لم يعد الشباب يبحث عن لقب وظيفي مرموق بقدر ما يبحث عن وظيفة ذات قيمة، وراتب يكفي نفقات الحياة اليومية، وبيئة عمل لا تستنزف صحتهم النفسية.
هذا ما كشفه مسح «ديلويت العالمي» لعام 2025 حول جيل زد، الذي صنفهم من مواليد 1995 إلى 2006، وجيل الألفية، أي من هم من مواليد 1983 إلى 1994 بناءً على تصنيفه، واللذين يشكّلان معاً العمود الفقري للقوى العاملة العالمية في السنوات القادمة.
تشمل الدراسة أكثر من 23 ألف شاب وشابة في 44 دولة، وترسم ملامح ثورة ناعمة تقودها هذه الأجيال داخل سوق العمل، لتطالب بثورة «ثلاثية السعادة» المتمثلة في المال، والقيمة، والرفاه.
أبرز نتائج المسح تكمن في أن التعليم والمهارات أهم من اللقب، إذ فقط 6 في المئة من جيل زد يسعون إلى مناصب قيادية، بينما يركّز 70 في المئة منهم على اكتساب المهارات أسبوعياً لتطوير مسيرتهم المهنية، حتى خارج ساعات العمل.
أصبحت المهارات الشخصية مثل التواصل والتعاطف والقيادة أولوية إلى جانب إدارة الوقت والمعرفة المتخصصة.
يعكس هذا التوزيع تحولاً جوهرياً من الأهداف التقليدية (مثل الترقية) إلى أهداف أكثر واقعية وعملية مثل التوازن المالي والمهني، وهو ما سيدفع الشركات لإعادة تصميم الوظائف وبرامج الاحتفاظ بالمواهب، والتركيز على العمل الهجين والمرن.
كما يرى الجيلان أن على المديرين أن يكونوا مرشدين ومحفزين، لا مجرد مراقبين للمهام اليومية. لكن الواقع يكشف فجوة كبيرة، إذ يشعر كثيرون أن مديريهم يهتمون فقط بإنجاز المهام بدلاً من تطوير الموظفين. باختصار أصبح مديرو اليوم لا يلبّون التوقعات.
وإحدى أهم النتائج، هي أن الشهادة الجامعية لم تعد المسار الوحيد. فقد قرر نحو 31 في المئة من جيل زد و32 في المئة من جيل الألفية قرروا عدم استكمال التعليم العالي، مدفوعين بتكاليفه العالية، 39 في المئة، أو بعدم اقتناعهم بجدواه العملية.
ومع ذلك، فإن من حصلوا على شهادة جامعية يشعرون بثقة مالية أكبر بنسبة 15 نقطة مئوية مقارنة بمن توقفوا عند التعليم الثانوي.
وبالنظر للتطور السريع في أدوات الذكاء الاصطناعي، نجد أن أكثر من نصف المشاركين في المسح يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI في عملهم اليومي، لا سيما في التحليل وصناعة المحتوى.
ورغم أنهم يرون في التكنولوجيا وسيلة لتحسين الإنتاجية والتوازن الحياتي، فإن 63 في المئة من جيل زد و65 في المئة من جيل الألفية قلقون من فقدان وظائف بسبب الأتمتة (أي تحويل العمليات اليدوية إلى عمليات آلية باستخدام التكنولوجيا أو البرامج).
وكنتيجة أخرى للمسح، يشعر 60 في المئة من الشباب بالأمان المالي وصفوا أنفسهم بأنهم «سعداء»، بينما لم تتجاوز النسبة 28 في المئة لدى من يشعرون بانعدام الأمان المالي.
وبالمثل، فإن الذين وجدوا في وظائفهم معنى يتوافق مع قيمهم الشخصية، عبّروا عن مستويات أعلى من السعادة. فالمال بالنسبة لهم لا يعني السعادة دون المعنى.
سبق نحو 44 في المئة من المشاركين أن غادروا وظائفهم لأنها تفتقر إلى «الغرض»، فالصحة النفسية تتآكل في بيئات العمل السامة.
مع تراجع الولاء الوظيفي وارتفاع التوقعات، تحتاج المؤسسات إلى إعادة بناء «العقد الاجتماعي» مع موظفيها عبر توفير بيئات عمل مرنة، واستثمار فعلي في التطوير المهني، ورؤية واضحة ذات مغزى.