لذة المذاق وأرقام الاقتصاد.. تصنيف المطبخ العربي عالمياً

shutterstock_2021764724
لذة المذاق وأرقام الاقتصاد.. تصنيف المطبخ العربي عالمياً
shutterstock_2021764724

في زمن يشهد فيه الاقتصاد العالمي تحوّلات متسارعة وتقلّبات جيوسياسية وتقنية، تظل ثقافات الدول العربية محتفظة بمكانتها الأصيلة كجسر بين الماضي والحاضر.

وبين عناصر هذه الثقافة، تبرز المطابخ والأطباق التقليدية كأقوى تعبير عن الهوية وروح المكان، بل وأدق تمثيل للنسيج الاجتماعي والاقتصادي للدول العربية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ولم تعد النكهات العربية مجرّد موروث شعبي، بل تحوّلت إلى أدوات تأثير ناعمة تحمل فرصاً تجارية واستثمارية ملموسة، من تصدير المنتجات الغذائية، إلى تنشيط السياحة، وازدهار سوق المطاعم.

تدخل المطابخ العربية سباقاً من نوع آخر، ليس فقط لتقديم أشهى الأطباق، بل لتحجز مكاناً ثابتاً على خريطة القوة الناعمة والتأثير الاقتصادي.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وما بين الحمّص اللبناني، والكسكس المغربي، والملوخية المصرية، والمجبوس الخليجي، تمتد نكهات تحمل معها فرصاً تصديرية واعدة، وسياحة غذائية مزدهرة، واستثمارات تتجاوز ملايين الدولارات في المطاعم وسلاسل الإمداد.

صدّر بعض المطابخ العربية قوائم أفضل 100 مطبخ في العالم حسب «TasteAtlas Awards 2025» تيست أطلس أوردز 2025، فحلت الجزائر في المركز الحادي والعشرين عالمياً، ولبنان في السادس والعشرين، وتونس في الثلاثين.

وعلى الرغم من أنّ تقييم المطابخ يتعلق بالذوق والثقافة، فإن له انعكاسات اقتصادية مهمة.. من الصادرات الغذائية إلى السياحة والمطاعم، في هذا التقرير نرصد البيانات الاقتصادية ذات الصلة من حجم الصادرات الغذائية والتجارة، إيرادات السياحة الغذائية، وحجم سوق المطاعم في المنطقة، مقارنة بالتغيرات التاريخية والمؤشرات الحديثة.

صادرات غذائية تخرج من المطابخ إلى الأسواق العالمية

تشهد الصناعات الغذائية في العالم العربي نمواً متسارعاً، مدفوعةً بتطور الإنتاج، وارتفاع الطلب الإقليمي والعالمي على المنتجات التقليدية والمحلية.

ففي عام 2024، بلغت صادرات السعودية الغذائية نحو 5.29 مليار دولار، تليها مصر بـ4.64 مليار دولار، ثم الإمارات بـ3.96 مليار دولار، والمغرب بـ3.55 مليار دولار، وتونس بـ2.16 مليار دولار.

سجّلت مصر تحديداً قفزة ملحوظة، إذ أعلن المركز الدولي للتجارة أن في 2024 وحدها شهدت صادرات بنحو 4.64 مليار دولار، بزيادة قدرها 13 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.

وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 53 في المئة من صادرات مصر الغذائية كانت موجهة إلى دول عربية، ما يعكس ترابط الأسواق الإقليمية.

أما في تونس، فقد بلغت عائدات صادرات زيت الزيتون وحدها خلال سبعة أشهر فقط نحو 1.159 مليار يورو، أي ما يقارب 3.936 مليار دينار تونسي، بزيادة تقارب 90 في المئة على الفترة نفسها من العام السابق.

فرص غير مستغلة.. مليارات تنتظر التحفيز

حسب بيانات المركز الدولي للتجارة، ما زالت بعض الدول العربية تملك فرصاً تصديرية غير مستغلة في قطاع الصناعات الغذائية، فعلى سبيل المثال، تُقدّر الفرص التصديرية الإضافية غير المستغلة للسعودية بنحو 5 مليارات دولار، تليها الإمارات بـ3.9 مليارات، والعراق بـ2.7 مليارات، ثم مصر بمليار دولار.

الفرص التصديرية غير المستغلة تعني فجوة بين ما يمكن للدولة تصديره فعلياً وبين ما تصدّره الآن، يُظهر تحليل بيانات التجارة الدولية أسواقاً تطلب منتجات عربية بكثافة، لكن الدول العربية لم تخترقها بعد.

تطرح هذه الأرقام تساؤلات مهمة حول كيفية تطوير سلاسل القيمة، وتحسين الجودة والمعايير، وإزالة العوائق اللوجستية التي تحول دون استثمار هذه الإمكانات الكامنة.

