عندما وافق إيلون ماسك لأول مرة على شراء « تويتر»، تعهد بأن يجعل الشركة أفضل من أي وقت مضى، مع الكثير من الوعود بتحقيق الشفافية وحرية التعبير.
لكن الواقع الحالي بعد ستة أشهر من سيطرة ماسك على «تويتر»، أصبح مخالفاً تماماً لتلك الطموحات، فمستقبل الشركة مهدد، وسط غياب ملامح مبشّرة في المستقبل القريب.
استحوذ ماسك على «تويتر» مقابل 44 مليار دولار في أواخر أكتوبر تشرين الأول الماضي، لكنه قدّر قبل بضعة أسابيع قيمة الشركة الحالية بنحو 20 مليار دولار فقط.
الصادم في الأمر يتمثل في اعتقاد بعض المهتمين بالشركة بأن تقديرات ماسك مرتفعة، خاصة بعد تحذيراته المتكررة من إمكانية تعرض «تويتر» لخطر الإفلاس.
يأتي ذلك بعدما دفع ماسك بعجلة «تويتر» إلى حافة الهاوية، سواء عبر تسريح 80 في المئة من موظفي الشركة، أو عدم دفع بعض فواتيرها، وتعرضها لدعاوى قضائية متعددة، ما يزيد من الرؤية الضبابية لمستقبل «تويتر»، وهل يمكن لماسك أن يعيدها إلى النمو من جديد؟
لم تتسبب خطة ماسك الأساسية لتنمية أعمال «تويتر» من خلال استراتيجية اشتراك مدفوع في الكثير من الفوضى فحسب، بل إنها غيّرت من سمعة ماسك المرتبطة بإطلاق الصواريخ والسيارات الكهربائية، والتفكير خارج الصندوق.
هدم السمعة
يُقال إن بناء السمعة قد يستغرق سنوات، بينما يتطلب هدمها بضع دقائق فقط، فهل ضحّى ماسك بسمعته التي بناها على مر السنين؟
تصدر ماسك معظم الأشهر الستة الماضية عناوين الأخبار بسبب السياسة المثيرة للجدل في «تويتر»، ما أدّى إلى خدمة مضطربة وأعطال متكررة، وحظر العديد من الصحفيين البارزين لفترة وجيزة.
وفي غضون تلك الفترة لم يتردد ماسك في التغريد بقائمة طويلة من الملاحظات الغريبة من حسابه الشخصي، بداية من نظريات المؤامرة وصولاً إلى السخرية علناً من أحد العاملين في «تويتر» من أصحاب الهمم.
ويقول ليزلي مايلي، مدير هندسة «تويتر» السابق الذي بدأ فريق أمان المنتج وترك الشركة في 2015، «إن اقتصرت قرارات ماسك على خفض التكاليف، لكان (تويتر) على ما يرام، فإذا عاملت الجميع باحترام وتركتهم يمضون قدماً، ثم تابعت الخدمة لمدة عامين، فربما ستحافظ على قوتها».
لكن في الوضع الحالي، توقع مايلي أن يسير «تويتر» على خطى « ماي سبيس» نفسها نحو الهاوية، قائلاً «إن الأمر سيستغرق وقتاً أطول قليلاً، لكن أعتقد أن (تويتر) في طريقه إلى فقدان هيمنته، فهو يفتقد استراتيجية اكتساب المستخدمين أو الاحتفاظ بهم لأنه لا يقدّم لهم أي قيمة».
تعليقاً على هذه القصة، استجاب «تويتر»، لطلب «CNN» عن طريق الرد الآلي من بريده الإلكتروني الصحفي الذي استخدمه لأسابيع، والذي يواصل استخدام رمز تعبيري «مثير للاشمئزاز».
«تويتر» يفقد ميزاته
لطالما اعتبر المستخدمون، أبرز ميزات «تويتر» عن المنصات الاجتماعية الأخرى أنه كان بمثابة مركز مركزي للأخبار، إذ كان مكاناً للناس العاديين يجتمعون فيه افتراضياً للقراءة، أو محادثة المشاهير وقادة الأعمال.
لكن العديد من قرارات ماسك الأخيرة هددت هذه الميزة، وقالت الرئيسة السابقة للأخبار العالمية في تويتر، فيفيان شيلر، لشبكة «CNN» في مقابلة حديثة «إن موقع (تويتر) لم يكن مثالياً على الإطلاق، فقد واجه الكثير من المشكلات، لكن هذه البنية التحتية العالمية الحيوية للمعلومات هي التي يقوم إيلون ماسك الآن بتخريبها بشكل منهجي وصريح».
في الآونة الأخيرة، أزال ماسك علامات التوثيق الزرقاء القديمة التي تحققت من هويات المستخدمين البارزين، بعدما حوّل هذه الميزة إلى اشتراك مدفوع بنحو 8 دولارات شهرياً باسم «تويتر الأزرق»؛ سعياً لنشر المساواة بين الجميع، قائلاً «إنه ينبغي ألّا يكون هناك معيار مختلف للمشاهير».
لكن هذه الخطوة قد تسهّل على الجهات السيئة انتحال شخصيات بارزة ويصعب على المستخدمين الوثوق بصحة المعلومات.
في الواقع ناقض ماسك تصريحاته السابقة، وأسهم في وجود «معيار مختلف» للمشاهير بعدما قرر رعاية بعض المشاهير مثل ستيفن كينغ، وليبرون جيمس.
