كلما زادت درجة حرارة الأرض، زاد عدد الأشخاص الذين يلجؤون إلى مكيفات الهواء لتخفيف الشعور بالحرارة، وكلما ارتفع استخدام مكيفات الهواء، تفاقمت أزمة الاحتباس الحراري، وهي حلقة مفرغة تمثّل خطراً يهدد كوكب الأرض.

وفي دولة حارة مثل سنغافورة، أصبح استخدام مكيفات الهواء أسلوب حياة، فلا يمكن تصور مكتب أو مركز تجاري بدونها تقريباً؛ حيث تنتشر المكيفات في غالبية شقق الإسكان العام، ونحو 99 في المئة من الوحدات السكنية الخاصة، لكن هذا الإقبال المحموم على مكيفات الهواء في سنغافورة له تكلفة باهظة.

تسارع تغيّر المناخ

ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بمكيفات الهواء قد تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 0.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

ويرجع ذلك لسببين، أولاً، يعتمد العديد من مكيفات الهواء على فئة من المبردات تسمى مركبات الكربون الهيدروفلورية أو مركبات الكربون الهيدروفلورية، وهي غازات دفيئة ضارة.

وثانياً، تميل مكيفات الهواء إلى استخدام كميات كبيرة من الكهرباء الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، تسيطر مكيفات الهواء والمراوح الكهربائية على نحو عشرة في المئة من إجمالي استهلاك الكهرباء في العالم.

وبحسب بيانات حكومية صدرت عام 2019، ارتفعت درجة حرارة سنغافورة بمعدل أسرع مرتين من بقية أنحاء العالم على مدار العقود الستة الماضية، إذ حذّر المسؤولون من أن درجات الحرارة القصوى اليومية قد تصل إلى 37 درجة مئوية بحلول عام 2100.

ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية

ولا يعود سبب ارتفاع درجات الحرارة في سنغافورة إلى ظاهرة الاحترار العالمي فقط، بل يرتبط أيضاً باعتبارها إحدى الجزر الحرارية الحضرية التي تشهد درجات حرارة أعلى من المناطق المحيطة بها.

فالمظاهر الحضرية، مثل المباني والطرق والمركبات، تسهم في رفع درجة حرارة الجزيرة، خاصةً أثناء الليل، ويظهر هذا بشكل خاص في الأماكن الأكثر تطوراً واكتظاظاً بالسكان مثل سنغافورة.

وعلى الرغم من صعوبة تحديد مقدار ارتفاع الحرارة الناجم عن الاحتباس الحراري، وذلك الناتج عن تأثير الجزر الحرارية الحضرية، فالنتيجة واحدة؛ ففي كلتا الحالتين يشعر المواطنون بالحرارة ويلجؤون لاستخدام مكيفات الهواء بشكل أكبر.

ومع ذلك، يقول الخبراء إن هناك طرقاً لكسر هذه الحلقة المفرغة.

كيف نغيّر هذا الوضع؟

بموجب تعديل كيغالي للأمم المتحدة المتفق عليه في عام 2016، يعمل العديد من البلدان على التخلص التدريجي من مركبات الكربون الهيدروفلورية الضارة (المستخدمة في العديد من مكيفات الهواء)، واستبدالها بخيارات أكثر ملاءمة للمناخ، مثل الهيدروفلور أوليفينات.

وتعديل كيغالي هو تحديث لبروتوكول مونتريال الذي ساعد على التخلص التدريجي من مركبات الكلوروفلورو كربون المدمرة للأوزون في الثمانينيات.

وبالفعل، حظرت وكالة البيئة الوطنية في سنغافورة توريد المبردات المسببة لتفاقم الاحترار العالمي منذ أكتوبر تشرين الأول 2022، بينما تشجّع الأسر على استخدام المراوح بدلاً من المكيفات كلما أمكن ذلك.

ووفقاً لراديكا خوسلا، الأستاذ المساعد بكلية سميث بجامعة أكسفورد، فإنه يمكن الحد من استهلاك الطاقة المرتبط بمكيفات الهواء عبر اللجوء لطرق بديلة للحفاظ على البرودة، وفي مقدمتها استراتيجيات التبريد السلبي المستدامة، مثل زيادة المساحات الخضراء والأماكن الظليلة والمسطحات المائية واستخدام أساليب التهوية الذكية.

وفي هذا السياق، قالت خوسلا: «سنغافورة لديها خبرة واسعة في العيش وسط معدلات مرتفعة من الحرارة والرطوبة، ويجب أن تصبح مثالاً يحتذى به للبلدان الأخرى في تحديد ونشر حلول التبريد المستدامة».

(هيذر تشين – CNN).