عروض الألعاب النارية على أنغام الموسيقى من أكثر أشكال الاحتفال بالأعياد والمناسبات في الولايات المتحدة، ورغم أن مواجهة الانبعاثات الكربونية من أولويات الدولة، فإن الممارسة الجماعية لإطلاق الألعاب النارية المستوردة من الصين تلوث سماء الولايات المتحدة بآلاف الأطنان المترية من ثاني أكسيد الكربون.
شهر يوليو تموز من الأشهر التي تكثر فيها الاحتفالات بالألعاب النارية بالتزامن مع عيد الاستقلال الأميركي الذي يوافق الرابع من الشهر نفسه، فضلاً عن نهاية شهر ديسمبر كانون الأول ومستهل يناير كانون الثاني خلال الاحتفال برأس السنة، فعروض الألعاب النارية لا تقتصر على الحفلات التي تنظمها كل مدينة في المسارح أو الحدائق العامة، بل تشتري كذلك كل أسرة بعض الألعاب النارية لإطلاقها في هذه المناسبات بجانب منزلها.
أميركا أكبر مستورد
ولا تقتصر الاحتفالات بالألعاب النارية على هاتين المناسبتين فحسب، بل تُستخدم أيضاً في يوم ذكرى قتلى الحروب في مايو أيار، و عيد «الهالوين» في أكتوبر تشرين الأول، ويوم الرئيس، ويوم المحاربين القدامى، وليست الولايات المتحدة وحدها التي تستخدم الألعاب النارية الملوثة للبيئة، بل تستخدمها الصين في عيد رأس السنة الصينية، والهند في الأعياد الدينية الهندوسية، وفي بريطانيا، لكن أميركا كانت أكبر دولة مستخدمة للألعاب النارية على الإطلاق خلال العقد الماضي.
ووفقاً لتحليل «CNN الاقتصادية» لبيانات تجارة الألعاب النارية من موقع الكوميتريد التابع للأمم المتحدة، بلغ إجمالي استيراد الألعاب النارية لكل دول العالم 1.46 مليار دولار، وبلغ حجم الاستيراد أكثر من 330 مليون كيلوغرام في عام 2022.
تستحوذ الولايات المتحدة وحدها على 63 في المئة من إجمالي حجم استيراد الألعاب النارية حول العالم وعلى 57 من قيمة الاستيراد في عام 2022، وتليها في المرتبة الثانية بولندا، ثم ألمانيا، وبريطانيا، وهولندا، وإيطاليا.
فالولايات المتحدة أكبر مستورد للألعاب النارية على مستوى العالم خلال السنوات العشر الماضية، وسجلت 2022 أكبر نسبة استيراد خلال 11 عاماً، إذ بلغت قيمة الاستيراد 833 مليون دولار في حين بلغ حجم الاستيراد 207.6 مليون كيلوغرام بارتفاع ثمانية في المئة مقابل 2021، وبنسبة 123 في المئة مقارنة مع 2012.
الصين أكبر الموردين
جاءت الصين على رأس قائمة المصدرين للألعاب النارية حول العالم في عام 2022، واستحوذت على نسبة 93 في المئة من حجم الصادرات بما يعادل 407.8 مليون كيلوغرام بقيمة 1.14 مليار دولار، تليها ألمانيا، ثم هولندا.
ورغم التوترات السياسية بين الصين والولايات المتحدة، وفرض الأخيرة قيوداً على استيراد المنتجات الصينية، فإن 50 في المئة من حجم صادرات الألعاب النارية الصينية حول العالم يذهب إلى الولايات المتحدة.
وبلغت نسبة واردات الولايات المتحدة للألعاب النارية الصينية 99 في المئة من إجمالي وارداتها آخر عامين بحجم واردات بلغ 205 ملايين كيلوغرام في عام 2022، و98 في المئة في أغلب أعوام العقد الماضي.
سماء مُلوثة بثاني أكسيد الكربون
وفقًا لجمعية الألعاب النارية الأميركية، بلغ استهلاك الأفراد للألعاب النارية، وهي من النوع منخفض المخاطر ويستخدم للأغراض الترفيهية، 198 مليون كيلوغرام في الولايات المتحدة في عام 2022 وحققت عائدات بيع هذه الألعاب 400 مليون دولار، فيما بلغ استهلاك الألعاب النارية عالية الخطورة والمستخدمة بشكل احترافي في العروض بالفعاليات والمسارح 11.4 مليون كيلوجرام، محققة عائدات بقيمة 2.3 مليار دولار وهي أعلى قيمة في 20 عاماً.
وهذه الكمية من الاستهلاك تعني أن عروض الألعاب النارية في جميع أنحاء البلاد تنتج ما يقرب من 84.270 طن متري من ثاني أكسيد الكربون، وهذا يعادل أربعة آلاف و555 فداناً مشتعلاً جراء حرائق الغابات في يوم واحد، وفقاً لمنظمة تحالف استهلاك الطاقة الأميركية.
وقد اكتشف الباحثون في جامعة مينيسوتا بأميركا أنه عند اطلاق الألعاب النارية في وسط مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا في احتفالات الرابع من يوليو تموز، يرتفع تركيز أول أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنسبة 32 في المئة، ويزيد ثاني أكسيد الكربون بنسبة 17 في المئة، وتتضاعف نسبة أكسيد النيتريك بين عشية وضحاها.
