انتهت الدورة الثامنة والعشرون لمؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ، والمعروف باسم كوب 28، في 13 ديسمبر كانون الثاني 2023، بتعهد الأطراف بمضاعفة قدرة الطاقة المتجددة العالمية ثلاث مرات بحلول عام 2030.. فما مدى صعوبة تحقيق هذا الهدف؟ وهل هو التحدي الوحيد الذي يعيق تنفيذ التعهد؟ وفي أي الأسواق يكون تحقيق الهدف أسهل أو أصعب؟
بعد مرور نحو عشرة أشهر من موافقة الأطراف على الاتفاق «التاريخي» للتحول عن الوقود الأحفوري، أشار الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، رئيس مؤتمر الأطراف كوب 28، إلى وجود تحديات عدة تعيق تنفيذ ذلك الاتفاق.
فخلال كلمته أمام القمة العالمية للطاقة المتجددة، التي تعقد على هامش اجتماعات الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الجابر إن «القدرة الإنتاجية العالمية للطاقة المتجددة زادت ثماني مرات في السنوات العشرين الماضية، بالتزامن مع انخفاض تكاليفها بأكثر من 80 في المئة، إذ أصبحت تكلفة الطاقة الشمسية أقل من أي مصدر آخر للطاقة»؛ لافتاً إلى أن هذه الزيادة «تاريخية» لكنها لا تتم بالسرعة المطلوبة.
القدرة الإنتاجية العالمية للطاقة المتجددة
يعد هدف مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات حتى عام 2030، وفقاً لاتفاق الإمارات التاريخي، مهمة صعبة بالنسبة لجميع الحكومات؛ إذ خلص تقرير صادر عن «إس آند بي غلوبال» في مارس آذار الماضي إلى أنه على الرغم من أن هدف مضاعفة الطاقة المتجددة ثلاث مرات ليس محدداً لكل دولة على حدة، فهو عالمي، أو هدف «جماعي»، وتحقيقه سيتطلب تسريع نشر الطاقة المتجددة في الأسواق ذات الظروف المختلفة بشكل كبير.
وتشير توقعات إس آند بي إلى أن القدرة العالمية المركبة من مصادر الطاقة المتجددة سوف تتضاعف بأكثر من الضعف من مستوى عام 2022 إلى أكثر من 7 آلاف غيغاواط بحلول عام 2030، ولكن من غير المرجح أن تتضاعف ثلاث مرات قبل عام 2037.
ومن بين الأسواق الرئيسية، تعد الصين واحدة من أقرب الأسواق إلى تحقيق هدف مضاعفة ثلاثة أضعاف، لكنها لم توقع على التعهد العالمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
وتتمتع الأسواق الأخرى بفرصة ضئيلة لمضاعفة قدرتها الحالية ثلاث مرات قبل عام 2035، مع امتداد الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية إلى أربعينيات القرن الحادي والعشرين، على افتراض أن الطاقة الكهرومائية مدرجة في الهدف.
ونمت القدرة العالمية للطاقة المتجددة بنسبة ملحوظة بلغت 6 في المئة سنوياً على مدى السنوات الخمس الماضية، ومع ذلك، هناك حاجة إلى معدل نمو سنوي بنسبة 17 في المئة من عام 2024 إلى عام 2030 للوفاء بتعهد مضاعفة ثلاثة أضعاف.
وارتفعت كذلك إضافات القدرة المتجددة إلى أكثر من 400 غيغاواط في عام 2023، ولكن يجب أن تزداد وتيرة الإضافات الجديدة لتحقيق الهدف.. إن مضاعفة القدرة المركبة على مستويات 2022 سوف تتطلب ما لا يقل عن ألف غيغاواط من الإضافات الجديدة سنوياً، وهو ما يزيد على ضعف المستوى الحالي.
ومع ذلك، فإن الأسواق لا تسهم في تحقيق الهدف بالتساوي؛ فالبلدان ذات القدرة المحدودة على توليد الطاقة المتجددة اليوم تتعرض لضغوط أقل نظراً لأن مساهماتها لن تحرك الاتجاه العالمي بشكل كبير.. على سبيل المثال، إذا ضاعفت جميع البلدان في جنوب شرق آسيا قدرتها المركبة أربع مرات (بدلاً من ثلاثة أمثالها)، فإن هذا لن يمثل سوى 10 في المئة من الجهد المتوقع من الولايات المتحدة، وتشكل الإضافات المتوقعة لقدرة الصين وحدها على توليد الطاقة المتجددة خلال الفترة 2024-2030 مجموع كل الإضافات الأخرى في جميع أنحاء العالم.. بعبارة أخرى، فإن الوفاء بالتعهد العالمي يكاد يكون مستحيلاً بدون الصين.
