يبدو أن انتشار مقاطع الفيديو الخاصة بأعراض الأمراض العقلية والنفسية لم يساعد الصحة العقلية للمراهقين، بل فاقم من أزمة تأثرهم بهذه المنصات، ونشر وهم المرض الكاذب فيما بينهم.
فعلى الرغم من تصفح بعض الأشخاص تطبيقات مثل «تيك توك» و« إنستغرام» بحثاً عن الوصفات، ومشاركة الفيديوهات الساخرة، أو متابعة أحدث ما يدور حول العالم، تقول إيرين كولمان إن ابنتها البالغة من العمر 14 عاماً تستخدم هذه التطبيقات للبحث عن مقاطع فيديو حول تشخيصات الصحة العقلية للمراهقين وغيرهم.
بمرور الوقت، بدأت المراهقة في التعرف على المرض المصابة به بناءً على مشاهدة الفيديو، وأصبحت مقتنعة تماماً أنها تعاني من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه المعروف باسم «إيه دي إتش دي»، والاكتئاب، والتوحد، ورهاب «مايزوفوبيا» المتعلق بالخوف الشديد من الجراثيم، ورهاب الخلاء المتعلق بالخوف من مغادرة المنزل.
قالت كولمان لشبكة «CNN» عن ابنتها «كل أسبوع، كانت تتوصل إلى تشخيص جديد»، وبعد خضوعها إلى تشخيص على يد طبيب، اكتشفت أنها لا تعاني من هذه الأمراض، لكنها لم تقتنع بذلك.
وأضافت كولمان «حتى الآن، لا تعتقد دائماً أن الأطباء المتخصصين على صواب».
خضعت منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك « تيك توك» و«إنستغرام»، إلى تدقيق متزايد في السنوات الأخيرة بسبب قدرتها على توجيه المستخدمين الأصغر سناً إلى محتوى ضار وتفاقم ما وصفه الخبراء بأزمة الصحة العقلية للمراهقين.
كانت كولمان واحدة من أكثر من عشرين من الآباء الذين أخبروا شبكة «CNN» أنهم يتعاملون مع مشكلة ذات صلة، فأغلب مواقع التواصل الاجتماعي باتت تخض الصحة العقلية للمراهقين عن طريق المعلومات ومقاطع الفيديو، والأبناء مقتنعون بذلك.
يتجه عدد متزايد من المراهقين إلى المنصات الاجتماعية للحصول على إرشادات لدعم صحتهم العقلية، ولإيجاد ظروف يعتقدون أنها تتناسب مع ظروفهم الخاصة؛ وهو اتجاه أثار قلق الآباء والمعالجين ومستشاري المدارس، وفقاً لمقابلات مع «CNN».
يبدأ بعض المراهقين متابعة مروجي المحتوى الذين يناقشون حالاتهم العقلية والأعراض والعلاجات.
إن استخدام الإنترنت للتشخيص الذاتي ليس بالأمر الجديد، وقد يكون للأمر بعض الميزات، إذ قال بعض الآباء إن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت أبنائهم المراهقين في الحصول على معلومات الصحة العقلية التي يحتاجون إليها وساعدتهم على تقليل الشعور بالوحدة.
ومع ذلك، أعرب العديد من الآباء والخبراء عن مخاوفهم بشأن كيف يمكن أن يؤدي التشخيص الذاتي والتسميات الخاطئة إلى تفاقم أزمات الصحة العقلية للمراهقين بشكل عام، وقد يشعرون بالعزلة ويؤدي ذلك إلى نتائج عكسية في الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها.
في أسوأ الاحتمالات، يمكن للمراهقين أن يضعوا أنفسهم على طريق تلقي الأدوية لحالة لا يعانون منها، وبمجرد أن يبحث المراهقون عن محتوى الصحة العقلية، قد تستمر خوارزميات الإنترنت في عرض مقاطع فيديو ومنشورات مماثلة.
