الحيوية والإثارة تعودان إلى عالم شركات التقنية بعد نحو عقد من التطورات الرتيبة التي كانت تقتصر على الإعلان عن تعديلات محدودة للكاميرا أو المعالج أو إضافة شاشة تعمل باللمس لأحد المنتجات.
تغير الوضع تماماً الأسبوع الماضي، مع إعلان بعض كبرى الشركات عن تحديثات ضخمة لخدماتها. بعض هذه التحديثات يتعلق بحياتنا اليومية وكيفية استخدامنا للإنترنت، لكن يظل الجانب المشترك بين كل هذه التحديثات هو اعتمادها على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
فقد أعلنت مايكروسوفت يوم الثلاثاء عن تحديث محرك البحث (بينغ)، مستخدمةً قدرات الذكاء الاصطناعي لتطبيق (تشات جي بي تي)، الذي طوّرته شركة (أوبن أيه آي) وهي شركة استثمرت مايكروسوفت فيها مليارات الدولارات.
ولن يوفر بينغ قوائم من النتائج فقط، بل سيجيب كذلك عن الأسئلة، ويجري محادثات مع المستخدمين، ويولد محتوىً وفقاً لاحتياجات المستخدم. وترددت إشاعات بشأن مناسبة جديدة لمايكروسوفت الشهر المقبل ستستعرض خلالها إضافة مزايا مشابهة لبرامج أوفيس.
وكشفت غوغل يوم الأربعاء عن تقنية ذكاء اصطناعي مشابهة تسمح لمحركها للبحث بتقديم ردود أكثر تعقيداً وتفاعلية.
ولم تتخلف شركات التكنولوجيا الصينية كثيراً عن الركب؛ فأعلنت كلٌّ من علي بابا وبايدو عن إطلاق تطبيقين مشابهين لتطبيق تشات جي بي تي، ومن المرجح أن تعلن العديد من الشركات عن تقديم خدمات مشابهة قريباً.
مخاوف من العواقب
بالطبع ثمة مخاوف منطقية من إمكانية أن تنشر هذه التكنولوجيا المعلومات غير الدقيقة، كما حدث خلال الفيديو الترويجي لبرنامج الذكاء الاصطناعي لغوغل المسمى «بارد» الأسبوع الماضي، وبالتأكيد ستقدم بعض الشركات تطبيقات دردشة قائمة على الذكاء الاصطناعي بشكل لا مبرر له، لكن هذه المميزات مسلية وقد تتيح الفرصة لتوفير العديد من الساعات المهدرة في الأنشطة التقليدية.
فمثلاً، إذا كنت في حاجة لكتابة إعلان عن وحدة سكنية أو مراجعة سنوية لصاحب عمل، كل ما عليك فعله هو إدخال بضع كلمات لتطبيق تشات جي بي تي وخلال ثلاث ثوانٍ ستحصل على مسودتك الأولى.
ويأتي عادةً تغير التكنولوجيا تدريجياً ثم يفاجئنا. وكمثالٍ دعونا ننظر إلى «آيفون»، فقد احتاج لسنوات من التطوير قبل أن يدهش ستيف جوبز العالم به عندما قدمه لأول مرة عام 2007، والأمر نفسه ينطبق على تشات جي بي تي، إذ تأسست أوبن ايه آي قبل سبع سنوات وأطلقت نسخة أولوية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحت مسمى «جي بي تي 3» في 2020.
وقال بيرن إيلوت المحلل لدى جارتنر «تشات جي بي تي أحدث صدمة للسوق ولوعي الأشخاص»، مضيفاً «لكن التطبيق أخذ الكثير من الوقت في عملية الإعداد».
الذكاء الاصطناعي للملايين
ترتكز العديد من الخدمات التي يعتمد عليها الأشخاص يومياً على أنظمة الذكاء الاصطناعي منذ سنوات، مثل ترشيحات المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي وأدوات النص التلقائي في البريد الإلكتروني والمساعد الصوتي وأدوات التعرف على الوجه.
لكن عندما طُرح تشات جي بي تي في نوفمبر تشرين ثاني، أصبحت قوة الذكاء الاصطناعي متاحة أمام الملايين بطريقة ممتعة وفورية وسهلة الإدراك. وبشكل تلقائي، سهّل تشات جي بي تي إمكانية التعرف على مدى تطور هذه التكنولوجيا خلال السنوات الأخيرة وتخيل الإمكانات الواسعة للتأثير التي قد تكون لها على مختلف الصناعات.
ولا تقتصر المخاوف بشأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على مدى دقتها فقط، بل أيضاً على تأثيرها على الناس في الواقع. فالبعض قلقون من أن تؤدي لاضطرابات ببعض الصناعات، وربما تحل محل الفنانين والكُتّاب والصحفيين والمدرسين والمبرمجين.
في المقابل، فإن البعض الآخر أكثر تفاؤلاً، ويتوقعون أن تسمح التكنولوجيا الجديدة للموظفين بالتعامل بكفاءة أكبر مع قوائم المهام وصب تركيزهم على المهام الأكثر تعقيداً. وفي كل الأحوال، من المرجح أن تدفع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي شتى القطاعات صوب التطور والتغيير، وهذا ليس بالضرورة أمراً سيئاً.
وقال إيلوت «التكنولوجيا الجديدة عادةً ما تأتي معها مخاطر جديدة، ونحن كمجتمع سيكون علينا التعامل مع تلك المخاطر، ربما عبر تطبيق سياسات استخدام مقبولة وتعليم الجمهور كيف يستخدم هذه التكنولوجيا بطريقة لائقة. وسيكون هناك حاجة لوضع قواعد إرشادية».
والعديد من الخبراء يشبّهون نقلة الذكاء الاصطناعي بالأيام الأولى للآلة الحاسبة وكيف تخوف العلماء والمعلمون من أنها ستضر بمعرفتنا الأساسية بالرياضيات، وظهر التخوف نفسه مع بزوغ أدوات التدقيق الإملائي والنحوي.
ولا تزال أدوات الذكاء الاصطناعي في مهدها، وربما كان الأسبوع الماضي بداية طريقة جديدة للقيام بالهمام مماثلة للطريقة التي غيّر بها آيفون عالم الاتصالات والحوسبة في يونيو حزيران عام 2007، لكن هذه المرة قد يكون ذلك على شكل متصفح جديد من بينغ.
(سامانثا ميرفي كيلي – CNN)