هذه الملوثات الجوية الناتجة عن نشاط الألعاب النارية تؤثر على الكوكب، ما يؤدي إلى تغيرات في درجة حرارة الهواء والرطوبة وعوامل أخرى، ووجد الباحثون بالمجلة العلمية «بيئة الغلاف الجوي» أن المحتوى الحراري بالغلاف الجوي يزداد أثناء عروض الألعاب النارية، بالإضافة إلى ارتفاع درجة حرارة الهواء السطحي.
أمراض مزمنة جراء الجسيمات الدقيقة
يتكون دخان الألعاب النارية إلى حد كبير من نوعين من الجسيمات، من ضمنها الجسيمات الدقيقة، ويمكن أن يؤدي هذا الدخان إلى تفاقم أمراض الرئة، ويسبب نوبات الربو والتهاب الشعب الهوائية الحاد، وقد يزيد أيضاً من القابلية للإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي في الأشخاص المصابين بأمراض القلب، وقد تم ربط التعرض قصير المدى بالنوبات القلبية وعدم انتظام ضربات القلب، وفقاً لموقع مركز جودة البيئة في ولاية يوتا الأميركية.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن التعرض للجسيمات الدقيقة يرتبط بمجموعة واسعة من الآثار الضارة على صحة الإنسان، والتي تؤثر بشكل رئيسي على الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
كما تحتوي الألعاب النارية على المركبات العضوية والمعادن الثقيلة السامة التي تؤثر على صحة الإنسان، خاصة النحاس والرصاص، ما يؤدي لتعرض الرئة إلى التهابات حادة، وفقاً لبحث بعنوان «الجزيئات السامة الناتجة عن الألعاب النارية» نُشر على الموقع الحكومي الأميركي «المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية».
وكشفت دراسة أجرتها «الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي» عام 2015 ارتفاعاً في الجسيمات الدقيقة في الرابع من يوليو تموز باستخدام عينات من 315 موقعاً أميركياً لمراقبة جودة الهواء على مدار 14 عاماً، وأن متوسط تركيز الجسيمات على مدار 24 ساعة يبدأ في الساعة الثامنة مساءً.
وقد تعهدت الولايات المتحدة بتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
المعادن الثقيلة
الجسيمات ليست الملوثات الوحيدة المرتبطة بالألعاب النارية، فهي تحتوي أيضاً على الكبريت والبوتاسيوم في البارود المستخدم في مدها بطاقة الانفجار، كما تحتوي على مزيج قوي من المركبات السامة التي تعمل على إعطاء الألوان المختلفة في عروض الألعاب النارية.
فمادة الباريوم من أجل اللون الأخضر، ومركبات الليثيوم والسترونتيوم للون الأحمر، والنحاس يعطي اللون الأزرق، والألومنيوم للأبيض المبهر، وتنتقل هذه المعادن إلى الإنسان عبر الاستنشاق، وفي حين أنه من غير المحتمل أن يتسبب عرض واحد للألعاب النارية في آثار صحية دائمة، فإن التعرض المتكرر قد يكون مشكلة، وفقاً لمركز يوتا.
وعلى الرغم من أن مادة البركلورات مادة مؤكسدة تغذي التفاعل وتميل إلى التبدد أثناء الاحتراق، فلا يزال من الممكن العثور على بقايا على التربة والمياه بعد إطلاق الألعاب النارية ما يؤدي لتلوثها.
ويصنف قانون المواد الخطرة الفيدرالي الألعاب النارية على أنها خطرة، لأن المتفجرات يمكن أن تكون لها آثار جانبية خطيرة، بما في ذلك الحرائق والإصابة والموت، وتلوث الهواء هو أحد الآثار الضارة المحتملة للألعاب النارية التي تطلق غاز ثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون، والعناصر الخطرة مثل الألومنيوم والمنغنيز والكادميوم، والجسيمات.
ولا تقتصر آثار الألعاب النارية الخطرة من تلوث هواء وتأثيرها على صحة الإنسان والتربة والغابات على هذا الحد، بل تشير هيئة سلامة المنتجات الاستهلاكية الأميركية إلى إصابة أكثر من عشرة آلاف مواطن في عام 2022 بارتفاع سنوي قدره 535 إصابة.
بدائل صديقة للبيئة
اتجهت بعض المدن في ولاية كاليفورنيا لاستبدال الألعاب النارية التقليدية بعروض الدرونز الصديقة للبيئة.
وتشير الجمعية الكيميائية الأميركية إلى وجود جهود لتطوير ألعاب نارية صديقة للبيئة بانبعاثات مخفضة بنحو 50 في المئة مقارنة بالمنتجات التقليدية، وتركيبات خالية من مادتي السترونشيوم والكلور، كما ركزت مجموعات بحثية أخرى على إيجاد بدائل للمؤكسدات التقليدية مثل البوتاسيوم أو كلورات الأمونيوم.
أما الحل الثالث فيتمثل في نوع من المركبات يمنح استقراراً حرارياً ويحتوي على معادن قلوية ينتج عنه ألوان جميلة ومتنوعة أثناء الاحتراق مع تقليل استخدام المؤكسدات مثل الكلور والكبريت والمعادن الثقيلة.