حسب بيانات المركز الدولي للتجارة، ما زالت بعض الدول العربية تملك فرصاً تصديرية غير مستغلة في قطاع الصناعات الغذائية، فعلى سبيل المثال، تُقدّر الفرص التصديرية الإضافية غير المستغلة للسعودية بنحو 5 مليارات دولار، تليها الإمارات بـ3.9 مليارات، والعراق بـ2.7 مليارات، ثم مصر بمليار دولار.

السياحة الغذائية والنمو السياحي

تُسهم السياحة بنصيب متزايد في اقتصاديات المنطقة، ومطبخ البلد عامل جاذب رئيسي، ففي دول الخليج مثلاً، بلغ إنفاق الزوار 135.5 مليار دولار في 2023، بزيادة قدرها 28.9 في المئة على مستويات 2019.

ويتوقع أن يصل إنفاق السياحة الخليجية إلى 223.7 مليار دولار بحلول 2034، مع تزايد الاستثمارات السياحية.

بلغ قطاع السفر والسياحة 11.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الخليجية، أي نحو 247.1 مليار دولار بنهاية 2024.

وتكشف هذه الأرقام الدور المتنامي للسياحة، بما فيها «السياحة الغذائية» التي تنسجم مع استراتيجية دول المنطقة لتنويع مواردها بعيداً عن النفط ورفع مساهمة السياحة في الناتج.

لا تقتصر التأثيرات الاقتصادية على الصادرات والسياحة، بل يمتد أثر المطابخ إلى السوق المحلية للمطاعم، فالنظر لزاوية أخرى، بلغ حجم سوق المطاعم وخدمات الطعام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو 92.5 مليار دولار عام 2024، بناءً على فورشن بزينس إنسايتس.

ويتوقع أن يتجاوز 100 مليار في 2025 مع نمو سنوي يقارب 9.4 في المئة. وتسيطر السعودية على نحو 34.3 في المئة من هذه السوق الإقليمية، بفضل ازدهار السياحة المحلية وتوسّع المواطنين في تناول الطعام خارج المنزل.

كذلك تسهم الجهود الحكومية في رفع عدد الفعاليات الغذائية وشهادات الجودة مثل حملات «دبي طعام» ودليل ميشلان في تعزيز القطاع.

يؤشّر هذا إلى وجود طلب قوي على تناول مأكولات عربية ومحلية، ما يُعزز سلاسل الإمداد والوظائف في الزراعة والصناعة الغذائية.

الأسعار المحلية للأطباق 

رغم هذا النموّ، تواجه المنطقة تحديات تشمل التضخّم الغذائي والتفاوت في الأسعار، فمثلاً كانت معدلات تضخّم الغذاء في بعض الدول مرتفعة.

لوّحت تقارير منظمة الأغذية والزراعة ببلدان عربية في الحاجة لمساعدات بسبب ارتفاع الأسعار، ما يقلص القوة الشرائية للمستهلكين.

وعموماً، تكاليف وجبات الطعام تختلف كثيراً بين الدول، فعلى سبيل المثال يُقدّر سعر وجبة بسيطة في مطعم اقتصادي بالدوحة أو الرياض بأكثر من 8 دولارات متوسطاً، مقارنة بأقل من 5 -4 دولارات في كثير من المدن المصرية أو التونسية وبالتبعية تختلف تكاليف المكونات الزراعية.

ما وراء الأطباق.. فجوات الأسعار والتضخم الغذائي

رغم كل هذا الزخم، لا تزال بعض الدول العربية تواجه تحديات تتعلق بارتفاع أسعار المواد الغذائية، واختلاف تكلفة الوجبات بين الدول.

فمثلاً، تُقدّر تكلفة «طبق اليوم» في مطعم شعبي بالدوحة أو الرياض بأكثر من 8 دولارات، مقارنة بأقل من 5 دولارات في القاهرة أو تونس.

هذه الفجوات تؤثر على الطلب المحلي وتوجهات المستهلكين، كما تفرض تحديات أمام سلاسل الإمداد والمطاعم التي تسعى للحفاظ على الجودة والسعر المقبول.

وتعاني بعض الدول العربية من تضخّم غذائي مرتفع، ما يستدعي جهوداً مضاعفة لضبط الأسعار وتحقيق الأمن الغذائي.

باختصار، يبدو أن المذاق العربي لم يعد مجرد عنصر من عناصر الهوية الثقافية، بل تحوّل إلى محرّك اقتصادي حقيقي، من تصدّر المطابخ العربية في التصنيفات العالمية، إلى صعود صادرات الصناعات الغذائية، وزيادة مساهمة السياحة الغذائية في الناتج المحلي، تتضح ملامح تحوّل استراتيجي يمكن البناء عليه.

وفي عالم يتسابق فيه الجميع على تصدير النكهات والقصص وراءها، تملك المطابخ العربية فرصة نادرة لتقديم روايتها الخاصة.. بلغة الأطباق، والأرقام.