قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في خطاب في دافوس اليوم الأربعاء، «إن العالم ينظر في عين إعصار من الفئة الخامسة».
وشملت التهديدات التي حذر منها غوتيريش الأزمة المالية العالمية في وقت تواجه فيه أجزاء كثيرة من العالم الركود فيما يواجه العالم بأسره تباطؤ اقتصادي، إضافة إلى ما نشهده من المزيد من عدم المساواة وانتشاراً سريعاً لأزمة تكاليف المعيشة والتي تؤثر على النساء أكثر من غيرهم، واضطرابات سلسلة التوريد ونقص في الطاقة وارتفاع في الأسعار، وارتفاع نسبة الفوائد المصاحب للتضخم، وتأثير مستويات الديون على البلدان الهشة، يضاف إلى كل ذلك آثار الجائحة التي لم تغادرنا فلا يزال كوفيد يضغط على الاقتصادات في حين أن إخفاق العالم في التصدي لجوائح مستقبلية تعتبر سذاجة معيقة.
وقال «لم نستخلص درساً عالمياً في مجال الصحة العالمية ولسنا على استعداد لأي وباء آخر».
وأضاف «أن كل ذلك يضاف إلى التحدي الوجودي، نتلاعب مع كارثة مناخية وكل أسبوع يحمل إلينا قصة رعب مناخية جديدة وانبعاثات غاز الدفيئة وصلت إلى مستويات قياسية وهي بازدياد، والالتزام بالحد من درجات الحرارة إلى درجة ونصف قد تلاشت، وإذا لم نتخذ الإجراءات إضافية فنحن نتجه باتجاه 2.8 درجة من الارتفاع وستكون العواقب مدمرة إذ ستصبح أجزاء كبيرة من كوكبنا غير قابلة للحياة وهذا يعني حكما بالإعدام بالنسبة لكثيرين».
وانتقد حالة التشرذم التي وصل إليها عالمنا، قائلا «نحن بحاجة إلى التعاون، وعالمنا يعاني من عاصفة على العديد من الجبهات».
وشبه أزمات العالم الراهنة وتحديداتها بحادث سيارات متسلسل.
انقسام الشرق والغرب.. الشمال والجنوب
وقال «نحن نواجه أسوأ انقسام جيوسياسي وانعدام للثقة منذ أجيال، قائلاً»أولاً الانقسام بين الشرق والغرب فنحن نخاطر بما بما أسماه الكسر الكبير”.
تابع: «نواجه انفصال أكبر اقتصادين في العالم، ثمة شرخ سينتج مجموعتين مختلفتين من القواعد التجارية وعملتين مهيمنتين وشبكتي إنترنيت».
وقال «صندوق النقد الدولي يقول ان تقسيم العالم إلى كتلتين يمكن أن يقلص إجمالي الناتج العالمي بمقدار 4.1 تريليونات دولار».
كما أشار إلى تعميق الانقسام بين الشمال والجنوب، قائلاً «أنه غير مقتنع أن العالم الأكثر ثراء يستوعب الإحباط والغضب في دول الجنوب، الإحباط والغضب في توزيع اللقاحات، والإحباط والغضب في التعافي من الجائحة، والإحباط والغضب تجاه نظام مالي مفلس أخلاقياً، إذ يزيد التفاوت من عدم المساواة الاجتماعية، ونظام ما يزال يرفض تخفيف أعباء الديون والتمويل للبلدان الهشة ومتوسطة الدخل والتي هي بأشد الحاجة إلى ذلك، نظام رأت فيه معظم الدول التي تعد من الأفقر في العالم دفعات خدمة ديونها ارتفعت 35 في المئة في العام الماضي وحده».
وأكد الحاجة إلى إصلاح الثقة وإصلاح النظام المالي العالمي من أجل الحد من الفقر والجوع والوصول إلى التمويل، وتخفيف أعباء الديون.
وقال «يتعين على المصارف الإنمائية تغيير نمط أعمالها وعليها أن تركز على استخدام التمويل الخاص بصورة منهجية».
وتحدث عن معركة المناخ التي نخسرها الآن تحت أنظارنا، مؤكداً ضرورة العمل معاً من أجل سد فجوة الانبعاثات، وهذا يعني التخلص التدريجي من الفحم وتعزيز ثورة الطاقة المتجددة.
الوفاء بـ100 مليار
وقال غوتيريش «يجب أيضاً من ناحية أخرى على البلدان المتقدمة الوفاء بالتزاماتها المالية المناخية البالغة 100 مليار دولار لدعم البلدان النامية، ويجب مضاعفة تمويل التكيف».
وأشار إلى ان الدول صاحبة الانبعاثات الأكبر أي دول مجموعة العشرين عليها أن تتحد حول اتفاقية التضامن المناخي والتي يبزلون فيها جهداً إضافياً في العقد الحالي من 2020 إلى 2030 أجل الحفاظ على ارتفاع 1.5 درجة بحد أعلى.
