نحن نعيش في عصر تحكمه المعلومات، حيث أصبحت البيانات أثمن من أي وقت مضى، واليوم، تُعتبر البيانات «الذهب الجديد» الذي يعيد تشكيل مجالات متعددة من الاقتصاد إلى التكنولوجيا.
وفي ما يلي نسلط الضوء على الأسباب التي تجعل من البيانات أحد الأصول الأكثر قيمة في العالم.
ما هي البيانات؟
البيانات هي مجموعة من المعلومات الخام التي يمكن أن تتخذ أشكالاً عديدة، وتُقسم البيانات عموماً إلى نوعين: البيانات المنظمة، وهي البيانات سهلة التنظيم والتحليل، مثل أرقام الهواتف أو بيانات المبيعات.
والبيانات غير المنظمة، هي البيانات صعبة التحليل، مثل النصوص المفتوحة أو محتوى الوسائط المتعددة.
وعندما يتم معالجة البيانات وتنظيمها، يمكن أن تكشف عن رؤى قيمة تساعد في اتخاذ قرارات استراتيجية.
لماذا تعتبر البيانات «الذهب الجديد»؟
تشير الدراسات إلى أن 99% من الشركات تستثمر في البيانات والذكاء الاصطناعي، إذ أفاد أكثر من 62% من الشركات في استطلاع ماسترسكول بتنفيذ استثمارات تزيد على 50 مليون دولار، وهذا يعني أنه في جميع أنحاء العالم، يتم استثمار مليارات الدولارات في البيانات والتكنولوجيا المستخدمة لتسخير قوتها.
وتواصل هذه الشركات ضخ استثمارات ضخمة في هذا المورد الثمين، لكن ما يجعل البيانات قيمة ليس ندرتها، بل الإمكانات التي توفرها.
على عكس المعادن الثمينة مثل الذهب والنفط، فإن البيانات تتوفر بكثرة، فكل عملية بحث على الإنترنت أو نمط قيادة يتم جمع البيانات بشكل مستمر، وتخزن الشركات الكبرى مثل غوغل وأمازون ما يقدر بنحو 1200 بيتابايت من البيانات، وهذا الرقم في تزايد مستمر، وبالتالي، فإن قيمة البيانات تكمن في كيفية استغلالها.
مع تزايد كمية البيانات المتاحة، تزداد أهميتها، لا تقتصر فوائد البيانات على قطاع التكنولوجيا فقط؛ بل تشمل أيضاً مختلف القطاعات، على سبيل المثال، يمكن لتجار التجزئة استخدام البيانات لتحسين هوامش التشغيل، كما أن تحليل بيانات العملاء يمكن أن يساعد في تخصيص استراتيجيات التسويق.
القيمة السوقية للبيانات
تتوقع التقارير أن تصل القيمة السوقية لتحليلات البيانات الضخمة في الولايات المتحدة إلى 650 مليار دولار بحلول عام 2029، وهذا يمثل زيادة بنسبة 170% في أقل من عقد من الزمان، ما يشير إلى الطلب المتزايد على البيانات، ومع ذلك، ليست كل البيانات متساوية؛ فالجودة والتركيبة السكانية تؤثر على قيمتها.
تغذية الذكاء الاصطناعي
يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً رئيسياً في استغلال البيانات، إذ تعتمد تقنيات مثل التعلم الآلي على البيانات لتحسين الأداء واتخاذ القرارات.
فالذكاء الاصطناعي السائد والمولد مثل ChatGPT أو Dall-E 2، يستغل قوة البيانات للمساعدة في تحسين خوارزمياته ومهارات اتخاذ القرار الخاصة به، يتم تدريب الذكاء الاصطناعي على مجموعات البيانات، ثم يتمكن من تطبيق تلك المعلومات على بيانات جديدة، ولكن الذكاء الاصطناعي لا يساعدنا فقط في كتابة أو إنشاء صور جميلة، بل تلعب خوارزميات التعلم الآلي دوراً حيوياً في البيانات الضخمة للحصول على رؤى دقيقة وفعالة، لكنها لا تستطيع القيام بذلك إلا عندما يكون لديها ما يكفي من البيانات للتعلم منها واتخاذ قرارات أفضل، وهذا يعني أن البيانات والذكاء الاصطناعي متشابكان بشكل وثيق.
ومع توقع تجاوز حجم سوق الذكاء الاصطناعي 1,591 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030، فإن هذا السوق تنمو باستمرار، ولن نحتاج إلا إلى المزيد من البيانات لتعظيم إمكاناته والاستفادة منه لتعزيز رؤى البيانات بشكل أفضل.
الطلب على مهارات البيانات يفوق إتقان البيانات
لا شك أن البيانات أصبحت تشكل جزءاً مهماً بشكل متزايد من حياتنا اليومية، وتستفيد الشركات من البيانات في كل شيء بدءاً من خدمة العملاء وحتى نماذج التسعير وحتى توظيف الموظفين.
يتم جمع الكثير من البيانات، ولكن لا يعرف سوى جزء ضئيل من الأفراد كيفية إدارتها، وجد تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أن أدوار علوم البيانات هي من بين أكثر الأدوار طلباً في سوق العمل، على الرغم من كونها جزءاً صغيراً من القوى العاملة.
مع قيام الشركات بالاستثمار بشكل كبير في جمع البيانات، فإنها تجد نفسها دون الموارد اللازمة لجعلها قابلة للتنفيذ، الأمر أشبه بالجلوس في منجم ذهب لا يمكنك استخراجه من الأرض.
بدءاً من عام 2016، تم إنشاء 90% من جميع البيانات في العالم خلال العامين السابقين، ونحن ننشئ البيانات بشكل أسرع اليوم، ومن المتوقع أن ينشئ العالم 118 زيتابايت من البيانات -أو 118 مليون بيتابايت- في عام 2023، و463 زيتابايت يومياً بحلول عام 2025.
إن الطلب على الأفراد القادرين على فهم البيانات يفوق ببساطة عدد الأشخاص الذين يتمتعون بالمهارات اللازمة للقيام بهذه المهمة، لذا فإن القيمة لا تكمن في البيانات فحسب، بل تكمن أيضاً في الأفراد القادرين على استخراجها (والقيام بذلك على أكمل وجه).
في الولايات المتحدة وحدها، هناك حاجة إلى 1.5 مليون مدير آخر على دراية بالبيانات للاستفادة من البيانات الضخمة، وهذا يشمل فقط المهارات التي نعلم أننا بحاجة إليها اليوم، وهذه فجوة كبيرة في المهارات يجب أن يسدها متخصصو البيانات.
على الرغم من أن البيانات أصبحت جزءاً حيوياً من الحياة اليومية، فإن القلة فقط يمتلكون المهارات اللازمة لتحليلها واستغلالها، تظهر الأبحاث أن أدوار علوم البيانات هي من بين الأكثر طلباً، في حين أن الشركات تجد نفسها تعاني من نقص في الموارد اللازمة للتعامل مع هذه الكمية الهائلة من البيانات.
البيانات ليست مجرد معلومات، بل هي الثروة الجديدة التي تحتاج إلى استثمار وفهم صحيح، بينما نبدأ في استكشاف هذا العالم الرقمي، نحتاج إلى المزيد من المتخصصين القادرين على تحويل البيانات إلى رؤى استراتيجية، إن المستقبل واعد، وعلينا أن نكون مستعدين للفرص التي ستقدمها البيانات في السنوات القادمة.