قرار قضائي يصدم نصف مليون مهاجر في أميركا

قرار قضائي يصدم نصف مليون مهاجر في أميركا (شترستوك)
قرار قضائي يصدم نصف مليون مهاجر في أميركا
قرار قضائي يصدم نصف مليون مهاجر في أميركا (شترستوك)

فتحت المحكمة العليا الأميركية الباب أمام إدارة الرئيس دونالد ترامب لإلغاء الوضع القانوني المؤقت المعروف بـ«البارول» لأكثر من 532 ألف مهاجر من فنزويلا وكوبا وهايتي ونيكاراغوا، في قرار يمهّد لترحيلهم السريع، ويعيد تشكيل مشهد الهجرة في الولايات المتحدة.

علّق القرار الذي صدر يوم الجمعة بصيغة طارئة وغير موقعة، مؤقتاً، حكماً صادراً عن القاضية الفيدرالية إنديرا تالواني في بوسطن، كانت قد أوقفت بموجبه قرار الإدارة الأميركية بإنهاء برنامج «البارول» الذي أقرّه الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن لأسباب إنسانية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

بموجب هذا البرنامج، مُنح المهاجرون الحق في الإقامة والعمل داخل أميركا بشكل قانوني لفترة مؤقتة، لكن مع وصول ترامب مجدداً إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام، أعلن منذ اليوم الأول في منصبه، في 20 يناير كانون الثاني، عن نية إلغاء برامج الحماية الإنسانية، وعلى رأسها «البارول» و«الحماية المؤقتة»، في محاولة لكبح الهجرة غير الشرعية، وفق تعبيره.

أرقام ومخاوف ومعارضة داخل المحكمة

يهدّد القرار بشكل مباشر 532 ألف شخص من جنسيات فنزويلية وكوبية وهايتية ونيكاراغوية كانوا قد حصلوا على «بارول» في عهد بايدن، كما يأتي في سياق أوسع، إذ سمحت المحكمة العليا في 19 مايو أيار أيضاً بإنهاء برنامج الحماية المؤقتة لنحو 350 ألف فنزويلي آخر، بينما لا تزال القضايا متداولة في المحاكم الأدنى.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

أبدت القاضية كيتانجي براون جاكسون، وهي واحدة من ثلاثة قضاة ليبراليين فقط في المحكمة، معارضة علنية للقرار، وكتبت أنّ المحكمة «قلّلت من شأن الآثار المدمّرة للسماح للحكومة بإحداث انقلاب مفاجئ في حياة وسبل عيش مئات الآلاف من المهاجرين، بينما لا تزال دعاواهم القانونية قيد النظر».

يُذكر أن، كان بايدن قد أطلق برنامج «البارول» في عام 2022 بدءاً من فنزويلا، قبل أن يوسّعه في 2023 ليشمل كوبا وهايتي ونيكاراغوا، في محاولة للحد من تدفّق المهاجرين على الحدود الجنوبية، وذلك من خلال آلية تتيح تقديم الطلبات من الخارج، مع وجود راعٍ مالي في الولايات المتحدة واجتياز فحوصات أمنية.

لكن إدارة ترامب، في عودتها الجديدة، اعتبرت أن هذه السياسات تُشجّع الهجرة غير النظامية، وقرّرت إلغاء البرنامج بشكل شامل، وهو ما اعتبرته القاضية تالواني مخالفاً للقانون الذي يوجب النظر في الحالات على أساس فردي وليس جماعياً.

تداعيات إنسانية واقتصادية خطيرة

من الناحية القانونية، سيكون بمقدور إدارة ترامب إدخال هذه الفئة ضمن برنامج الترحيل السريع المعروف بـ«الإبعاد المعجّل»، ما يعني حرمانهم من أي فرصة للاستئناف أو اللجوء، رغم أن العديد منهم لديهم طلبات لجوء معلّقة منذ شهور، وأطفال يذهبون إلى المدارس، وعائلات مستقرة وعاملة في السوق الأميركية.

وفي تصريح صادم، قالت المديرة التنفيذية لتحالف الجسر الهاييتي، غيرلين جوزيف، «إن القرار سيجعل آلاف الأشخاص بلا وضع قانوني، ويهدد حياتهم، ويخلق حالة من الخوف الشديد تمنع العائلات من الذهاب إلى المدارس أو الكنائس أو أماكن العمل».

أما مديرة مركز العدالة للعمل، كارن توملين، فأكدت أن المحكمة العليا سمحت لإدارة ترامب بإطلاق «فوضى واسعة النطاق» تطول ليس فقط المهاجرين أنفسهم، بل عائلاتهم ومجتمعاتهم وأماكن عملهم، ما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية في قطاعات حيوية تعتمد على العمالة المهاجرة المؤقتة.

أبعاد سياسية وتداعيات انتخابية

دافعت وزارة العدل الأميركية عن القرار، وقالت في مذكّرتها أمام المحكمة العليا إن الحكم السابق ألغى «سياسات هجرة حيوية ودقيقة صوّت عليها الأميركيون في الانتخابات الأخيرة»، في إشارة إلى فوز ترامب مجدداً بالرئاسة.

وفي المقابل، رأى المدّعون، وهم مجموعة من المهاجرين الأميركيين الذين يرعون أوضاع أقربائهم، أنّ القرار يعرض حياتهم للخطر ويهدد بترحيلهم إلى «دول مضطربة واستبدادية، إذ يواجهون خطر القتل أو الاضطهاد».

باختصار، بين معركة قانونية مفتوحة وصراع سياسي محتدم، يبدو أن ملف الهجرة سيبقى في قلب الجدل الأميركي، القرار الأخير لا يمثّل نهاية المعركة، بل بداية فصل جديد يختبر قدرة القضاء على الموازنة بين القانون والسياسة، والإنسانية والأمن، في واحدة من أكثر القضايا حساسية في تاريخ أميركا الحديث.