولي رين من فنلندا، وبيير وونش من بلجيكا، برسائل «حمائمية» تؤكد التزامهم بخفض يونيو، لكنهم تركوا الباب مفتوحاً للتريث لاحقاً.
قالت مصادر مطلعة إن النقاش الفعلي داخل البنك لم يعد حول قرار يونيو حزيران، بل حول ما بعده، إذ بدأت تتبلور جبهة تدعو بوضوح إلى التوقف المؤقت.
وفي الوقت الذي قد يُتخذ فيه قرار «تخطي» يوليو تموز، من المرجح أن يواصل البنك تبني ميل نحو مزيد من التيسير لاحقاً هذا العام، خصوصاً أن آثار الحرب التجارية قد بدأت تظهر على أداء النمو والوظائف.
وكما لخصه بنك «تي إس لومبارد»، فإن التوجه نحو مزيد من التيسير لا يزال «قائماً وبقوة»، إذ تشير الأدلة إلى أن الرسوم الأميركية تضغط على النمو والتضخم في منطقة اليورو، وتضعف أرباح الشركات، ما يلقي بظلاله على ما كان يُحتفى به سابقاً باعتباره «مرونة سوق العمل».
من الجدير بالذكر، أن البنك المركزي الأوروبي بدأ منذ صيف 2024 مسارَ خفضٍ تدريجياً في أسعار الفائدة بعد سنوات من التشديد لكبح التضخم.
ومع تحسن المؤشرات الاقتصادية نسبياً، بدأت ترتفع الأصوات داخل المجلس الحاكم بضرورة التوقف المؤقت لتقييم المسار المقبل، وسط توتر تجاري عالمي متصاعد وتأثيرات هيكلية طويلة المدى.