سعياً لكسب الرزق، والحفاظ على البيئة، يجمع رجلان يرتديان ملابس زاهية عبوات بلاستيكية من على شاطئ إحدى جزر قرقنة التونسية، وعبر سلسلة من العمليات سيتحول ما يلتقطانه من نفايات إلى فساتين من قماش الدنيم من ابتكار «أوتا»، أول ماركة ملابس « مسؤولة بيئياً» في تونس، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
ويشارك نحو 15 شخصاً من «البرباشة»، وهم جامعو نفايات غير رسميين، في برنامج «قرقنة خالية من البلاستيك» المدعوم من الاتحاد الأوروبي والرامي إلى تدوير النفايات البلاستيكية التي تُرمى سنوياً في جزر قرقنة، وتصل كمياتها إلى سبعة أطنان.
يقول مُنسق المشروع جان بول بيليسييه من المركز الدولي للدراسات الزراعية العليا في البحر المتوسط فرع مونبلييه الفرنسية، إن «الأجواء في الأرخبيل مُذهلة نظراً للطبيعة والهدوء، ومثالية للسياحة الخضراء مع ما تشهده من مرور للطيور المهاجرة بالإضافة إلى وجود أعشاب البوسيدونيا في مياهها».
لكنه يشير إلى «عنصر لا يظهر بتاتاً في الصور وهو النفايات البلاستيكية»، ويندد بما وصفه بنقص عمليات جمع النفايات، لافتاً إلى التيارات البحرية التي تحمل النفايات البلاستيكية من أوروبا باتجاه السواحل التونسية.
أما «البرباشة» الذين باتوا مجهزين بشكل أحسن بفضل مشروع «قرقنة خالية من البلاستيك»، فيوفرون الكميات التي يجمعونها يومياً إلى جهة تتولى الفرز قبل إرسالها إلى شركة تجميع لتصل بعدها تلك النفايات إلى آلات الطحن.
وأقام المركز شراكة مع «مبادرة سيكوال» التي تمثل تجمعاً دولياً لشركات ومنظمات غير حكومية بهدف شراء هذه النفايات البلاستيكية البحرية «بسعر مربح وثابت على مدار السنة»، بحسب بيليسييه.
صناعة تونسية
يشكل العمل مع «سيكوال» فرصة جديدة لرئيس شركة «قرقنة بلاست» المتخصصة في ضغط النفايات البلاستيكية وفرزها عمر كشارم، لأن النفايات المرمية في البحر «لا قيمة كبيرة لها ولا تدر الأموال».
وتتولى «سيكوال» في البرتغال تحويل الحبيبات الناتجة من طحن النفايات البلاستيكية إلى ألياف نايلون، داخل أحد المصانع الأربعة الوحيدة في العالم المُجهزة بهذه التكنولوجيا.
ويقول بيليسييه «إنها خطوة مبتكرة»، مضيفاً «قبل أربع أو خمس سنوات، كنا عاجزين عن إعادة تدوير النفايات البلاستيكية التي تُرمى في المياه المالحة وتتعرض لأشعة الشمس»، ويشير إلى أن «سيكوال» تستخدم 10 في المئة من النفايات البلاستيكية البحرية في تركيبة خيوط البولييستر المصنوعة، فيما تسعى إلى زيادة هذه النسبة.
وبغض النظر عن الألياف التي تُنتَج في الخارج، تُعد العملية برمتها «صناعة تونسية».
وفي ظل ضجيج مريع، تحيك آلة ضخمة قماش الدنيم من خيوط الغزل داخل شركة «سيتيكس» الحديثة في بلدة قصر هلال والواقعة في جنوب شرق مدينة المنستير.
وعقد مؤسس ماركة «أوتا» للملابس أنيس منتصر شراكة مع «سيتيكس» التونسية المتخصصة في صناعة قماش الدنيم والجهة الموردة لماركات «هيوغو بوس» و«زارا» و«ديزل».
واختار منتصر هذه الشركة تحديداً نظراً «لاهتمامها بالبيئة، إذ شكّلت الألياف المعاد تدويرها نحو 70 في المئة من إنتاجها عام 2022».
ويقول «عقدنا شراكة معها لتحديد قوة الخيط المناسبة والصبغة النيلية الملائمة»، في تعاون سيستمر بهدف زيادة تشكيلة الألوان التي توفرها «أوتا» وصولاً إلى صباغات طبيعية.
ذات قيمة عالية
يبدي منتصر حرصه على هوية «أوتا» التونسية، مشدداً على أن «العملية بأسرها تتم في تونس إذ يُحاك قماش الدنيم في قصر هلال ثم يصل إلى أيادي خياطات تونسيات يضعن لمساتهن الأخيرة على المنتج».
ودعا مؤسس الماركة مصممة الأزياء الفرنسية الشهيرة مود بينيتو إلى تصميم أولى مجموعات الأوت كوتور، أو الخياطة الراقية الخاصة بشركته.
ويشير إلى أنه اختار ابتكار «تشكيلة عالية القيمة» لأن كلفة الإنتاج أعلى بنسبة 20 في المئة، ما يكلف تصميم مجموعة من قماش الدنيم المصنع بدون نفايات بلاستيكية بحرية.
لكنه يعتقد أن بإمكانه «استقطاب رواد أعمال آخرين وإلهام مصممين لإنتاج مجموعات صديقة للبيئة».
وحققت «أوتا» أولى خطواتها من خلال الظهور في أسبوع الموضة في تونس الذي أُقيم في يونيو حزيران.
وترى بينيتو أن «هذا المشروع الجميل ينطوي على تحد وبُعدٍ إنساني، مع ما يحمله من أفكار رامية إلى الحفاظ الكوكب».
وتقر بأنها واجهت صعوبات في استخدام «قماش مطاطي، سميك نوعاً ما ومخصص أساساً للملابس الجاهزة وتلك الرياضية، في ابتكار فساتين الأوت كوتور».
وكانت المصممة المُعتادة على استخدام «أقمشة فاخرة كالحرير والقطن والكتان»، مترددة بدايةً في استخدام أقمشة من ألياف البولييستر.
لكنها رأت في هذه المادة رسالة نبيلة، «بمجرد التفكير في أنها خضعت لإعادة التدوير وهي صديقة للبيئة، وأن إنتاجها وفر وظائف عدة، من دون إغفال دور جامعي النفايات البلاستيكية، وأنها عملية مثيرة جداً للاهتمام».
(أ ف ب)