وسط جبال الألب الدينارية في البوسنة والهرسك، ينبض «قلب أوروبا الأزرق» بجمال طبيعي نادر، يتدفق عبر أنهار نقية تحتضن حياة برية مهددة بالانقراض، وتعد شرياناً بيئياً حيوياً للقارة، لكن هذا القلب معرَّض لخطر جديد يهدد بتغيير مجراه؛ فمشروعات الطاقة الكهرومائية تنتشر على امتداد نهر نيريتفا، مستهدفة بناء سدود عملاقة قد تعوق تدفق المياه وتدمر النظام البيئي الثمين.

ومع تصاعد الطلب العالمي على الطاقة المتجددة، يقف العلماء والمدافعون عن البيئة في معركة محتدمة لإنقاذ هذه الجوهرة الطبيعية.

نهر نيريتفا

يشق نهر نيريتفا طريقه عبر غابات البوسنة والهرسك الكثيفة، متلألئاً بلون أزرق-أخضر ساحر على امتداد 225 كيلومتراً، بدءاً من جبال الألب الدينارية وصولاً إلى البحر الأدرياتيكي، حيث يختفي في بعض النقاط داخل قنوات تحت الأرض قبل أن ينبعث مجدداً في ينابيع متدفقة، يُعدُّ هذا النهر من أبرد الأنهار في العالم، ويحتضن أنظمة بيئية فريدة وأنواعاً نادرة من الكائنات، مثل سمك السلمون المرقط الرخامي، والضفدع الأصفر البطني، والسلمندر الأعمى الذي يعيش في شبكة الكهوف النهرية.

ولكن مستقبل النهر مهدد بسبب مشروعات بناء السدود، ووفقاً لمركز البيئة في البوسنة، هناك أكثر من 50 مشروعاً للطاقة الكهرومائية مخطط على امتداد النهر وروافده، مع وجود نصف هذه المشروعات في مناطق النهر العلوية التي ما زالت بكراً وخالية من التعديات البشرية، وقد تشكّل هذه السدود تهديداً على النهر وعلى الكائنات التي تعتمد على هذه البيئة الفريدة.

في قرية أولوج على نهر نيريتفا، يجري العمل حالياً على بناء محطة كهرومائية بطاقة 35 ميغاواط وسد بارتفاع 53 متراً؛ ما أدى إلى قطع الأشجار واستحداث طرق للمركبات الثقيلة، ما شوَّه المناظر الطبيعية للغابات المحيطة، في هذا الموقع، اجتمع أكثر من 60 عالماً من 17 دولة في «أسبوع نيريتفا العلمي» بهدف موحد: إنقاذ نهر نيريتفا. يقول أولريش إيكلمان المدير التنفيذي لمنظمة Riverwatch ومنسق حملة «إنقاذ قلب أوروبا الأزرق»: «يريدون مساعدتنا في إنقاذ هذا النهر الرائع، إنه واحد من أكثر الأنهار تنوعاً حيوياً وقيمة في أوروبا، وفي الوقت نفسه، هو الأكثر تعرضاً للتهديد».

أوروبا والسدود

تضم أوروبا أكبر شبكة من الأنهار المحاطة بالحواجز، حيث تشير الأبحاث إلى وجود أكثر من مليون حاجز، وقد أثرت هذه الحواجز سلباً على الحياة البرية، إذ أصبح ثلث الأنواع السمكية معرضاً للانقراض، لكن نهر نيريتفا ظل صامداً حتى الآن، حيث يدعم نظاماً بيئياً صحياً، ويُعتقد أنه يحتوي على آخر مناطق التكاثر لسمك السلمون المهدد بالانقراض.

يسعى العلماء مثل كورت بينتر، عالم البيئة المائية، لدراسة تأثير مشروعات السدود المحتملة على الأنواع النهرية من خلال استخدام تقنيات متقدمة مثل الصيد الكهربائي وتحليل الحمض النووي البيئي، ويخشى بينتر أن تؤدي هذه المشروعات إلى عرقلة دورة تكاثر سمك السلمون ذي الفم اللين؛ ما يهدد بانقراضه.

معضلة الطاقة المتجددة

تعتمد البوسنة بشكل كبير على الطاقة الكهرومائية التي أسهمت في 37% من إنتاجها الكهربائي في 2021، ومع تحول العالم عن الوقود الأحفوري، أصبحت منطقة البلقان، الغنية بالأنهار غير المستغلة، هدفاً للمشروعات الطاقيّة المدعومة من الاتحاد الأوروبي لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، إلا أن العلماء والمدافعين عن البيئة يطالبون باتباع نهج صارم في التخطيط لهذه المشروعات، مع تحديد مناطق يُحظر فيها بناء السدود حفاظاً على التنوع البيئي.

نموذج اقتصادي بديل

يمكن أن تحقق الأنهار الحرة مكاسب اقتصادية من خلال السياحة البيئية مثل التجديف وصيد الأسماك والتخييم، وقد أُعلن في وقت سابق من هذا العام عن تحويل نهر فيوسا في جنوب ألبانيا إلى أول حديقة وطنية للأنهار البرية، ما قد يوفر حماية طويلة الأمد للنهر وللمجتمعات المحلية من خلال السياحة المسؤولة.

رغم أن نهر نيريتفا قد لا يصل إلى وضع محمية نهرية وطنية، فإن الحفاظ على مقاطعه السليمة لا يزال ذا قيمة بيئية كبيرة، وبرغم التأخر في وقف بناء سد أولوج، نجحت الحملة مؤخراً في إلغاء عقود لبناء محطات صغيرة على روافد النهر، كما حظيت بدعم اتفاقية برن لحماية الحيوانات والنباتات الأوروبية.

يختم إيكلمان بقوله: «ندعوه (قلب أوروبا الأزرق)؛ لأنه المنطقة الأخيرة التي لا تزال تحافظ على جمالها الطبيعي، إنها هبة لأوروبا وللأرض، لدينا فرصة واحدة للحفاظ على نبض هذا القلب الأزرق».