تكتسب الزراعة أهمية فائقة وحيوية غير مسبوقة كونها تمثّل جسر التواصل بين حماية البيئة والنمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، فهي نبض الحياة الذي يعزز قوة كوكبنا ويشكّل منبراً مثالياً لتحقيق مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة، لتعكس بذلك الأساس الحيوي للتنمية المستدامة.
وفي خضم التحديات والمتغيرات البيئية التي تواجه عالمنا المعاصر، يواصل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية جهوده في دعم الابتكارات الزراعية عن طريق الإسهام في تنفيذ المشاريع البيئية المستدامة حول العالم.
الزراعة.. حجر الزاوية للتنمية المستدامة
تُبرز أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة أهمية الزراعة كركيزة أساسية للصحة والرخاء لكوكبنا.
فبالإضافة إلى قدرتها على توفير الغذاء، تعد الزراعة المستدامة أداة فعّالة في الحد من الفقر، وحماية التنوع البيولوجي، والتخفيف من تغيّر المناخ. ونظراً لتفاقم الآثار البيئية السلبية في الآونة الأخيرة كالتلوث وندرة المياه بسبب الممارسات الزراعية التقليدية غير المستدامة كإزالة الغابات وتعرية التربة، أصبحت الحاجة مُلحةً أكثر من أي وقت مضى إلى التحول نحو الزراعة المستدامة التي تحقق التوازن بين النمو الأخضر وإنتاج الغذاء.
الصندوق الكويتي داعم للزراعة المستدامة
في مواجهة تلك التحديات الملحة، يلتزم الصندوق الكويتي بتعزيز جهود الزراعة الخضراء في جميع أنحاء العالم النامي.
ويتجلى هذا الالتزام في أهداف الصندوق ومشاريعه التنموية المتنوعة التي تشمل تمويل البنية التحتية الزراعية، والمبادرات التي تهدف إلى بناء القدرات للمزارعين، ودعم حلول التكنولوجيا الزراعية المبتكرة.
ويعتبر تمويل مشروع تطوير نهر (مهاويلي جانجا) في سريلانكا مثالاً بارزاً على نطاق العمل العالمي للصندوق الكويتي.
فالمشروع يمتدُ على مساحة تزيد على 65 ألف هكتار، ويركّز على زراعة الأرز في الأراضي المنخفضة والتوطين البشري، وقد أسهم المشروع بشكلٍ كبير في تعزيز الأمن الغذائي في سريلانكا وزيادة الإنتاج الغذائي السنوي، بما في ذلك 0.25 مليون طن من الأرز، و1.5 مليون لتر من الحليب الطازج، و0.150 مليون طن من مختلف المحاصيل الغذائية.
وقد استفاد من هذا المشروع نحو 130 ألف أسرة، كما قدّم أيضاً مرافق البنية التحتية الاجتماعية الأساسية.
بالإضافة إلى ذلك، يعزز المشروع التزام الصندوق الكويتي بحفظ البيئة من خلال إنشاء محميات وطنية وحفظ 260 ألف هكتار من الأراضي، وتؤكد مساهمة الصندوق، التي بلغت نحو 14 مليون دينار كويتي، التزامه المستمر بتعزيز الزراعة المستدامة وتحسين رفاهية المجتمعات حول العالم.
شراكة رائدة: اتفاقية المنحة بين الصندوق الكويتي وبرنامج المستوطنات البشرية
قام الصندوق الكويتي مؤخراً بخطوة مهمة نحو التخفيف من الاختلالات البيئية، وذلك بتوقيعه اتفاقية الشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN HABITAT)، حيث أسهم بمبلغ أربعة ملايين دينار كويتي (نحو 13.2 مليون دولار أميركي) لتمويل مشروع «التكيف والصمود للعواصف الرملية والترابية العابرة للحدود بين العراق والكويت»، الذي يديره برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.
يعكس هذا التعاون الثنائي التزام الصندوق الكويتي بمواجهة التحديات البيئية الملحة في المنطقة، حيث يسعى المشروع إلى تحديد والتخفيف من أسباب العواصف الرملية والغبارية، التي تشمل العوامل المناخية والجيولوجية، وللتخفيف من تأثيراتها السلبية على الصحة العامة والاقتصادات في المناطق المتأثرة.
ويستهدف هذا المشروع بشكلٍ أساسي تقليل تكرار وشدة هذه العواصف في محافظات المثنى وذي قار في العراق، التي تسهم في نحو 40 في المئة من إجمالي الرمال والغبار الذي يتساقط على الكويت، ومن المتوقع أن تشكّل نتائج هذا المشروع منهجية قوية يمكن تطبيقها للتخفيف من الظواهر البيئية المشابهة حول العالم.
ويتماشى المشروع مع السعي نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة الرئيسية، بما في ذلك خلق مدن ومجتمعات مستدامة، وتعزيز تدابير التخفيف من تغيّر المناخ والتكيف معه، وتعزيز الشراكات العالمية.
النهج الاستباقي.. بناء القدرة على التحمل
يمكن رؤية أثر المشاريع الممولة من الصندوق الكويتي بشكلٍ واضح في مناطق (الحوز) و(تساوت) في المغرب، حيث لعب الصندوق دوراً أساسياً في مشروع الري الزراعي في المناطق الريفية، الذي يتماشى مع هدف المملكة في الاعتماد على الذات من حيث أمن الغذاء، بينما يعمل في الوقت ذاته على تحسين معيشة السكان الريفيين المحليين، الذين يتألفون من نحو عشرة آلاف أسرة.
