تصدّر الغذاء والتغير المناخي اهتمامات مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (كوب 28) بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية القادرة على الصمود وتقليل الانبعاثات، إذ وقّع 134 من قادة العالم على إعلان بشأن الزراعة والغذاء والعمل المناخي لحشد أكثر من 2.5 مليار دولار من التمويل لدعم الأمن الغذائي مع مكافحة تغير المناخ، فلماذا أَولى مؤتمر المناخ هذا الاهتمام للزراعة والتغير المناخي؟ البيانات تجيب.
مصدر رئيسي للغازات الدفيئة
النتيجة واحدة، فقد خسرت (جين) مالكة مزرعة توت بري في ولاية ألاباما الأميركية محصول مزرعتها بسبب موجات من البرد القارس في غير موعدها بداية هذا العام، بينما تلف محصول (محمد) من الطماطم على الناحية الأخرى من كوكب الأرض، في أقصى صعيد مصر جرّاء ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة.
وبسبب خسارة المحاصيل الزراعية وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وقّعت الدول على الاتفاقية التي تضم أكثر من 5.7 مليار نسمة وما يقرب من 500 مليون مزارع، وتنتج 70 في المئة من الغذاء الذي نأكله، وهي المسؤولة عن 76 في المئة من جميع الانبعاثات الناجمة عن النظم الغذائية العالمية.
وفي ضوء ذلك، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة ومؤسسة بيل وميليندا غيتس شراكة بقيمة 200 مليون دولار أميركي لأنظمة الغذاء والابتكار الزراعي والعمل المناخي، تركز على البحوث الزراعية وتوسيع نطاق الابتكارات الزراعية بمؤتمر المناخ 28.
وتُمثّل قطاعات الأنظمة الزراعية ثلث إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة، والناجمة بشكل رئيسي عن إزالة الغابات، وإنتاج الماشية، والتربة، وهدر الطعام، وفقاً لتقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لعام 2023.
وتنتج انبعاثات الغازات الدفيئة من أنظمة الأغذية الزراعية؛ من المزارع، والمحاصيل، وأنشطة الإنتاج الحيواني، عن طريق تغيير استخدام الأراضي على سبيل المثال إزالة الغابات، وفي عمليات ما قبل وما بعد الإنتاج مثل تصنيع الأغذية والنقل وتجارة التجزئة والاستهلاك المنزلي والتخلص من النفايات الغذائية.
ووفقاً لتحليل «CNN الاقتصادية» لأحدث بيانات انبعاثات النظم الغذائية الزراعية الصادرة عن منظمة الفاو لأكثر من 200 دولة، فإن إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة المباشرة الناجمة عن أنظمة الأغذية الزراعية في 2021 بلغ 16 مليار طن، بارتفاع بنسبة اثنين في المئة مقارنةً بعام 2012، و10 في المئة مقارنة بعام 2000.
وكانت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن إزالة الغابات وانبعاثات الميثان من الماشية أحد أكبر مسببات الغازات الدفيئة، إذ تشكلان معاً 40 في المئة من إجمالي انبعاثات أنظمة الأغذية الزراعية.
يشدد البنك الدولي على أنه بدون اتخاذ إجراءات ملموسة للتخفيف من آثار تغير المناخ في قطاع الأغذية الزراعية، لا يمكن تحقيق أهداف اتفاقية باريس، وبدون اتخاذ إجراءات سترتفع الانبعاثات الناجمة عن النظم الغذائية بشكل أكبر، مع زيادة إنتاج الغذاء.
آسيا أكبر مصدر للانبعاثات
في عام 2021، كانت انبعاثات أنظمة الأغذية الزراعية هي الأكبر في آسيا بنسبة 42.1 في المئة بما يعادل 6.8 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وفي الأميركتين بنسبة 26.3 في المئة بإجمالي 4.3 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، ما يعكس الحجم الكبير لسكانها ومنطقتها الجغرافية، تليها إفريقيا بنسبة 17.6 في المئة بما يعادل 2.8 مليار طن، ثم أوروبا بنسبة 12.3 في المئة بما يعادل 1.9 مليار طن.
