تقتات أعداد كبيرة من النساء التونسيات من جمع الأعشاب البرية الثمينة من الغابات المنتشرة في سفح التلال في شمال غرب تونس، لكن انتشار الجفاف وحرارة الشمس المتزايدة في السنوات الست الماضية كدّرا حياتَهن في بلدٍ يعاني أساساً من ندرة فرص العمل والتضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.

وقالت مبروكة أثيمني، التي ترأس مجموعة محلية من حاصدات عشب حبة البركة «نحن نكسب نصف، وأحياناً ثلث، ما كنا نكسبه في السابق».

تنتج تونس نحو 10 آلاف طن من الأعشاب العطرية والطبية كل عام، وفقاً للأرقام الرسمية، ويمثل إكليل الجبل أكثر من 40 في المئة من صادرات الزيوت العطرية، والتي تتجه في الغالب إلى الأسواق الفرنسية والأميركية.

على مدى السنوات العشرين الماضية، دعمت جهود أثيمني ورفيقاتها العديد من الأسر في التباينية، وهي قرية بالقرب من مدينة عين دراهم في منطقة ذات معدلات فقر أعلى بكثير من المتوسط ​​الوطني.

والنساء اللاتي يشكلن نحو 70 في المئة من القوى العاملة الزراعية، هن المعيلات لأسرهن في تبانيا.

الجفاف يهدد سبل معيشة جامعات الأعشاب التونسيات (أ ف ب)
الجفاف يهدد سبل معيشة جامعات الأعشاب التونسيات (أ ف ب)

الجفاف يهدد سبل المعيشة بتونس

تمر تونس بعامها السادس من الجفاف وشهدت احتياطياتها المائية تضاؤلاً واضحاً، إذ ارتفعت درجات الحرارة إلى ما يزيد على 50 درجة مئوية في بعض المناطق خلال الصيف.

تمتلك البلاد 36 سدّاً، معظمها في الشمال الغربي، لكنها حالياً ممتلئة بنسبة 20 في المئة فقط، وهو أدنى مستوى في العقود الأخيرة.

تحصد نساء تبانيا أعشاباً جبلية مثل الكينا وإكليل الجبل والمصطكي على مدار العام، لكن تقلص موارد المياه وندرة الأمطار أدّيا إلى ضعف إنتاج الزيوت المستخلصة من هذه النباتات، «تجف ينابيع الجبال، ودون ثلوج أو أمطار لتجديدها، تنتج الأعشاب زيتاً أقل»، كما تقول أثيمني.

وقالت منجية سوداني، وهي حاصدة تبلغ من العمر 58 عاماً وأم لثلاثة أطفال، إن عملها كان الدخل الوحيد لأسرتها منذ انضمامها إلى المجموعة قبل خمس سنوات، «اعتدنا أن نجمع ثلاثة أو أربعة أكياس كبيرة من الأعشاب في الحصاد الواحد، والآن نعتبر أنفسنا محظوظين إذا ملأنا كيساً واحداً فقط».

تغطي الغابات في تونس 1.25 مليون هكتار، نحو 10 في المئة منها في المنطقة الشمالية الغربية، وقد تسببَ الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في إحراق جزء كبير من هذه الغابات.

في صيف العام الماضي دمرت حرائق الغابات نحو 1120 هكتاراً بالقرب من التباينية.

تتذكر منجية سوداني «التهمت النيران الأعشاب في أجزاء كبيرة من الجبل، وفقدت النساء في هذه المناطق كل شيء».

وللتكيف مع بعض التحديات الناجمة عن تغير المناخ، تلقت النساء تدريبات من منظمات دولية، مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، للحفاظ على موارد الغابات.

إحدى السيدات تستخلص الزيت من الأعشاب الطبيعية (أ ف ب)
إحدى السيدات تستخلص الزيت من الأعشاب الطبيعية (أ ف ب)

مهنة الجامعات لم تعد مستدامة

أبرزت دراسة حديثة أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كيف أثر الضرر الناجم عن المناخ على الغابات بشدة على المجتمعات المحلية، وقالت الدراسة «تعاني النساء بشكل خاص من العواقب حيث أصبحت أنشطتهن أكثر صعوبة ومشقة».

وصادقت تونس على اتفاقيات بيئية دولية، بما في ذلك اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، لكن الباحثة في العدالة البيئية إيناس لبياده، التي أشرفت على دراسة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، قالت إن التنفيذ «لا يزال غير مكتمل».

وفي مواجهة هذه المصاعب، ستضطر حاصدات التباينية، مثل العديد من النساء العاملات في هذا القطاع، إلى البحث عن سبل عيش بديلة، كما تقول الباحثة إيناس لبياده، «ليس أمامهن خيار سوى تنويع أنشطتهن، فالاعتماد على الموارد الطبيعية فقط لم يعد مستداماً».