وقد قام المشروع بشكلٍ فعّال باستخدام موارد المياه لتطوير نحو 59 ألف هكتار من الأراضي، مع تحويل التركيز الزراعي نحو مجموعة متنوعة من المحاصيل، والفواكه، وإنتاج العلف. وكانت الاستراتيجية الرئيسية هي تكثيف الإنتاج، مع تحقيق كثافة زراعية تُقدّر بنحو 130 في المئة.
ويعتمد هذا التحول على تقديم ممارسات الزراعة الحديثة، بما في ذلك الميكنة، وتحسين التسميد الأرضي، وتقنيات الري المعاصرة، ويترافق هذا التحول مع برامج تدريبية تهدف إلى تعزيز مهارات المجتمع الزراعي المحلي وتحسين البنية التحتية الأساسية، ما يقود المنطقة نحو الرخاء الزراعي.
وقد بلغت مساهمة الصندوق الكويتي في هذا المشروع الحيوي نحو 19.5 مليون دينار كويتي، ما يشير إلى التزامه الكبير بتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة ورفع مستوى المجتمعات في المنطقة العربية.
ويعتبر نجاح هذه المبادرة في المغرب نموذجاً ملهماً للتنمية الزراعية وتمكين المجتمع، وهو الأمر الذي يسعى الصندوق الكويتي إلى تكراره في جميع أنحاء العالم العربي.
تمكين المجتمعات.. النهج من الأسفل إلى الأعلى
من أهم مصادر الحياة الزراعة والمساحات الخضراء، حيث إنها الأساس في إنتاج الغذاء وتشغيل المجتمعات بالإضافة إلى إبراز الجمال البيئي.
ويسعى الصندوق الكويتي للتنمية إلى أن يكون شريكاً في التقدم والتنمية ويسهم من خلال مسؤولياته الاجتماعية وبصيرته الاقتصادية إلى تحقيق الاستقرار العالمي والاستثمار المستدام.. إن هذه المسؤولية لا تبني علاقات تعاونية للصندوق فحسب، بل على العكس، فهي تجعل من الصندوق كياناً ذا تأثير عالمي يعزز من خلاله مكانة دولة الكويت في المجتمع الدولي.
وأسهم الصندوق خلال السنوات الأخيرة، بعد جائحة كورونا، في تمويل عدة مشاريع ذات أهمية كبيرة في الزراعة والأمن الغذائي، منها ما يلي:
1) مشروع سد مهمند متعدد الأغراض (باكستان)
وهو ضمن استراتيجية الدولة في استغلال المياه السطحية لأغراض الزراعة المروية، إضافة إلى مياه الشرب وتوليد الطاقة الكهربائية ونشاطات أخرى. وتُقدّر المساحة الزراعية المستفيدة من المشروع بأكثر من 70 ألف هكتار، ويسهم المشروع في زيادة الكثافة المحصولية إلى أكثر من 130 في المئة، وتنويع الإنتاج المحصولي ليصل إلى نحو 1.7 مليون طن، وتبلغ مساهمة الصندوق في تمويل المشروع بنحو 30 مليون دينار كويتي.
2) مشروع تطوير سلسلة إنتاج الأرز (الكاميرون)
ويهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ثلاثة أقاليم، من خلال استصلاح نحو خمسة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية الجديدة لإنتاج الأرز لدعم استراتيجية الأمن الغذائي وتحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة، ويستفيد من المشروع مباشرة أكثر من 120 ألف أسرة ضمن سلسلة تطوير الإنتاج ومنهم أكثر من 50 في المئة من النساء.
وأسهم الصندوق بمبلغ قدره ستة ملايين دينار كويتي في تمويل المشروع.
3) مشروع الزراعة الأسرية (غينيا بيساو)
يهدف إلى تعزيز الزراعة الأسرية وتحسين وسائل الإنتاج ورفع المستوى المعيشي للأسر الفقيرة، ويسهم المشروع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ الأول (القضاء على الفقر)، والثاني (القضاء على الجوع)، والخامس (المساواة بين الجنسين)، والثامن (العمل اللائق ونمو الاقتصاد)، والسابع عشر (عقد الشراكة). ويغطي المشروع مساحات مستفيدة تُقدّر بأكثر من 17 ألف هكتار، ويستفيد من المشروع 26 ألف أسرة فقيرة، و80 في المئة منهم نساء وشباب، ويبلغ قرض الصندوق نحو 4.5 مليون دينار كويتي.
4) مشروع برنامج عمليات بنك أوغندا للتنمية (2020-2024)
يهدف المشروع إلى دعم مشاركة القطاع الخاص في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد من خلال توفير التمويل اللازم لمشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم ومتناهية الصغر لتحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة.
هذه المشاريع قائمة ولم تنتهِ بعد وسوف تستغرق ما بين عامين وأربعة أعوام قادمة.
وفيما يتعلق بالمشاريع الجديدة التي ينوي الصندوق القيام بها مستقبلاً، فهذا يعتمد على أولوية الدول التي ترغب في مساعدة الصندوق، الذي لا يفرض أي نوع من القيود في اختيار المشاريع وذلك حسب اختيار الدولة.
ويسهم المشروع في توفير الموارد المالية اللازمة للمستفيدين للقيام بأعمال تأهيل وتوسعة منشآت قائمة وأخرى جديدة، وشراء الاحتياجات اللازمة، وتوفير الأساسيات للمشاريع الزراعية والصناعات الغذائية، وتمويل نشاطات تجارية وخدمات، وتجهيزات صحية وتعليمية، والنقل والتصنيع والتعدين، وذلك لتمويل مشاريع ذات جدوى اقتصادية ومالية لتعزيز القاعدة الإنتاجية على مستوى البلاد، ويغطي المشروع مختلف مناطق البلاد، وقد أسهم الصندوق بمبلغ ستة ملايين دينار بشروط ميسرة جداً.
* عبدالرضا بهمن يشغل منصب مستشار أول هندسي في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.
** الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».