ويجب على البلدان المتقدمة ان تقدم المساعدة المالية والتقنية لمساعدة الاقتصادات الناشئة الرئيسية لمساعدتها في تسريع تحولها إلى مصادر الطاقة المتجددة.
مشاركة القطاع الخاص في التصدي لأزمة المناخ
وأكد ان أهدافنا المناخية تتطلب مشاركة كاملة من القطاع الخاص، فالمزيد والمزيد من الشركات بدأت تلتزم بانبعاث صفري صافي للكربون، ويجب ان تساعد على التحول إلى الصناعة الخضراء لأن عكس ذلك يعني فشلنا في تحقيق الهدف المنشود البالغ 1.5 درجة في حرارة الأرض.
معايير مضللة
وقال «تتطلب الأهداف انخراط القطاع الخاص، وهناك شركات بدأت الالتزام بسياسة انبعاث صفري صافي للكربون لكن المعايير غالباً ما تكون مشبوهة وضبابية ما من شأنه تضليل المستهلكين والمستثمرين والمشرعين بسرديات كاذبة وهذا يغذي ثقافة التضليل المعلوماتي ويفتح الباب على مصراعيه للاحتيال على الالتزامات الخضراء».
وأوضح أن فريق الخبراء المعني بالالتزامات المتعلقة بالالتزامات الصفرية مؤخراً دليلاً لكيفية الوفاء بالالتزامات بطريقة موثوقة ومسؤولة بالالتزامات بانبعاثات صفرة صافية.
ودعا جميع قيادات الأعمال إلى العمل بناء على هذه الأدلة الإرشادية، لوضع خطط انتقالية تتسم بالمصداقية وشفافية بشأن كيفية تحقيق هذه المسألة وتقديم هذه الخطط بحلول نهاية هذا العام.
وقال «إن الانتقال إلى صفر انبعاثات يجب ان تستند إلى تخفيضات حقيقية في الانبعاثات بدلاص من الاعتماد على الرصيد الكربوني وأسواق الظل».
وأخيراً فإن ما ذكرناه عن انخراط القطاع الخاص في مسألة التغير المناخي ينطبق أيضاً على عدد من التحديات الأخرى، وأشار إلى أن الإجراءات الحكومية ضرورية ومن الواضح أنها ليست كافية قائلاً «علينا أن نجد سبلاً لتعزيز قدرة لقطاع الخاص على أداء دوره الكامل إلى ما لا نهاية».
وأكد الحاجة إلى تهيئة بيئة تنظيمية وتحفيزية مناسبة لدعم القطاع الخاص عوضاً عن الإجراءات الأخرى مثل الدعم الحكومي والقيود التي تقوض ذلك.
وبيّن انه بدون تهيئة ظروف لمشاركة القطاع الخاص على نطاق واسع لن يكون من الممكن زيادة المبلغ اللازم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة من مليارات الدولارات إلى تريليونات الدولارات.
تجاهل الأزمة
وفي رده على تجاهل تكلفة عدم العمل، أشار غوتيريش إلى أن تكلفة العمل هي تكلفة اليوم ولكن تكلفة عدم العمل سندفعها لاحقاً، وهناك تفضيل للوقت الراهن في عالم السياسة، ومعظم الخيارات السياسية ما زالت تتخذ بوجهات نظر قصيرة الأجل، وفي عالم الأعمال هناك ميل لتحقيق أهداف قصيرة الأمد كذلك ونسيان كل شيء عن المستقبل لأن هذ امر نعمل عليه لاحقاً، وهذا أمر علينا العمل على تغييره في القطاعين الخاص والعام.
وتابع «أعتقد انه سيكون من الأسهل القيام بذلك في القطاع الخاص ولكن على الناس أن يفهموا أننا نواجه هذا النوع من التحديات ومن الأفضل أن نتخذ قرارات اليوم التي لن تكون شعبية او مقبولة كثيراً اليوم ولكن يمكن ان تؤدي إلى تشكيل الرأي بصورة أفضل للمستقبل».
نقطة اللاعودة
وقال في حديثه خلال جلسة نقاشية في دافوس «وصلنا إلى نقطة اللاعودة الآن فيما يخص الازمة المناخية، لدينا كوكب واحد والتنوع الحيوي فقد الجاذبية لدى السياسيين، وجميع السياسيين يركزون على الحرب في أوكرانيا والأمن وما إلى هنالك، لكن التهديد المناخي هو تهديد وجودي، واليوم وصلنا إلى نقطة اللاعودة ونقطة يمكن أن تكون حاسمة في الوصول إلى الكارثة، وكان يمكن أن نتصرف قبل 10 او 20 سنة، علينا أن نتصرف أفضل من أن نتصرف في المستقبل عندما يكون قد فاتنا الوقت».