تحفيز استثمارات القطاع الخاص
تطرق الجابر في كلمته إلى تحدٍ آخر من شأنه عرقلة الوفاء بتعهدات كوب 28 وهو عدم تحفيز استثمارات القطاع الخاص بشكل كافٍ، الأمر الذي «يتطلب طمأنة المستثمرين بأن مشروعاتهم سترتبط بشبكة كهرباء قادرة على توزيع إنتاجهم».
وأكد كذلك أهمية إعادة النظر في نماذج التمويل المناخي القديمة ودعم نماذج جديدة أفضل، ودعا مؤسسات التمويل الدولية إلى توفير التمويل بشكل مُيسَّر وتكلفة مناسبة، وتحفيز التمويل الخاص من خلال نماذج مشتركة مبتكرة.
في السياق ذاته، وجّه المدير التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سيمون ستيل نداءً عاجلاً لتوفير المزيد من التمويل لأكثر من 40 وزيراً ومفاوضاً اجتمعوا في أول قمة رئيسية للمناخ هذا العام في مارس آذار الماضي.
وقال ستيل «تواجه منظمتنا، اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، الآن تحديات مالية شديدة، نحن نحاول تلبية تفويض متزايد باستمرار، مهمتنا هي تسهيل عملكم للقيام بالمهام التي اتفقتم جميعاً على أننا يجب أن نقوم بها، ولكن لا يمكننا القيام بذلك إلا إذا حصلنا على دعم التمويل».
وأبرز ستيل أن ميزانية المنظمة ممولة وقتها بأقل من النصف.
كانت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ قدّرت أنها بحاجة إلى نحو 152 مليون يورو (نحو 165 مليون دولار) في الفترة 2024-2025 للقيام بعدد متزايد من الأنشطة التي تطلب البلدان من هيئة المناخ أن تكون مسؤولة عنها.
ولكن في بون في يونيو حزيران 2023، وافقت البلدان فقط على ميزانية أساسية تبلغ 74 مليون يورو (نحو 80.4 مليون دولار)، مع مساهمات إلزامية تقدمها الحكومات على أساس ثرواتها، وكان هذا زيادة بنسبة 19 في المئة على ميزانية العامين السابقين، متجاهلة التضخم.
وهذا ترك هيئة المناخ مع فجوة قدرها 78 مليون يورو (نحو 85 مليون دولار) والتي يجب ملؤها بالتبرعات الطوعية من الحكومات والكيانات الخاصة.
هذه الأموال مطلوبة لترتيب عشرات الاجتماعات في جميع أنحاء العالم حول خيوط التفاوض الرئيسية مثل هدف تمويل المناخ الجديد -الذي سيتم الاتفاق عليه في مؤتمر الأطراف كوب 29– والهدف العالمي بشأن التكيف وسوق الكربون الجديدة بموجب المادة 6 من اتفاق باريس.
من ناحية أخرى، تشير تقديرات إس آند بي غلوبال إلى أن العديد من الاقتصادات الناشئة سوف تواجه صعوبات في المنافسة على الاستثمار الأخضر مع تحسين الوصول الأساسي إلى الطاقة، كما تدفع أسعار الفائدة المرتفعة وعدم اليقين السياسي والاقتصادي المستثمرين إلى التراجع إلى الأسواق المتقدمة.
ووفقاً لتقرير رؤى السلع العالمية لإس آند بي، فإن الحوافز الحكومية الكبيرة المقدمة في الولايات المتحدة وأوروبا والصين ستؤدي إلى أن تشكل الأسواق الثلاث أكثر من 70 في المئة من الإضافات العالمية للطاقة المتجددة خلال الفترة 2024-2030.
كما ستؤثر التغييرات في سلسلة توريد الطاقة المتجددة، التي تحفزها سياسات جديدة بشأن متطلبات المحتوى المحلي، على التوزيع الجغرافي للبنية.
ويتمثل أحد المطالب الرئيسية من الجنوب العالمي في أن تخصص البلدان المتقدمة رأس المال والمساعدة الإنمائية للبلدان النامية.