مشكلة متنامية
قال لاري دي ميتناول، الطبيب النفسي للأطفال والمراهقين في كانساس، والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة التدريب الصحي «بي ويل أكاديمي»، إنه شهد عدداً مقلقاً من المراهقين يشخصون أنفسهم بأنفسهم من خلال منشورات التواصل الاجتماعي.
قال «يأتي المراهقون إلى مكتبنا ولديهم بالفعل آراء قوية تجاه تشخيصهم الذاتي.. وعندما نتحدث حول كيفية توصلهم إلى هذا الاستنتاج، فغالباً ما يكون ذلك بسبب ما يرونه ويبحثون عنه عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي».
وأوضح أن التشخيصات الذاتية الأكثر شيوعاً التي يواجهها بين المراهقين هي اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واضطراب طيف التوحد واضطراب الهوية الانفصامية أو اضطراب الشخصية المتعددة، وقال إن المراهقين كانوا يأتون في السابق إلى عيادته لمناقشة الأعراض لكن لم يكن لديهم تشخيص أو تسمية معينة في الاعتبار، لكن بدأ هذا التوجه منذ عام 2021.
وأضاف أن هذه المواقف التي مر بها المراهق صعبة، وتولد لديه العديد من المشاعر المزعجة، لكن ذلك لا يعني أنه مصاب بمرض نفسي.
من جهتها، قالت جولي هاربر إن ابنتها كانت صديقة ودودة، لكن ذلك تغير خلال الحظر إبان الجائحة عام 2020، عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها، وباتت تقضي ساعات أطول في تصفح «تيك توك».
وأضافت «ابنتي المراهقة مهووسة بتشخيص التوحد»، لكنهم لم يتمكنوا من إجراء اختبار رسمي بسبب قوائم الانتظار الطويلة في كنتاكي.
تشخيص الصحة العقلية للمراهقين عبر الإنترنت
يعتقد بعض الخبراء أن المراهقين قد يبالغون في تشخيص معين، قالت ألكسندرا هاملت، أخصائية علم النفس الإكلينيكي في نيويورك، التي تعمل مع المراهقين «مع الضغط المتزايد الذي يواجهه الشباب ليكونوا شديدي التنافسية، قد يعتمدون على التشخيص لتقليل توقعات الآخرين عنهم».
غالباً ما يُنظر إلى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين ينشرون عن الاضطرابات النفسية على أنهم جديرون بالثقة للمراهقين، إمّا لأنهم يعانون من الاضطراب ذاته أو لأنهم يعرّفون أنفسهم كخبراء.
وفقاً لهاملت، يجب على شركات وسائل التواصل الاجتماعي تعديل الخوارزميات لاكتشاف أفضل عندما يستهلك المستخدمون الكثير من المحتوى حول موضوع معين، وقالت إن إخلاء المسؤولية أو الإشعار المنبثق يمكن أن يذكر المستخدمين أيضاً بأخذ قسط من الراحة والتفكير في عاداتهم الاستهلاكية.
بدورها، قالت ليزا كرينشو، المتحدثة باسم شركة «ميتا» في «إنستغرام» إن «الشركة ليست لديها حواجز حماية محددة خارج معايير المجتمع الخاصة بنا التي ستحظر بالطبع أي شيء يروّج أو يشجّع أو يمجّد أشياء مثل اضطرابات الأكل أو اضطرابات الذات».
وأضافت «أعتقد أن ما نراه كثيراً على (إنستغرام) أن الناس يجتمعون للعثور على الدعم».
كانت «ميتا» أنشأت عدداً من البرامج، للمساعدة في تثقيف منشئي المحتوى حول كيفية تصميم محتوى إيجابي يهدف إلى إلهام المراهقين ودعم رفاهيتهم، وقدّم «إنستغرام» مجموعة من الأدوات للحد من التصفح في وقت متأخر من الليل.
واتخذ «تيك توك» خطوات للسماح للمستخدمين بتعيين فترات زمنية منتظمة للشاشة وإضافة ضمانات تخصص درجة النضج لمقاطع الفيديو التي تحتوي على مواضيع معقدة.
(سامانثا ميرفي كيلي – CNN)