يقول أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة إنديانا ومدير قسم المرصد على وسائل التواصل الاجتماعي، فيليبو مينتشر، «إنه يمكنك إنشاء حسابات مزيفة ودفع 8 دولارات، ما يتسبب في إلحاق المزيد من الضرر الآن أكثر مما كنت تستطيع من قبل، بينما إذا كنت مصدراً موثوقاً لكنك لم تدفع، فلن تكون معلوماتك مرئية كما كانت من قبل».
نفور المعلنين والمستخدمين
تستمر أي شبكة اجتماعية أو تُنسى وتختفي بناء على قدرتها على الاحتفاظ بالمستخدمين وجذبهم باستمرار، وهناك سبب حقيقي يدعو للقلق على «تويتر».
وجراء القرارات الأخيرة لماسك، تخلى عدد من المستخدمين والمشاهير و المؤسسات الإعلامية عن استخدام «تويتر» بسبب التغييرات الأخيرة في سياسة ماسك، والتي غالباً لا تعكس أي مبادئ حقيقية.
هناك عدد قليل من البدائل التي تقدّم ميزات تشبه «تويتر»، كما توجد قائمة متزايدة من المنافسين المبتدئين منذ استيلاء ماسك، فقد أكدت شركة «ميتا»، أحد المنافسين الكبار على الأقل، أنها تعمل على خدمة تشبه إلى حد كبير موقع التغريدات.
قال مايلي «إن ماسك فشل في تحقيق كل الوعود التي قدّمها منذ بداية استحواذه على (تويتر)».
كل هذه الفوضى جعلت من الصعب إقناع المعلنين، الذين شكّلوا سابقاً 90 في المئة من عائدات «تويتر»، خاصة بعدما أوقف الكثيرون الإنفاق في أعقاب استيلاء ماسك على «تويتر» بسبب مخاوف من زيادة خطابات الكراهية، إضافة إلى الارتباك بشأن تسريح الموظفين، وعدم معرفة الاتجاه المستقبلي للمنصة.
ووفقاً لبيانات شركة «سينسور تاور» لاستخبارات السوق، فإن 43 في المئة من أفضل ألف معلن كانون موجودين قبل شهر واحد من استحواذ ماسك على «تويتر»، حافظوا على وجودهم الإعلاني على «تويتر» في أبريل نيسان.
من جانبه، أفصح ماسك عن زيادة عدد المعلنين منذ استحواذه على المنصة، إلا أنه غير ملزم بالإفصاح المالي للتأكيد على ذلك.
تدهور سمعة ماسك
بنى ماسك سمعته من خلال إصلاح «تسلا»، إذ غرّد بعيداً عن سرب السيارات التي تعمل بالغاز، وأطلق تحولاً واسع النطاق إلى السيارات الكهربائية وطوّر «سبيس إكس» إلى قوة النقل الفضائي.
الآن، يبدو أنه حاول فعل شيء مماثل مع منصة «تويتر»، وحال نقل التركيز من أعمال الإعلانات الرقمية المجربة لصالح نموذج الاشتراك الذي لم تتمكن أي منصة وسائط اجتماعية أخرى من تحقيق نجاح واسع النطاق به.
قال الأستاذ في كلية بوث للأعمال بجامعة شيكاغو، لويجي زينغاليس، «إنه يجب الاعتراف بفضل ماسك في اتباع نموذج عمل جديد، لكن نموذج العمل الذي يعتمد على بيانات المستخدم هو طريقة مسيئة تماماً».
اتبعت بعض شركات التكنولوجيا الأخرى، النهج ذاته، إذ فعلت «ميتا» الشركة الأم لمنصة «فيسبوك»، خيار التوثيق المدفوع، ويبدو أن «تويتر» كان الملهم لهذا النموذج الجديد المتبع.
بالنسبة إلى «تويتر» في عهد ماسك، فإن المخاطر كبيرة؛ فقد يمكن أن تتوقف علاقات ماسك مع البنوك والمستثمرين في المساعي المستقبلية جزئياً بسبب أدائه في شركة وسائل التواصل الاجتماعي، التي حصل على ديون بمليارات الدولارات لشرائها.
التغييرات التي قد تطرأ على سمعة ماسك جراء الفترة التي قضاها في قيادة «تويتر»، يمكن أن تطول إمبراطوريته التجارية الأوسع في نهاية المطاف، ما يدفع المستثمرين المحتملين والعملاء للتفكير في المراهنة على إحدى شركاته. وبالفعل، لقد اشتكى بعض مساهمي «تسلا» مؤخراً من ماسك إلى مجلس إدارة الشركة.
قال أستاذ إدارة كلية كولومبيا للأعمال، ويليام كليبر إن «سمعة ماسك تراجعت كثيراً بسبب (تويتر)، والسمعة بمجرد أن تفقدها، سيكون من الصعب جداً استردادها، وقد تكون الفرصة سانحة لماسك حتى يفكر في تقييم مهاراته القيادية».
كان ماسك قد تعهد في ديسمبر كانون الأول، بالتنحي عن منصب الرئيس التنفيذي لـ«تويتر» بعد أن صوّت ملايين المستخدمين لصالح خروجه في استطلاع نشره على المنصة، لكنه لم يلتزم بالقرار حتى الآن.
(كلير دافي – CNN)