أضحى قطاع التكنولوجيا المالية أحد أهم القطاعات المؤثرة على الاقتصاد، ببصمة واضحة عالمياً ومؤخراً إقليمياً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حتى وصفه البعض بـ«درة» قطاعات الشركات الناشئة في المنطقة بإجمالي تمويلات 1.1 مليار دولار في 2022، ما يشكل نحو 33 في المئة من إجمالي حجم تمويلات الشركات الناشئة في المنطقة.

لكن تظل علاقة تلك الشركات بالمصارف والمؤسسات المالية الكبرى موضع تساؤل، فالبعض يصنفها تنافسية والبعض الآخر يراها تكاملية، إذ إن شركات الـ«فٍن-تك» لا تملك القدرة على منافسة المؤسسات البنكية سواء في حجم الاستثمارات ورأس المال أو في عدد العملاء.

وفي ظل تشجيع الحكومات العربية للابتكار في قطاع التكنولوجيا المالية، فسنرى على الأرجح خلال الأعوام المقبلة تقديم شركات ذلك القطاع مزيداً من الخدمات البنكية.

هل الشركات تمثل منافساً للقطاع المصرفي؟

يرى محمد نجاتي، أحد رواد الأعمال والذي سبق له تأسيس شركات تكنولوجيا مالية، أن القطاع في منطقة الشرق الأوسط لا يمكنه منافسة المؤسسات المالية الكبرى مثل البنوك، سواء في حجم أعمالها أو قيمتها المالية.

وقال «قطاع الشمول المالي في الشرق الأوسط لا يزال يفتقر لتغطية العديد من الخدمات».

وأشار إلى أن عدد شركات التكنولوجيا المالية من شأنه أن يزيد خلال الفترة القادمة خاصة أن الكوادر العاملة في القطاع حالياً تؤسس شركاتها الخاصة.

أهمية دور الشركاء التكنولوجيين للقطاع المصرفي

أصبحت المدفوعات الرقمية اللاتلامسية إحدى الخيارات المعتمدة للمستهلكين منذ تفشي جائحة كورونا قبل ثلاثة أعوام.

وأمست المصارف في حاجة لاقتحام قطاع المدفوعات الرقمية تماشياً مع اتجاهات المستهلكين والوصول إلى عدد أكبر من العملاء، خاصةً في الأماكن التي لا توجد بها مصارف.

ويتصدر الخليج الدول التي تعتمد حالياً على وسائل المدفوعات الإلكترونية والخدمات المصرفية الرقمية لكنه لا يزال يواجه حزمة من التحديات على رأسها الإجراءات الحكومية والكوادر المؤهلة لقيادة تلك الشركات عبر نماذج أعمال تحقق الربحية المستدامة.

وحول هذه النقطة، يقول سيف الله جعفر، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى «سوفتوير جروب» لحلول التكنولوجيا المالية، إن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، استثمرت بكثافة في الشركات الناشئة في القطاع إضافةً إلى إنشاء مراكز إبداع التكنولوجيا المالية (fintech innovation hubs) التي ارتفع عددها في الخليج من مركز واحد في 2018 إلى أربعة خلال 2022.

وأضاف «وضع السوق المصرية مختلف نظراً لأن عدداً كبيراً من المستخدمين لا يثق في استخدام الهواتف الذكية كوسيلة للمعاملات البنكية»، مبيناً أن الحل الوحيد لتعميم الشمول المالي في مصر يكمن في الوكالة المصرفية (التي) تسمح بالوصول إلى المستخدمين بالمناطق النائية وتساعد على زيادة الوعي بالخدمات المالية وتطورها.

يشير مفهوم الوكالة المصرفية إلى تعامل البنوك مع وكلاء لتقديم الخدمات المصرفية، الأمر الذي يسهم في تقليص تكلفة الخدمات على العملاء مع ضمان الالتزام بأحكام نظام الرقابة المصرفية.

