يتخوف الكثير من الخبراء الاقتصاديين من أن تؤدي الإصلاحات الشاملة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى خسارة أميركا تفوقها الكاسح في سباق الذكاء الاصطناعي ضد الصين.
أعلن ترامب الأسبوع الماضي عن فرض رسوم جمركية شاملة لإنعاش قطاع التصنيع الأميركي، وهو قطاع يشهد تراجعاً منذ عقود، لكن هذه الرسوم، إلى جانب تقليص تمويل الجامعات والدعوات المُتكررة لإلغاء قانون الرقائق والعلوم، قد تُقوّض قدرات أميركا في سباق الذكاء الاصطناعي.
تُصرّح إدارة ترامب بأهمية الحفاظ على ريادتها العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتعلن عن استثمارات بمئات المليارات لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، إلا أن بعض إجراءات الإدارة تأتي بنتائج عكسية.
وفقاً لمعظم الاقتصاديين، لن تُمهّد الرسوم الجمركية الصارمة الطريق للنجاح الاقتصادي الذي يسعى إليه ترامب، وفي غضون ذلك تشتد المنافسة في سباق الذكاء الاصطناعي، خاصةً بعد أن كشفت شركة DeepSeek الصينية الناشئة عن نموذج لُغوي قوي في يناير.
قالت سوزان أرييل آرونسون، الأستاذة في الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، لشبكة CNN «ينظر ترامب ومستشاروه إلى العالم من منظور القرن التاسع عشر، راغبين في العودة إلى اقتصاد التصنيع»، وأضافت «يدعم الذكاء الاصطناعي الآن العديد من التقنيات الأخرى التي قد تكون أكثر أهمية، والولايات المتحدة بحاجة ماسة للاستثمار في ذلك».
بدأت معدلات التوظيف في قطاع التصنيع الأميركي بالتراجع بعد أن بلغت ذروتها في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وفقاً لبيانات وزارة العمل، ثم تقلصت بوتيرة أسرع مع مطلع القرن.
يقول الباحثون إن العولمة والتجارة الحرة لم تكونا السببين الوحيدين لتباطؤ التصنيع الأميركي على مدى العقود القليلة الماضية، بل إن التوسع في الأتمتة والمنافسة العالمية الشديدة أسهما أيضاً في ذلك.
في غضون الفترة نفسها ازدهر قطاع الخدمات الأميركي، حيث يعمل حالياً أربعة من كل خمسة عاملين أميركيين في قطاع الخدمات، وفقاً لبيانات وزارة العمل، ويضم القطاع أنشطة التمويل وهندسة البرمجيات وغيرها من الأنشطة الخدمية.
ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي «الطلب على الوظائف في المستقبل تُحركه التطورات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي».
مع ذلك، أغرق ترامب أميركا في حرب تجارية عالمية لإعادة عصر ذروة التصنيع الأميركي الذي ولّى.
يحذّر الاقتصاديون من الوقوع في فخ قانون سموت- هاولي، عندما فرض الكونغرس رسوماً جمركية على جميع الدول التي تُصدر بضائع إلى أميركا في محاولة لحماية العمال الأميركيين في عام 1930، وقد أدت هذه الخطوة إلى تفاقم الكساد الكبير، حيث ردّت الدول الأوروبية برسوم جمركية انتقامية، وانخفض إجمالي وارداتها من أميركا بنسبة 40 في المئة في غضون عامين.
والآن في عام 2025، توقف قادة الأعمال مؤقتاً عن التخطيط في ظل حالة عدم اليقين المستمرة بشأن رسوم ترامب الجمركية ومخاوف الركود المتزايدة.
وفي أحدث استطلاع لمعهد إدارة التوريد، صدر الأسبوع الماضي، قالت إحدى شركات تصنيع المعادن الأولية «سيطرت معنويات السوق المتراجعة وتكاليف التعريفات الجمركية على الأعمال خلال الشهر الماضي، ومن المتوقع أن تستمر في الهيمنة على الأسواق حتى يتم تحديد مسار واضح للمضي قدماً».
في خضم كل هذه الفوضى في سياسات التعريفات الجمركية، لا تزال استراتيجية ترامب للذكاء الاصطناعي غير واضحة، حيث تُراجع إدارته حالياً آلاف الاقتراحات من شركات التكنولوجيا بشأن خطة القطاع المُستقبلية، بعد أن وقّع أمراً تنفيذياً يطلب فيه آراء.
واتخذ ترامب بعض الخطوات العكسية، فقد أوقفت إدارته منحاً وعقوداً بمليارات الدولارات لجامعات كبرى مثل هارفارد وبراون وبرينستون، بسبب مخاوف من معاداة السامية، وصرح وزير الخارجية، ماركو روبيو، بأنه ألغى تأشيرات مئات الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة بسبب صلاتهم المزعومة بالحركات المؤيدة لحقوق الفلسطينيين.
قال أندريس ساويكي، أستاذ القانون في جامعة ميامي ومدير تخصص الابتكار والقانون والتكنولوجيا في الجامعة «غالبية طلاب الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي هم طلاب مولودون في الخارج، أنتم تقطعون إمدادات الكفاءات البشرية اللازمة لتطوير أفضل التقنيات الممكنة».
ودعا ترامب الشهر الماضي الكونغرس إلى إلغاء قانون الرقائق والعلوم، الذي صدر عام 2022 في عهد الرئيس جو بايدن.
كان قانون الرقائق والعلوم قد حظي بدعم الحزبين، وسمح بتمويل يقارب الـ300 مليار دولار لتعزيز أبحاث وصناعة أشباه الموصلات، وبالطبع لن يُساعد إلغاؤه أميركا على الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي.
قال مارتن تشورزيمبا، الزميل البارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي «لقد حقق قانون الرقائق والعلوم نجاحاً هائلاً فاق التوقعات بكثير في جذب الاستثمارات وتحسين سلسلة توريد الرقائق إلى الولايات المتحدة».
في أوائل مارس، أعلن ترامب وشركة أشباه الموصلات التايوانية TSMC عن خطة بقيمة 100 مليار دولار لبناء خمسة مصانع في أميركا.
قال تشورزيمبا إن هذا التدفق الاستثماري الجديد «ما كان ليتحقق لولا الأساس الذي أرساه قانون الرقائق والعلوم».
مع استمرار الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل العالم، بما في ذلك كيفية عمل البشر وتواصلهم، تتنافس العديد من الدول لتأكيد هيمنتها على هذه الصناعة، وإذا كانت الولايات المتحدة تريد البقاء في الصدارة، فسوف يتعين على إدارة ترامب إعادة النظر في بعض سياساتها التي قد تعوق تقدمها في مجال الذكاء الاصطناعي.