الصين هي أكبر الدول المسببة لانبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون في أنظمة الأغذية الزراعية بإجمالي 2.3 مليار طن من الانبعاثات، أي بنسبة 14.3 من إجمالي الانبعاثات في عام 2021، تليها البرازيل بنحو 1.4 مليار طن، ثم الهند بنحو 1.3 مليار طن.
الزراعة تتصدر الانبعاثات
وفقاً للبيانات التي حللتها «CNN الاقتصادية»، فإن الانبعاثات الناتجة أثناء زراعة الأراضي هي المسبب الأكبر للانبعاثات بإجمالي 10.8 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون أي بنسبة 67.1 في المئة، يليها البيع المباشر للمحاصيل من المزارع بإجمالي 7.7 مليار طن، ثم مرحلة ما قبل وما بعد الإنتاج بنحو 5.3 مليار طن، ثم التغير في استخدام الأراضي مثل إزالة الغابات أو تحويل الأراضي الزراعية إلى مبانٍ بنحو 3.1 مليار طن.
الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن المُسبب للانبعاثات أثناء مراحل أنظمة الأغذية الزراعية يتباين بين المناطق، ما يعكس الاختلافات الهيكلية في أنظمة الإنتاج والتوزيع في جميع أنحاء العالم، فكان السبب الأكبر للانبعاثات في إفريقيا والأميركتين هو استخدام الأراضي الزراعية بنسبة 43 في المئة و31 في المئة على التوالي من إجمالي نظام الأغذية الزراعية، وعلى العكس من ذلك، لوحظت انبعاثات كبيرة في مرحلة قبل وبعد الإنتاج الزراعي في آسيا 42 في المئة، وفي أوروبا 44 في المئة، وفقاً لمنظمة الفاو.
قسمت بيانات منظمة الفاو الأنظمة الزراعية إلى عشرين مكوناً قبل وأثناء وبعد الزراعة هي الأكثر تسبباً للانبعاثات، وجاء في المرتبة الأولى الماشية المرتبطة بالزراعة بإجمالي 4.2 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، تليها إزالة الغابات 2.9 مليار طن، ثم التخلص من نفايات أنظمة الأغذية الزراعية، واستهلاك الأسر من الغذاء بنحو 2.1 مليار طن لكل منهما، ثم استخدام الطاقة في المزارع بـ928 مليون طن، ثم الانبعاثات من المحاصيل بنحو 919 مليون طن.
الأمن الغذائي والزراعة الذكية مناخياً
ولا يتوقف الأمر عند تأثير انبعاثات الغازات الدفيئة من النظم الزراعية فقط، ولكن تتأثر المحاصيل أيضاً بسبب التغيرات المناخية المتباينة، فوفقاً لبحث بعنوان (تأثير تغير المناخ على تكيف المحاصيل)، نشرته المكتبة الأميركية الوطنية للطب، لفت التهديد المتمثل في تباين المناخ العالمي انتباه العلماء إلى حد كبير، إذ إن هذه الاختلافات لها تأثير سلبي على إنتاج المحاصيل العالمي وتضر بالأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، وتُعتبر الزراعة من أكثر الأنشطة المهددة التي تتأثر سلباً بالتغيرات المناخية، لذلك فإن الزراعة الذكية مناخياً هي الحل الوحيد.
وتشير منظمة الفاو إلى إمكانية خفض انبعاثات الغازات الدفيئة من خلال وقف إزالة الغابات بنحو 11 في المئة سنوياً، ويمكن لأنظمة الثروة الحيوانية المستدامة أن تقلل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 30 بالمئة، كما يمكن أن يساعد التحول نحو أنظمة غذائية وزراعية مستدامة في تقليل تكاليف تغير المناخ بما يصل إلى 1.3 تريليون دولار أميركي.
وعلى الرغم من التسبب في ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، فإن أنظمة الأغذية الزراعية لا تتلقى حالياً سوى أربعة في المئة من تمويل المناخ، ولا يذهب سوى خُمس هذا المبلغ إلى أصحاب الأراضي الصغيرة، إذ تحتاج التدفقات المالية الحالية إلى إعادة هيكلتها من أجل دعم التحول المستدام في نظام الأغذية الزراعية، وفقاً لتوصيات البنك الدولي.