وأوضح أن الشمول المالي الكامل بدأ يتحقق في دول الخليج في ظل زيادة عدد مستخدمي الهواتف الذكية، إضافةً إلى أن البنوك الرقمية أصبحت الاتجاه السائد بالأسواق الخليجية سواء كانت مؤسسات مصرفية معروفة أو علامات تجارية مستقلة، لافتاً إلى أنه في الحالتين يوجد شريك تكنولوجي لتيسير عملية التحول الرقمي.

وأكد أن الشريك التكنولوجي يلعب دوراً مهماً في إنشاء القنوات الرقمية من خلال إطلاق تطبيقات البنوك الرقمية وتدعيمها بالأدوات المتكاملة التي من شأنها تقديم تجربة أفضل للمستخدمين.

ولفت إلى أن التحديات التي تواجه شركات التكنولوجيا المالية تختلف من دولة إلى أخرى، فالشركات في السوق المصرية تواجه صعوبة في استخراج التصاريح اللازمة بينما في السعودية والإمارات تجد التحديات متمثلة في الحصول على تمويلات أو وجود الكوادر المؤهلة التي تفشل معظم الأحيان في اتباع نماذج أعمال تتسم بالاستدامة سواء في الربحية أو التوسعات.

وأشار إلى أن حصول شركات التكنولوجيا المالية الناشئة على تمويلات قد يشكل أحد التحديات في ظل الظروف الاقتصادية العالمية غير المستقرة، إضافةً إلى وجود لاعبين كبار بهذا القطاع أثبتوا حضورهم على مر السنوات السابقة.

نمو الشركات الناشئة الخليجية والمصرية

الأمر اللافت للانتباه هو تضاعف النمو في حجم الاستثمارات بأسواق الدول العربية في قطاع شركات التكنولوجيا المالية وبالتحديد الناشئة في الإمارات ومصر والسعودية من 10 إلى 20 في المئة خلال 2022.

وإلى جانب المشككين في قدرة شركات التكنولوجيا المالية على منافسة البنوك، يؤمن فريق آخر بأن المستقبل قريباً سيصبح لتلك الشركات خاصة الناشئة منها التي استطاعت حصد تمويلات بقيمة 75 مليار دولار على الصعيد العالمي، منها مليار دولار في دبي ومصر والسعودية.

ولا يقتصر الأمر على التمويلات، بل يمتد إلى عدد الشركات الناشئة التي تعمل بالقطاع والتي يصل عددها في دبي فقط إلى 700 شركة، أما في مصر فيبلغ عدد تلك الشركات ما يقرب من 150 شركة، والسعودية نحو 170 شركة.

وفي هذا السياق، قال هاني فكري، الرئيس التنفيذي لشركة «إنزا غروب» للتكنولوجيا المالية، «النمو لا يقتصر على التمويلات فحسب لكن أيضاً في عدد الشركات وحجم مبيعاتها وعملائها في ظل التطور التكنولوجي ومسارات التحول الرقمي التي تتبعها الدول الثلاث علاوة على تفضيلات المستخدمين».

وأضاف «شركات التكنولوجيا المالية الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حصدت تمويلات ضخمة خلال العام الماضي»، لافتاً إلى أن كيانات التكنولوجيا المالية الإماراتية في دبي فقط حصدت تمويلات بنحو 600 مليون دولار.

وأشار إلى أن الشركات السعودية والمصرية حصدت تمويلات بقيمة 650 مليون دولار خلال الفترة نفسها، السعودية 400 مليون دولار ومصر 250 مليون دولار.

وتابع أن الحكومات الثلاث اتخذت خطوات لدعم وتطوير شركات التكنولوجيا المالية مثل مبادرات «فينتك إيجيبت» في مصر و«فينتك هايف» في الإمارات و«فينتك السعودية»، مضيفاً أن السعودية أسست صندوقاً للاستثمار في شركات التكنولوجيا المالية بقيمة 80 مليون دولار في مارس آذار 2022.