في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، تحوَّل الحاسب الآلي من الصندوق باهت اللون إلى « آي ماك جي 3»، ودخلت شركة «أبل» المنافسة في سوق سيطر عليها «إي بي إم»، و«كومباك» اللتان أنتجتا شاشات ولوحات مفاتيح وأجهزة مودم متجانسة.
في 15 أغسطس آب 1998، وبعد فترة قصيرة من عودة ستيف جوبز إلى شركة «أبل» التي كانت تعاني من الأزمات آنذاك، قدمت الشركة تصميماً جديداً لجهاز «آي ماك جي 3» الذي امتاز بالجرأة، وكان سبباً في بداية التحول الجذري في علاقتنا مع التكنولوجيا.
ظهر الجهاز للمرة الأولى على شكل بيضة ومع شاشة مقاس 15 بوصة، يمكن رؤية تعقيدات أجهزتها تحت غلاف بلاستيكي شفاف.
وقال ليندر كاهني، محرر وناشر مدونة «كالت أوف آي ماك» أو «جماعة آي ماك» إنه كان أول آلة تُعرض على المستهلك العادي، بتصميم مستقبلي مثير.
وأضافت كبيرة أمناء التصميم والهندسة المعمارية في متحف الفن الحديث بنيويورك، باولا أنتونيلي «كانت هوية (آي ماك جي 3) تدور حول الألوان الجميلة».
لعل التكنولوجيا التي نستخدمها اليوم تشير إلى نمط الحياة الذي نعيشه، لكن في الوقت الذي أطلق فيه «آي ماك جي 3» كان هذا الحاسب الآلي بالفعل من الأجهزة التكنولوجية العصرية، وأصبح بمرور الوقت، من الأجهزة الأساسية التي يجب اقتناؤها بحلول بداية الألفية الجديدة، إذ بيع نحو 6.5 مليون وحدة قبل انتهاء فترة إصداره عام 2003.
أظهر جهاز «آي ماك جي 3» جزءاً من ثقافة هذه الحقبة، وخلدته بعض الأفلام الدرامية مثل «فتيات لئيمات»، و«رجال يرتدون الأسود»، و«زولاندر».
تعاون مصمم الجهاز، جوني إيف، مع ستيف جوبز، لإعطاء صورة مذهلة عن الجهاز، وتطورت تصميماته فيما بعد، لتطلق شرارة «كلامشيل إي بوك»، و«باور ماك جي 3».
وقال كاهني «لقد أدركت (أبل) أن الموضة والتصميم والجماليات كانت من أهم العوامل عندما كانت الصناعة بأكملها تتجاهل هذه الأشياء».
كيف كانت بداية «آي ماك جي 3»؟
على الرغم من أن شركة «أبل» انتعشت بإصدار جهاز «ماكنتوش» الأصلي في 1984، فقد أعاقتها إخفاقات أخرى، مثل كمبيوتر «ليزا» الذي تبلغ قيمته 10 آلاف دولار، وكانت بالكاد تتفوق على حصة سوق «إي بي إم» العملاقة في التسعينيات.
ثم جاء طرد جوبز من الشركة التي شارك في تأسيسها عام 1985 بسبب دراما في مجلس الإدارة مع الرئيس التنفيذي آنذاك جون سكولي، ولم يعد لأكثر من عقد من الزمن.
قال كاهني «عندما عاد جوبز إلى الشركة عام 1997، في البداية رئيساً تنفيذياً مؤقتاً، كانت هذه بداية معركة طويلة في شركة (أبل) لتغيير ثقافة الشركة، فقد نقلها كل من جوبز وإيف من شركة تعتمد على الهندسة والتسويق إلى شركة تعتمد على التصميم».
كان جهاز «آي ماك» في الأصل يتداول داخلياً بالاسم الرمزي «كولومبوس» في إشارة إلى أنه يمثل بداية لعالم جديد، وفقاً لكاهني.
ورغم رفض جوبز في البداية لشكل الجهاز، فإن التصميم تحسن مع مرور الوقت، وجاء تصميمه الخارجي بوجود مقبض في الأعلى يسهل حمله.
تضمنت قرارات جوبز -باسم البساطة- بعض المراهنات على مواصفات الجهاز، بدءاً من التخلص المثير للجدل من محرك الأقراص المرنة إلى الاعتماد على تقنية «يو إس بي» الناشئة آنذاك، ثم تسهيل الوصول إلى الإنترنت، إذ جاء الجهاز مزوّداً بكل ما يحتاج إليه المستخدم للاتصال بالإنترنت، بما في ذلك مودم داخلي ومكبرات صوت، و«فأرة» ولوحة المفاتيح.
تأثير ظهور الجهاز الجديد
بعد الإعلان عن جهاز «آي ماك» لأول مرة في مايو أيار 1998، ارتفعت أسهم شركة «أبل» قبيل إطلاقه مباشرة، ولم تتمكن المراجعات النقدية أو سعره البالغ نحو 1299 دولاراً آنذاك (أي ما يعادل 2400 دولار حالياً) من إيقاف هذا الزخم.
بعد أن خصصت ميزانية قدرها 100 مليون دولار فقط لتسويقه، وتحدت شركة «أبل» نظيرتها «إي بي إم»، لتطلق حملة شعارها «فكّر باختلاف»، رداً على حملة الأخيرة التي تحمل شعار «فكّر».
قالت أنتونيلي «إن سحر منتجات (أبل) دائماً ما يقنعك بأن الأمر يستحق دفع المزيد من المال للحصول على هذا النوع من الجودة».
على الرغم من اندثار «آي ماك جي 3»، فإنه أطلق بداية جديدة لبعض الأجهزة الرائجة، وأسس لحقبة جديدة من الألوان التي ظهرت في أجهزة « آيفون»، وخلال 2021، انتشرت بعض الشائعات التي تفيد بإطلاق أجهزة «ماك بوك إير» الملونة، لكنها لم تتحقق حتى الآن.
(جاكي بالومبو- CNN)